في يوم 12 أكتوبر من العام 2015، اعتقلت قوات الاحتلال الأسير الفلسطيني أحمد مناصرة من سكان بلدة بيت حنينا شمال مدينة القدس الشريف، عندما كان يبلغ من العمر (13 عاماً وتسعة أشهر)، بعد أن أطلقت عليه نيران أسلحتها، لترديه جريحاً على الفور.
نُقل أحمد إلى معتقل «المسكوبية» في المدينة المقدسة، رغم حاجته لاستكمال فترة علاجه، ليقتاد للتحقيق من قبل جهاز المخابرات الإسرائيلي، بينما كان يتأوه من شدة آلام إصابته، ويمثل بعد ذلك أمام المحاكم الإسرائيلية طفلاً، والتي حكمت عليه بالسجن 12 عاماً، وغرامة مالية قدرها (180) ألف شيكل، وبالتالي يمضي سنوات عمره البريئة داخل معتقلات الاحتلال.
سبع سنوات مرت على أحمد ليصبح الطفل الصغير شاباً يافعاً، ودع طفولته مكبلاً بالأصفاد بين أركان زنازين صغيرة، قيدت أحلام طفولته الكبيرة، بل أبادتها عن بكرة أبيها، فلم يعد في ذاكرته من صور بريئة ينقلها فيما بعد لغيره من الأجيال المقبلة.
طفولة ضائعة
الإمعان في تفاصيل حكاية الأسير الفلسطيني، أحمد مناصرة، يؤكد انتهاك حقوق أطفال الأراضي المحتلة، ففي مدن فلسطين كافة لا يمكن ليوم الطفل العالمي الموافق 20 نوفمبر أن يمر كباقي دول العالم، دون أن يترك صورة قاتمة داخل كل بيت فلسطيني ودع صغيره شهيداً، أو حرم منه أسيراً، أو أصابته جراح طويلة الأمد، جراء الممارسات الإسرائيلية التعسفية، التي لا تفرق بين طفل صغير أو شيخ كبير.
التقت «الإمارات اليوم» أحمد مناصرة عم الأسير أحمد، ليصف مأساته خلف القضبان قائلاً، «إنه قضى سنوات طفولته داخل المعتقلات الإسرائيلية محروماً من حقوق الطفولة التي شرعتها قوانين العالم أجمع، بعيداً عن حنان الأب والأم، مجرداً من حقه في اللعب والتعلم وممارسة هواياته، وتحقيق أحلامه».
ويضيف، «إن الأسير أحمد عندما اعتقلته سلطات الاحتلال كان طفلاً، ومازال يعيش مرحلة الطفولة، خصوصاً أنه تعرض لانتكاسه نفسية حادة، فاقمت من معاناته داخل المعتقلات، لاسيما عندما حرم لفترات طويلة من زيارة أهله له داخل السجون».
ويشير مناصرة إلى أن ابن شقيقه يواجه إجراءات تعسفية من قبل الاحتلال، فإدارة مصلحة السجون الإسرائيلية غالباً ما تسرق ما نودعه له من نقود له داخل مقصف السجن، الذي يعرف باسم «الكنتينا»، لحجج واهية وهي «العقوبات».
ويقول عم الأسير مناصرة، «إن أحمد يعيش منذ أكثر من عام ونصف داخل العزل الانفرادي (الزنزانة)، فيما مثل أمام المحكمة الإسرائيلية لتمديد عزله لستة أشهر أخرى، كما رفض الاحتلال طلباً قدمناه من أجل إطلاق سراحه المبكر، ضمن قانون يسمى (ثلث فترة الاعتقال) مرات عديدة».
أحلام خلف القضبان
أحمد مناصرة ليس الطفل الوحيد الذي تكبله القيود الإسرائيلية، فخلف قضبان معتقلات الدامون وعوفر ومجدو يقبع 170 طفلاً فلسطينياً، قاصراً من بينهم ثلاث فتيات، وخمسة أطفال رهن الاعتقال الإداري الذي يحتجز الأسير لفترات طويلة من دون اتهام موجه أو حكم قضائي، وذلك بحسب المتحدث باسم هيئة شؤون الأسرى حسن عبدربه.
ويقول عبدربه لـ«الإمارات اليوم»، في حديث خاص «شهد العام الجاري منذ بدايته تكثيف قوات الاحتلال عمليات استهدافها الطفولة الفلسطينية، من خلال الملاحقة والدهم والاعتقالات، فقد بلغ عدد من اعتقلتهم إسرائيل حتى شهر نوفمبر (800) طفل بشكل تعسفي من مختلفة المحافظات الفلسطينية بما فيها القدس، التي يتعرض أطفالها لعمليات التنكيل وفرض الحبس المنزلي، والاحتجاز داخل مراكز لإيواء المعتقلين الصغار».
