أدباء ومثقفون وجدوا في «أكدمة» ملتقى قراءة النص في نسخته الـ 19 الذي نظمه نادي جدة الأدبي تحت عنوان: «الحراك الأدبي والنقدي للصالونات الثقافية في المملكة العربية السعودية» فرصة للكتابة في هذا الجانب، وانتقاد هذا التحوّل الذي خرج -كما يرى المثقفون والأدباء- عن مساره الصحيح الذي من أجله أنشئت هذه الأندية، وبقيت سنواتٍ عديدة ملتقى للشعراء وكتاب القصة والرواية ونقاد الأدب والثقافة.
الناقد الثقافي حسين بافقيه كان أكثر الأدباء حديثاً في هذا الأمر، إذ أكد أنه تلقى دعوة للمشاركة في الملتقى إلّا أنه اعتذر لأسباب، منها: تحفّظه على أداء نادي جدّة الأدبيّ في ملتقاه السّنوي (قراءة النّصّ)؛ لهيمنةِ الرّوح الأكاديميّ التّقليديّ عليه، منذ سنوات، وغياب الرّوح الأدبيّ الذي يطابِق اسم نادٍ أرِيد له أن يكون أدبيًّا لا أكاديميًّا،إضافة إلى تعاطفه مع الأدباء والمبدعين الذين ابتعدوا عن النّادي، وعن هذه النّدوة خاصّةً؛ لأنّها لا تختلف عن أيِّ ندوةٍ أكاديميّةٍ خالصةٍ تقام في هذه الجامِعة أو تلك، وتحفظه على تحوّل «اللّجنة العِلميّة» للنّدوة إلى لجنةٍ أكاديميّة خالصة، وكأنّنا، كذلك، في قِسم اللّغة العربيّة بكلِّيّة الآداب، أو كلِّيّة اللّغة العربيّة.
وأبدى بافقيه استغرابه أن يفحص بحوث النّدوة ويجِيزها من ليس له معرفة بموضوعها، واستثني مِن ذلك عضوين، إضافة إلى تشابه أوراقٍ عِدّة في موضوع واحد، واستشهد بافقيه بندوة العام الماضي؛ حيث تحدّثت أربع أو خمس ورقات عن مجلّة العرب لمنشِئها الشّيخ حمد الجاسر، وثلاث أو أربع ورقات عن مجلّة المنهل لمنشئِها الشّيخ عبدالقدّوس الأنصاريّ، ولعلّ ذلك ينبئ عن غياب الرّؤية والتّخطيط، وشيوع المجاملة. وأكد بافقيه أنّ هذا التكرار حدث في ندوةٍ هذا العام، وإن لم يكن بقدرٍ كبير، وتكرار أسماء المنتدين مِن أصحاب الأوراق، وضيوف المنتدى مِن خارجِ مدينة المقرّ!
بافقيه لم يخفِ استياءه من تحوّل هذا الملتقى إلى ملتقى للأكاديميين في مختلف الجامعات السعودية، وأكّد أنّ الموضوع أدبيّ ثقافيّ، وهو، بهذا المعنى، نشاط عامّ لا تخصّصيّ، وأقرب المعنيِّين به هم الأدباء لا أساتذة الجامِعة مِن مدرِّسي الأدب والنّقد إلّا أنّ النّدوة كانت أكاديميّة، وكأنّنا في الجامِعة!
وعن الأسباب التي ساهمت في تحوّل الأندية الأدبيّة، التي هي مِن اسمِها أدبيّة، إلى ما يشبِه أفرع أقسام اللّغة العربيّة في الجامِعات، وابتعاد الأدباء والمبدعين -أو إبعادهم!- عن أنديتِهم طالب بافقيه بالتأمل في تركيبة نادي جدّة الأدبيّ لمحاولة فهم ما يحدث، فرئيس مجلس الإدارة: أستاذ قدير وذو خلقٍ رفيع، ولكنّ عِداده في الأكاديميِّين لا الأدباء، ولا تعرف له مشاركة في الحياة الأدبيّة قبل أن يجلِس على كرسيٍّ هو مِن حقِّ الأديب لا الأستاذ الجامِعيّ.
