يتشكل في الأفق ما يشبه نذر احتكاك بين القوى العظمى في بحر الصين الجنوبي، حيث يعتقد أكثر من مراقب أن الصراع المتزايد بين الصين والفلبين حول الشعاب المرجانية غير المأهولة في هذا المسطح المائي، قد يستقطب إليه الولايات المتحدة. فقد تسببت المطالبات المتزايدة في بحر الصين الجنوبي الحيوي استراتيجياً في سلسلة من الاشتباكات البحرية بين الصين والفلبين حليفة الولايات المتحدة التي أبرمت معها واشنطن معاهدة دفاع مشترك، ما يعني أن الهجوم على الفلبين من شأنه أن يؤدي إلى تفعيل اتفاق مضت عليه عقود والتزمت فيه الولايات المتحدة بالدفاع عن هذه الدولة الآسيوية. فقد أدانت الولايات المتحدة ما أسمته تصرفات الصين «التصعيدية وغير المسؤولة»، وأكدت التزاماتها العسكرية تجاه الفلبين، بما في ذلك صد أي هجوم في بحر الصين الجنوبي الذي تطالب به بكين بالكامل تقريباً.
فالسيطرة على بحر الصين الجنوبي تتعلق بالغذاء والنفط والقوة، حيث يمر عبره نحو ثلث الشحن العالمي، كما أنه منطقة صيد حيوية يعتمد عليها الملايين من سكان هذه المنطقة، ويحتوي على احتياطيات هائلة من النفط والغاز تحت القاع. وتطالب فيتنام وإندونيسيا وماليزيا وتايوان وبروناي بأجزاء من بحر الصين الجنوبي.
وبالنسبة للجميع، باستثناء الجنود والبحارة والطيارين المقاتلين الذين يتنافسون عليها، فإن الجزر المتنازع عليها في بحر الصين الجنوبي ليست أكثر من مجرد نقاط على الخريطة. المساحة الإجمالية لـ230 جزيرة صغيرة وجزر مرجانية يطلق عليها جزر سبراتلي، تقل عن ميل مربع، لكن في منطقة تشهد كثيراً من النزاعات الإقليمية، تعد هذه الجزر الأكثر إثارة للنزاعات على الإطلاق، وإذا أصبح كابوس الحرب بين القوى العظمى في آسيا حقيقة، فإن بحر الصين الجنوبي قد يكون نقطة البداية.
وفي وقت مبكر من صباح الإثنين 12 أغسطس، اندلعت أحدث حلقة من سلسلة طويلة من الاشتباكات بين سفن خفر السواحل الصينية والفلبينية، حيث اصطدمت بعضها ببعض قبالة جزيرة مرجانية تُعرف باسم سابينا شول، لكن من الناحية المادية لم يكن الضرر كبيراً: ثقب في جانب سفينة فلبينية فوق خط المياه، والأمر المثير للقلق هو السرعة التي يتصاعد بها الصراع، والافتقار إلى الإرادة لتسويته سلمياً.
وتطالب الصين بكل بحر الصين الجنوبي تقريباً، الذي تمر عبره تريليونات الجنيهات من التجارة الدولية عن طريق السفن كل عام، بما في ذلك النفط الذي يغذي اقتصادات الصين واليابان وكوريا الجنوبية، كما تطالب الفلبين وفيتنام وماليزيا وبروناي وتايوان ببضع مئات الجزر الصغيرة في هذا البحر. وفي عام 2016 ألغت محكمة التحكيم الدائمة في لاهاي مطالبات الصين بالصخور والشعاب المرجانية القريبة من الفلبين.
وترفض بكين – بشدة – أي تحديات لسيادتها، ومنذ عام 2014 عززت مطالباتها بقوة، من خلال صب الخرسانة فوق الشعاب المرجانية لبناء مطارات عسكرية مجهزة بالرادارات والصواريخ والطائرات.
وخلال السنوات الثلاث الماضية بدأت سفن الصيد الصينية وخفر السواحل الصيني في التعامل مع الجزر التي تسيطر عليها الفلبين باعتبارها جزراً تابعة لها. وشهدت المنطقة القريبة من جزيرة توماس الثانية مواجهات عنيفة بشكل خاص، حيث تتمركز مفرزة صغيرة من مشاة البحرية الفلبينية على متن سفينة حربية قديمة راسية عمداً على الشعاب المرجانية. وقد تعرضت السفن التي كانت تنقل الإمدادات لهذه المنطقة إلى مضايقات من قِبل الصين باستخدام مدافع المياه وأسلحة الليزر المبهرة.