ويضيف، «إن الاحتلال عمد إلي التنكيل بالأطفال وممارسة السادية ضدهم داخل المعتقلات، إذ يتعرضون لسوء المعاملة من خلال التفتيش العاري والاستفزازي، وفرض العقوبات بحقهم، من منع زيارة الأهالي لهم تارة، والحرمان من (الكنتينا) والخروج إلى ساحة الفورة، وفرض غرامات مالية كإجراءات عقابية من إدارة مصلحة السجون الإسرائيلية، إلى جانب تشديد العقوبات والأحكام ضد الأسرى الأطفال، وفرض الغرامات المالية بحقهم كإجراءات عقابية جماعية».
ويؤكد المتحدث باسم هيئة شؤون الأسرى الفلسطينيين إهمال إدارة السجون الإسرائيلية توفير الرعاية الطبية والعلاج اللازم للأطفال الأسرى، سواء المرضى منهم أو الجرحى، الذين تعرضوا لإطلاق نار مباشر من القوات الإسرائيلية أثناء عملية ملاحقتهم واعتقالهم.
ويشير إلى أن أطفال فلسطين الأسرى يحرمون من الرعاية النفسية والإرشادية داخل السجون، مبيناً أن ذلك يفاقم من المشاكل النفسية والعصبية والصحية لدى الأطفال الذين يحرمون من ممارسة طفولتهم وحقهم في اللعب والحرية والتعليم خلف القضبان.
إبادة البراءة
بالانتقال من خلف القضبان التي أنهكت براءة بعمر الزهور، ونشرت ويلات الفراق داخل بيوت ذويهم، فإن مئات المنازل في شتى بقاع فلسطين يسكنها ألم فراق أولادها الصغار، الذين قضوا نحبهم جراء تعرضهم لجرائم قتل وإبادة وحشية، على أيدي القوات الإسرائيلية.
وسجلت شهور العام الجاري أرقاماً قياسية تثبت تعمد الاحتلال الإسرائيلي استهداف أطفال فلسطين، ففي إحصائية للحركة العالمية للدفاع عن الأطفال، قتلت القوات الإسرائيلية 49 طفلاً فلسطينياً منذ بداية العام الجاري 2022، منهم 32 طفلاً في الضفة الغربية و17 آخرين في قطاع غزة، فيما يحتجز الاحتلال جثامين 12 طفلاً منهم داخل الثلاجات، ليحرم ذويهم من إلقاء نظرة الوداع الأخيرة عليهم.
ومن بين قصص القتل التي نشرتها إسرائيل بين المدن الفلسطينية، لتخطف أرواحاً بعمر الزهور، ما تعرض له الطفل ريان ياسر سليمان (سبعة أعوام)، من بلدة تقوع، إلى الجنوب الشرقي من مدينة بيت لحم بالضفة الغربية، والذي دفنت أحلامه في مهدها، عندما توقف قلبه من الخوف بعد ملاحقة جنود الاحتلال المدججين بالسلاح له يوم 29 سبتمبر الماضي.
وبرحيل ريان ذاك الطفل الذي حلم أن يصبح ممرضاً في كبره، يرتفع عدد الأطفال في عائلته الذين تعرضوا لملاحقات واقتحامات جنود الاحتلال وتفتيش منزلهم إلى ثلاثة.
وفي مدينة نابلس شمال الضفة الغربية، أصيب الطفل غيث رفيق يامين (١٥ عاماً) برصاص قناص إسرائيلي في رأسه، في منطقة «عراق التيه» شرق نابلس، ليرتقي فوراً إلى الرفيق الأعلى.
وبالوصول إلى قطاع غزة الذي يتعرض لحصار إسرائيلي منذ صيف عام 2006، فارقت الطفلة آلاء قدوم (خمسة أعوام) أحلامها الوردية، مودعة ذويها مضرجة بدمائها التي سالت في فناء منزلها، إثر إطلاق المروحيات الإسرائيلية صواريخها تجاه المنطقة، التي تقطن بداخلها في حي الشجاعية شرق مدينة غزة، في 15 من شهر أغسطس الماضي، وفي اليوم التالي وعلى بعد مئات الأمتار من المكان التي قتلت فيه الطفلة قدوم، أبادت صواريخ الاحتلال الشقيقين مؤمن (خمسة أعوام) وأحمد النيرب (11 عاماً).
وفقاً لإحصائية للحركة العالمية للدفاع عن الأطفال، قتلت القوات الإسرائيلية 49 طفلاً فلسطينياً منذ بداية العام الجاري 2022، منهم 32 طفلاً في الضفة الغربية و17 آخرين في قطاع غزة، فيما يحتجز الاحتلال جثامين 12 طفلاً منهم داخل الثلاجات.
أطفال فلسطين الأسرى يحرمون من الرعاية النفسية والإرشادية داخل السجون، ما يفاقم المشاكل النفسية والعصبية والصحية لديهم ويحرمهم من ممارسة طفولتهم وحقهم في اللعب والحرية والتعليم خلف القضبان.