الشاعر علي بافقيه اتفق مع الناقد حسين بافقيه في أنّ الموضوع أدبي إبداعي لا علاقة له بالأكاديميين، وأكد أنّ رأي حسين بافقيه لا يختلف عليه اثنان حتى لو كانا من الأكاديميين أنفسهم، وأنّ هذا الرأي مسكّت والحلّ مسكوت عنه، وسيظلّ الأكاديمي ساكتاً لأنه مستفيد وطالب علي بافقيه الأدباء وأهل الكتابة الإبداعية بالتحرك لإنقاذ المشهد الأدبي؛ لأنّ النشاط الأدبي الإبداعي سيكون في خطر إن استمر الوضع على هذا الحال!
أما الدكتور أحمد الهلالي فقد قال إنه لم يشارك، ولم يحضر، ولم يدع، ولم يعلم عن الملتقى إلا قبيل انعقاده بأيام من صفحات الأصدقاء المشاركين، وطالب الهلالي بأهمية أن يستوضح من نقاط مهمة من وجهة نظره، يجب استقصاؤها قبل الحكم، وقبل أن يلج القول في جدلية الأكاديمي والأديب، ومنها: هل أعلن النادي محاور الملتقى للجميع، أم استكتب الأكاديميين واصطفاهم؟، وأضاف، إنّ كان النادي قد أعلن، فهل شارك الأدباء واستبعدت أوراقهم باعتبار اللجنة أكاديمية صرفة، لا تقبل إلا من تمثّل طريقة الأكاديميين، وإن كان النادي قد أعلن، وتقاعس الأدباء عن المشاركة، فمن الملوم؟!
غريب في الأرض الغريبة
أكد الشاعر أحمد السيد عطيف أنّ الشكوى من الموجة الأكاديمية بدأت من أول تغيير للمجالس القديمة وتعيين مجالس جديدة، ثم جاءت ما يسمّونها «انتخابات» ولم تؤثر في اندفاع الموجة، ثم انتهت مدة المسمّاة انتخابات، ثم تمديد ثم تمديد ثم تقليص ثم لم ينشط أحدٌ للدفن!
وأضاف عطيف: لا أحد يتحفظ على الأكاديمي إذا خلع رداءه الأكاديمي على باب النادي ودخله أديباً خالصاً، أما إذا دخل بردائه إلى النادي متسلحاً ومتحصناً به فهو «غريب في الأرض الغريبة» ولا يؤنسه إلا زملاؤه في الجامعة، فيسعى مخلصاً لتكثير سوادهم في النادي، بأوراقهم وموضوعاتهم في الجامعة. وإذا صبغ النادي بصبغة الجامعة فهو يفعل، مخلصاً، أفضل ما لديه، وليس عنده ما يحتاجه النادي… والجامعة مؤسسة مرموقة، لكنها في النهاية مدرسة تعليم، والنادي ليس كذلك، فهو إلى المركاز أقرب، النادي ليس جامعة، وكلاهما يفقد هويته وربما حياته إذا حقنوه بالآخر، وخلص عطيف إلى وصايا الأوائل في قولهم: كرامة الميت دفنه، في إشارة إلى انتهاء دور الأندية الأدبية ووجوب إغلاقها!
الشاعر والكاتب محسن السهيمي أكد أنّ تخلي الأندية الأدبية عن هويتها (الأدبية) ومطاردتها للمفهوم العام (الثقافة) كان سبباً وجيهاً في الحال التي وصلت إليها بعض الأندية الأدبية!
وكانت «عكاظ» قد تواصلت مع رئيس النادي الأدبي بجدة الدكتور عبدالله عويقل السلمي؛ للتعليق، لكنه لم يرد إلى لحظة نشر هذه المادة.