وما يثير قلق الفلبين هو أن حاميتها معزولة وقليلة العدد، ومعرضة للخطر بشكل كبير، فإذا فشلت في طرد أي تدخل من قِبل زوارق حربية صينية، فإن بكين ستستولي على جزيرة توماس الثانية. وقد أوضحت الحكومة الأميركية أن مثل هذه الخطوة من شأنها أن تنشط معاهدة الدفاع بين الولايات المتحدة والفلبين. ويلتزم البلدان بالدفاع عن بعضهما بعضاً في حال الهجوم، ما قد يجعل القوات الأميركية والصينية في مواجهة مباشرة لأول مرة.
وتوصلت بكين ومانيلا، الشهر الماضي، إلى «اتفاق مؤقت» يسمح للفلبينيين بإعادة إمداد الحامية بشرط الإشراف على هذه العملية من قبل الصينيين، على الرغم من أن هذا الاتفاق قد يكون موضع تساؤل بعد اشتباك يوم الإثنين.
وفي يونيو، ذكرت وسائل الإعلام في الفلبين أن بحاراً فقد أُصبعاً بعد أن صدم خفر السواحل الصيني قوارب مطاطية متجهة إلى جزيرة توماس الثانية. وقبل أيام قليلة ألقت طائرات عسكرية صينية قنابل ضوئية قرب طائرة دورية فلبينية فوق جزيرة سكاربورو.
وفي الماضي بدا الأمر كما لو أن بكين تمارس ضغطاً تدريجياً على أمل إضعاف المقاومة، فقد كان الرئيس الفلبيني السابق، رودريغو دوتيرتي، متجاوباً مع الصين ويقلل أهمية النزاع في بحر الصين الجنوبي، لكن حكومة خليفته فرديناند ماركوس الابن تندد صراحة بمضايقة سفنها، وحشدت الدعم ليس فقط من الولايات المتحدة، بل من قوى إقليمية أخرى، ويبدو أن لديها أسبابها الخاصة للانزعاج.
لقد قدمت اليابان وأستراليا إلى مانيلا أنواعاً مختلفة من المساعدة العسكرية، بما في ذلك سفن دوريات خفر السواحل، وأنظمة الرادار والتدريبات المشتركة مع الجيش الفلبيني، حتى إن الهند باعت لها نظام صواريخ كروز «براهموس» الأسرع من الصوت، الذي لديه إمكانات واضحة للاستخدام ضد الأعداء في بحر الصين الجنوبي. ويتمثل أمل الفلبين في أن يردع هذا التضامن الصين عن العمل العسكري المتسرّع، لكن الخوف هو أن تتخلى الصين بدلاً من ذلك عن استراتيجية الضغط البطيء وتتحرك بسرعة قبل أن تعزز الفلبين دفاعاتها.
وبالمقارنة مع تايوان – بجيشها المجهز تجهيزاً جيداً وسكانها البالغ عددهم 23 مليون نسمة – فإن نقطة مثل جزيرة توماس شول الثانية ستكون أسهل بكثير للاستيلاء عليها وأقل عرضة لإثارة التدخل الدولي. لقد وعد الرئيس الأميركي جو بايدن بالدفاع عن الفلبين، لكن لا يوجد ما يضمن أن خليفته سيفعل ذلك.
ويعد بحر الصين الجنوبي جزءاً حيوياً عسكرياً من المحيط الهادئ، حيث تجد الصين نفسها مطوقة فعلياً من قبل حلفاء أميركا. وتحتاج الصين إلى السيطرة الكاملة على البحر كي يتمكن أسطول غواصاتها المتمركز في جزيرة هاينان جنوب الصين، من الوصول إلى المياه العميقة غرب المحيط الهادئ، في حال نشوب صراع.
وجرت اشتباكات بين سفن خفر السواحل الصينية وسفن فلبينية، حيث تحاول السفن الصينية منع وصول سفن الصيد الفلبينية إلى المنطقة. وتتنازع فيتنام وإندونيسيا ودول أخرى مجاورة على أجزاء من بحر الصين الجنوبي. وأجرت اليابان قبل فترة قصيرة تدريبات مشتركة مع الفلبين في بحر الصين الجنوبي، وتعهدت بتعميق العلاقات الدفاعية مع فيتنام. عن «التايمز» اللندنية
• بحر الصين الجنوبي يمر عبره نحو ثلث الشحن العالمي، كما أنه منطقة صيد حيوية يعتمد عليها الملايين من سكان المنطقة، وبه احتياطيات هائلة من النفط والغاز.
• تحتاج الصين إلى السيطرة الكاملة على البحر كي يتمكن أسطول غواصاتها المتمركز في جزيرة هاينان من الوصول إلى المياه العميقة غرب المحيط الهادئ، خصوصاً في حال نشوب صراع.