بقلم: أستاذ القانون د.سعود الطامي
لا نرثي اليوم رجلا عاديا أو شخصا عابرا، وإنما رمز وطني سكن في قلبه الوطن، وارتسمت في ملامحه بادية وحضر الكويت، وعانقت روحه وجه الكويت الذي يجمع الماضي والحاضر، فقسمات وجهه مزيج لنسيج الكويت الاجتماعي والثقافي.
فالوالد الراحل النائب السابق سعد فلاح الطامي، طيب الله ثراه، استوطن قلوبنا بوجهه البشوش المشرق وعطائه المشهود بلا حد أو سقف، ومواقفه الوطنية، ودوره الاجتماعي، والإصلاحي.
رحل بجسده تودعه العبرات وتنفطر لذهابه القلوب وتنكسر لفراقه النفوس، وعندما يرحل هؤلاء الرجال تنقص الأرض من أطرافها، وتنطفئ منارة كبرى كانت ترسل إشعاعات خيرها ونورها في ربوع الوطن.
مسيرة حافلة في خدمة الوطن، حيث عرف الراحل بمواقفه الوطنية وعطائه المشهود، فاستحق في وداعه الأخير هذا الجمع الغفير إقرارا بمكانته في قلوب أهل الكويت، وتأصيلا لمسيرته الحافلة ونهجه الراسخ في تجسيد التلاحم والتعاضد والروابط بين أبناء الكويت، فهو ابن البادية والحضر وابن القبائل والعوائل، فقد أحب وطنه وشعبه فأحبه كل من يعرفه والتقاه.
على مدار 88 عاما قدم كل صور العطاء، فقد عرف بمواقفه الوطنية الثابتة واستقلالية قراراته السياسية، حيث شغل عضوية مجالس الأمة في 1971 و1975 و1985 و1999، بعد أن قدم استقالته من عمله الحكومي عام 1971 ليتفرغ لخدمة الوطن من خلال العمل النيابي، ولم يكن مجرد صوت في مجلس الأمة، بل كان مصلحا جريئا، يدافع عن حقوق الشعب والإصلاحات الديموقراطية، وكان في الصفوف الأمامية، يطالب بتعزيز الشفافية ومكافحة الفساد، وتميز بحضوره ونشاطه البرلماني، فقدم 25 اقتراحا بقانون و62 سؤالا و68 اقتراحا برغبة.
على الرغم من ابتعاده لاحقا عن العمل السياسي، ظل الراحل مرجعا يستشار من قبل نواب وسياسيين ومواطنين، لما عرف عنه من حكمة ورؤية وطنية صادقة، ومن لم يقابله تعرف على ملامح هذا الوجه الضارب في جذور تاريخ الكويت من خلال العزاء الذي شارك فيه مكونات المجتمع الكويتي ورموزه الذين تسابقوا، ليس للعزاء في الوالد سعد فلاح الطامي فحسب، وإنما لتوثيق مراحل حياته التي تختزن في صحائف أعماله، لذلك فتجربة فقيدنا ليست كأي تجربة.. إنها تجربة فريدة جسدت حياته من قوة وعزم وصبر وصمود في وجه الصعاب والتحديات، فتشكلت شخصيته مشاركا رموز الوطن وقواه في الدفاع عن الوطن والمواطن بشرف، وأمانة، وصدق.
يسجل لسعد فلاح الطامي أنه منذ بدايته مع الحياة البرلمانية في مجلس 1971 وضع مصلحة المواطن والشعب الكويتي كأهم أولوياته، فمن بين 25 اقتراحا بقانون قدمها كان من المبادرين بزيادة المساعدات الاجتماعية بمقدار النصف، وقدم أكثر من اقتراح لإلزام الشركات بتوظيف الكويتيين، واقتراح باعتماد 80 مليون دينار لسداد القروض والقسائم وبناء بيوت ذوى الدخل المحدود، وإعفاء أصحاب بيوت ذوي الدخل المحدود والقسائم من القروض التي عليهم للدولة باستثناء الوزراء وأعضاء مجلس الأمة.
نعلم أننا لا نموت بفقدان من نحب، ولكننا ننكسر بوجع لفقدنا من كان يشاركنا في أدق تفاصيل حياتنا، فصورته لا تفارق قلوبنا، فقد كان الملجأ والمتكأ وشجرة الظل الظليل لكل طلاب الحق والعدل! ونعاهدك يا والدنا أن نكمل مشوار حياتنا ملتزمين ـ بإذن الله ـ بكل ما تحبه منا من طاعة الله وما يرضيه.
رحل صاحب الخبرة الممتدة والواسعة وفي قلبه حب لكويت الحاضر ومسارها الحضاري والإنساني، يا صاحب القلب الكبير كل الناس اجتمعت على محبتك، تشهد بذلك الجموع الغفيرة من المصلين والمعزين والمشيعين.
غاب الوالد سعد الطامي عن مشهد الحياة بصمت، وانطوت صفحة جسده، ففقد آل الطامي الأب، رحمك الله وغفر لك وعفا عنك، وإن العين لتدمع والقلب ليحزن وإنا لفراقك أيها الوالد سعد لمحزونون.. اللهم إننا نشهد بأنه صاحب فضل وبر وإحسان وخير وأنت تعلم السر وأخفى، وأنت بصير بالعباد لا نزكي عليك أحدا، أنت حسيبه وحسيبنا وحسيب كل أحد، اللهم ارفع منزلته في أعلى عليين، اللهم اجبر مصابنا فيه، وأن تجعلنا وإياه وجميع المسلمين مع نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في أعلى جنان الخلد، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا.. إنا لله وإنا إليه راجعون.
