في 27 أكتوبر 2022 وقعت إسرائيل ولبنان، اتفاقاً لتحديد الحدود البحرية بينهما في شرق البحر الأبيض المتوسط، والتي جاءت بعد 12 عاماً من المفاوضات، والتي لعب فيها الدبلوماسي الأميركي، أموس هوتشستين وفريقه، دور رأس الحربة، من قبل وزارة الخارجية الأميركية.
وأثنى الكثير من قادة دول العالم على الاتفاق، وأشار الرئيس الأميركي، جو بايدن، إلى أن «الطاقة في شرق المتوسط يجب ألا تكون سبباً للصراع وإنما أداة للتعاون» في حين وصفه الرئيس الفرنسي، مانويل ماكرون، بأنه «خطوة مهمة نحو السلام لجميع شعوب المنطقة»
وقام العديد من الدول في منطقة شرق المتوسط الغنية بالغاز، مثل مصر وقبرص، بخطوات من أجل استكشاف احتياطيهم في السنوات الأخيرة. وقامت إسرائيل بالاستفادة اقتصادياً من استخراج الغاز وكذلك لبنان، ولكن كان لابد من تحديد الحدود البحرية من أجل ذلك.
لبنان يحتاج إلى خمس أو ست سنوات
وقامت إسرائيل باستخراج الغاز وبيعه لمصر والاتحاد الأوروبي عام 2022. ولكن لبنان لايزال متأخراً في هذا المجال، على الرغم من أنه بحاجة ماسة لإنقاذ اقتصاده من خلال بيع الغاز أو النفط. وفي يناير الماضي وقعت حكومة بيروت اتفاقية مع شركة «توتال أنيرجي» الفرنسية، وشركة «إيني» الإيطالية، و«قطر للطاقة» لبدء التنقيب في وقت لاحق من العام الجاري. ويتوقع الخبراء أن لبنان لن يستفيد مالياً من هذه الموارد قبل خمس أو ست سنوات مقبلة. وينبغي أيضاً تحديد حدود لبنان مع سورية و قبرص بصورة واضحة تماماً.
ووفق ما ذكره صندوق النقد الدولي في يناير 2022 فإن الأزمة الاقتصادية التي تعصف بلبنان حالياً تعتبر واحدة من أسوأ الأزمات التي ظهرت في كل أنحاء العالم منذ منتصف القرن الـ19. وأصبحت البطالة تشكل الآن 30% من تعداد السكان، في حين أن التضخم جعل 74% من اللبنانيين على الأقل يعيشون على أقل من 14 دولاراً شهرياً. وقالت وكالة رويترز إن الليرة اللبنانية فقدت 97% من قيمتها منذ عام 2019. ويأتي كل ذلك في خضم اضطراب سياسي، حيث عجز لبنان عن تشكيل حكومة بعد انتخابات برلمانية تمت في مايو2022. وتفاقمت الأمور بعد نهاية فترة الرئيس ميشيل عون في 31 أكتوبر من العام الماضي.
ويمكن أن يصبح احتياطي الغاز والنفط قبالة الشاطئ اللبناني بمثابة شريان الحياة للبنان، ولكن تشكيل الأساس الفعال من أجل عمليات الاستكشاف والاستخراج المستقبلية، ريما سيكون أمراً صعباً بالنسبة للمناخ السياسي الممزق في بيروت. ونتوقع ظهور ثلاثة تحديثات دستورية أمام لبنان عند التعامل مع ثروته الطبيعية. وإذا تم تجاوزها فستكون الدولة قادرة على إطلاق العنان لإمكانات شعبها.
سجل الفساد والمحسوبية
أولاً، يتميز لبنان بانه يمتلك سجلاً من الفساد المنهجي واسع الانتشار، والمحسوبية السياسية التي يمكن أن تمنع الدولة من الاستفادة من عائدات النفط والغاز. ويأتي ترتيب بيروت في المرتبة 150من أصل 180 على مقياس الشفافية الدولية والفساد، وحصلت على درجات ضعيفة على الحكم الرشيد من البنك الدولي، ويرجع ذلك إلى النظام السياسي الذي يوزع السلطات السياسية على الطوائف.
صندوق سيادي لبناني
وحتى لو تمكن لبنان من الحصول على ثروته الطبيعية، عليه أن يقرر كيف يحتفظ بها للأجيال المقبلة. وهذا يضع لبنان أمام التحدي الثاني. وفي عام 2010 نص قانون الموارد النفطية قبالة شاطئ لبنان على تشكيل صندوق سيادي للثروة. وتقوم الآن لجنة برلمانية بدراسة أربع مخططات على الأقل حول كيفية القيام بذلك.
