أكدت وزيرة دولة للتطوير الحكومي والمستقبل، نائب رئيس القمة العالمية للحكومات عهود بنت خلفان الرومي، أننا نعيش اليوم عصر التحولات المتسارعة والمتغيرات المستجدة، وهذه التحولات سبّبت طلباً عالمياً متزايداً على التنظيم والتشريع، أو ما نسميه “ثورة تشريعات”. مضيفة: “بالتعاون مع الأمم المتحدة رصدنا في تقرير “الفرص المستقبلية” فرصاً جديدة تقدر بأكثر من 30 تريليون دولار في القطاعات المستقبلية بحلول العقد المقبل؛ ولا يمكن استثمار هذه الفرص إلا من خلال التنظيم والتشريع الاستباقي.
وأشارت خلال كلمتها بافتتاح “المنتدى العالمي لتصميم المستقبل”، ضمن فعاليات القمة العالمية للحكومات، إلى أن أغلب تشريعات العالم اليوم وضعت في القرن العشرين، لكننا نعيش اليوم عصر التحولات العالمية المتسارعة، إذ لدينا تحديث تشريعي كل 7 دقائق على مستوى العالم، فيما بلغ معدل التغييرات التشريعية 500% في العقد الماضي، وأصبح لدينا طلباً عالمياً مزدهراً للتشريعات في السوق العالمي، إذ بلغت قيمة سوق التشريعات الجديدة في العالم 31 مليار دولار.
وقالت عهود الرومي، إن التكنولوجيا هي المحرك الرئيس للتحول التشريعي نتيجة التقدم السريع في توظيف التقنيات الحديثة في جميع جوانب الحياة اليومية، واليوم تدخل التشريعات سباق التطور مع الابتكار الرقمي الذي أدى إلى ظهور قطاعات ونماذج أعمال جديدة بشكل متسارع، إلا أن التشريعات واللوائح التنظيمية لا تتطور بنفس سرعة تطور الابتكار الرقمي.
وأضافت: “اليوم لدينا لغات مستقبل جديدة للتشريعات تضعها التكنولوجيا من خلال توظيف الذكاء الاصطناعي، وتنفذها التكنولوجيا التشريعية بما يحقق الفرص والسرعة، ويحسّن الكفاءة، ويخفض التكاليف.
ولفتت إلى أن الحكومات حول العالم تواجه اليوم تحديات تشريعية من جانبين؛ الأول فيه تحديات نتيجة تراكم التشريعات المتقادمة، إذا وصلت كُلفة تراكم التشريعات وفق دراسة تمت في جامعة جورج ميسن في الولايات المتحدة إلى 4 تريليونات دولار، وهو ما يعادل الناتج المحلي الإجمالي لرابع أغنى دولة في العالم.
وذكرت أن الجانب الثاني يأتي في كيفية تشريع القطاعات الجديدة، والتي تعد سريعة التوسع مع تركيزها على حماية البيانات ودعم نمو الفرص.
وقالت عهود الرومي: “نحتاج اليوم إلى تطوير الآليات المناسبة للحكومات للتعامل مع قطاعات بلا تشريعات في غالبية دول العالم؛ فعلى سبيل المثال من المتوقع من أن يصل سوق الفضاء إلى 1.5 تريليون دولار بحلول 2030، فدولة الإمارات كانت سبّاقة في إصدار قانون الفضاء لتحفيز الاستثمار وتشجيع مشاركة القطاع الخاص والأكاديمي في قطاع مستقبلي واعد بآفاق واسعة وفرص لا محدودة.
وأضافت: “وهنا تظهر حاجة الحكومات إلى مختبرات تشريعية غير تقليدية تنقل التشريعات واللوائح الحكومية الى القرن الحادي والعشرين. ومن المهم بناء فرق متعددة التخصصات بمهارات متنوعة لوضع تشريعات المستقبل؛ فالتنظيم مسؤولية مشتركة وتعاون بين أكثر من فريق واحد”.
واعتبرت أن الهدف الأساسي هو ربط التشريعات بالفرص، والمرونة في دعم نماذج الاعمال الجديدة، وجذب المواهب لصناعة واقع إيجابي جديد وبيئة تنظيمية داعمة للقطاعات المستقبلية، حتى نعطيها زخماً أكبر، ونطلق إمكاناتها ونجعلها أكثر تأثيراً في الاقتصاد العالمي.
واختتمت كلمتها قائلة: “يمكن للتشريعات إما أن تأخذنا إلى المستقبل لنستفيد من فرصه ونستثمرها في خدمة دولنا، أو تعود بنا إلى المربع الأول ونهدر عدداً لا يحصى من الفرص في المستقبل”، مؤكدة أن الدور الأساسي للحكومات هو تهيئة البيئة التشريعية المناسبة لها.
من جانبه، أعلن المدير العام للهيئة العامة لتنظيم الاتصالات والحكومة الرقمية، المهندس ماجد سلطان المسمار، عن إطلاق مبادرة “منظومة البيئة التشريعية لتكنولوجيا الاتصالات والمعلومات (ICT Regulatory Sandbox) “؛ المشروع الوطني الرائد الذي يندرج ضمن دور الهيئة كممكّن وكمنظّم لقطاع الاتصالات والمعلومات والحكومة الرقمية.
وقال المسمار إن منظومة البيئة التجريبية التشريعية تهدف إلى خلق بيئة تنظيمية مرنة تسمح بإطلاق حلول وخدمات مبتكرة في قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بهدف تمكين ريادة الأعمال ودعم النمو الاقتصادي نحو التحول الرقمي، فضلاً عن زيادة الاستثمارات وتحقيق النضج التنظيمي في عصر يتسم بالتغيرات المتسارعة.
وأضاف أن هذه المنظومة ستسمح باستكشاف أثر التقنيات الجديدة والشبكات والخدمات والحلول المختلفة التي تعتمد على تقنيات الاتصالات.
وأشار إلى أن إعلان صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي عن تكليف الجهات المختصة بإعداد دراسة عاجلة ورفعها لمجلس الوزراء حول الطريقة المثلى للاستفادة الحكومية من تقنيات الذكاء الاصطناعي الجديدة مثل ChatGPT وتأثيراته المستقبلية على القطاعات التعليمية والصحية والإعلامية وغيرها، وكيفية التعامل الحكومي الإيجابي والآمن مع هذه التقنيات، يمثل ترجمة عملية لما يمكن تسميته “المدرسة الإماراتية في التفكير المستقبلي”.
ولفت إلى أن الطبيعة المتسارعة لعصر الثورة الصناعية الرابعة جعلت من الحاضر والمستقبل أشبه بحالة من الاشتباك والتداخل.. هذه الحالة تنبأ بها أينشتاين قبل أكثر من مئة عام عندما قال: “ما إن أفكر في المستقبل، حتى أجده ماثلاً أمامي”.
وشدد على أن التقنيات الناشئة والجذرية التي تنبثق إلى الوجود بتجلياتها المختلفة كل يوم، تضع المستقبل في مرأى منا جميعاً، وتضعنا بالتالي أمام خيارين لا ثالث لهما: فإما أن نتوارى وننتظر جلاء الصور، وعندئذ قد تجتاحنا المتغيرات بقوة تشبه التسونامي، وإما أن نسارع إلى فهمها واستجلائها وتنظيمها والسيطرة عليها، وعندئذ نصبح من صناع المستقبل ومستحقيه.