ووفق ما يقوله المحلل، أندرو باور، فإن الصناديق السيادية يمكن أن «تصبح مصادر للمحسوبية أو الفساد» ما يجعلها مسعىً محفوفاً بالمخاطر. وربما يكون هناك نزاعات سياسية واتفاقات وراء الكواليس، حول كيفية إشراف الحكومة على إدارة الصندوق، وتعيين هيئة لإدارة الصندوق وكل ذلك سيغوص في التوتر الطائفي. وبالنظر إلى الأزمة الاقتصادية في لبنان، ثمة مصدر آخر للقلق يتضمن قيام المسؤولين الحكوميين بإعادة توجيه عائدات النفط والغاز نحو نفقات الحكومة، وتخفيض الدين العام بدلاً من الاستثمار ورخاء الأجيال القادمة. وعندما قام البنك المركزي اللبناني بذلك في الماضي، كانت النتيجة فشلاً ذريعاً، ما أدى إلى استنزاف الاحتياطي الأجنبي وزيادة انخفاض قيمة الليرة اللبنانية.
وأما التحدي الثالث فهو، حتى إذا كانت الهياكل الصحيحة لإدارة الثروة النفطية في مكانها المناسب، فإن المعلومات المتوافرة أخيراً تظهر أن لبنان سيتحمل عبء الضعف المتزايد لقدرات الحكومة. وأدى خفض الميزانية، وتآكل الأجور نتيجة التضخم المرعب إلى استنزاف الإدارة العامة الضعيفة أصلاً، ونزوح جماعي من الخدمة في الخدمات المدنية، وبالتالي هجرة العقول بصورة جماعية.
نسبة الشواغر
وأصبحت نسبة الشواغر في القطاع العام تساوي 72% وفق التقييمات الحكومية الأخيرة لتأثير الأزمة المالية على القدرات المؤسسية، وتوقف على الأقل خدمة 52.6% من المؤسسات العامة للدولة وفق المسح الذي أجري في ديسمبر 2021، وأكدت 40% من هذه المؤسسات أن لديها القدرة على المحافظة على توفير الخدمة بعد عام 2022. وأكد تقرير للبنك الدولي صادر عام 2021 أن هذه الظروف يمكن أن «تؤدي إلى كارثة إنسانية كبيرة، لن يكون التخلص منها أمراً سهلاً»
ولكن الأخبار الجيدة مفادها أن اتفاق ترسيم الحدود البحرية، سيكون بداية جهود دبلوماسية مكثفة لإعادة تجهيز المؤسسات اللبنانية العامة، وإعادة الدولة إلى جادة الصواب بعيداً عن الفقر. ويمكن أن تقدم إدارة الرئيس بايدن وحكومات أخرى المساعدة للضغط على لبنان من أجل الشفافية، والمحاسبة، في تطوير قطاع الغاز والنفط، والسعي من أجل تسخير عائداته. ويمكن أن تقوم واشنطن بدفع بيروت نحو إجراء إصلاحات تتفق عليها مع صندوق النقد الدولي، إضافة إلى رفع رأسمالها الإنساني والمالي من خلال مساعدة تنمية رسمية، وسندات اللبنانيين في الخارج ومؤسسات لبنانية أخرى.
ومن الواضح أن لبنان وصل إلى مفترق طرق، كما أن القرارات التي تتخذها الدولة بشأن كيفية تطور قطاع الغاز والنفط، هي سياسية في الأصل، ولكنها لا يمكن أن تأخذ شكل اتفاقية سياسية فاسدة بين أصحاب النفوذ الحاليين في الدولة. ولكن مع وجود الشفافية المناسبة والإشراف، سيكون لدى بيروت الفرصة لبناء دولة قابلة للحياة في المستقبل.
• وفق ما ذكره صندوق النقد الدولي في يناير 2022 فإن الأزمة الاقتصادية التي تعصف بلبنان حالياً تعتبر واحدة من أسوأ الأزمات التي ظهرت في كل أنحاء العالم منذ منتصف القرن الـ19.
• أصبحت البطالة تشكل الآن 30% من تعداد السكان، في حين أن التضخم جعل 74% من اللبنانيين على الأقل يعيشون على أقل من 14 دولاراً شهرياً. بعد أن فقدت الليرة اللبنانية 97% من قيمتها منذ عام 2019.
خلدون أبوعاصي ■ أستاذ جامعي أميركي في القضايا العامة.
لمياء مبيض ■ خبيرة في الإدارة العامة في الأمم المتحدة.
ديبورا لي ترينت ■ مستشار مستقل، وعضو في القوة الخاصة الأميركية المتعلقة بلبنان.