يستفيق العالم في كل يوم على متغير جديد يرسم ملامح نظام عالمي مختلف قادم لا محالة يشكل تحديا لدول تكون جزءا من حركة صنع التاريخ الجديد أو خارجه. ويبدو جليا أن القمم المتلاحقة والاجتماعات الكبرى في الفترة الأخيرة التي ارتكزت على البعد الاقتصادي والتنموي وتجاوزت مرحلة التنظير السياسية لتنطلق نحو تكتلات اقتصادية عملاقة ومشاريع عملية وتحالفات واقعية تغير المشهد الدولي سياسيا واقتصاديا وجيوسياسيا.
فالحرب الأوكرانية كانت لها انعكاسات تظهر تباعا على مختلف الصعد سواء السياسية أو الاقتصادية أو غيرها، لكن نقطة التحول تكمن في أن هذه الحرب قد أجلت ميلاد نظام علمي جديد متعدد الأقطاب. واستمرار الصراع يشي بأن ثمة قوى دولية باتت تعمل من أجل إدارة الأزمة الأوكرانية وليس العمل من أجل وقف نزيف الحرب المستمر، لأهداف وأغراض موجهة سياسيا واقتصاديا.
ومن الواضح أن ذلك ألقى بظلاله على قمة مجموعة «بريكس» الأخيرة وقمة مجموعة العشرين، حيث كانت مساعي المشاركين واضحة في الدفع باتجاه تكتلات اقتصادية جديدة تكون فاعلة بقوة في الأحداث العالمية وتحديد مساراتها.
هنا لا يمكن المرور عرضا أمام توسع مجموعة «بريكس» من 5 دول إلى 11 مع قرار القمة الأخيرة بدعوة 6 دول للانضمام إليها هي السعودية والإمارات ومصر وإيران والأرجنتين وإثيوبيا، فهذه الدول تم اختيارها بعناية بحسب وزنها وثقلها وهيبتها الإقليمية والدولية، وستشكل المجموعة بذلك قوة بشرية تمثل نحو نصف سكان العالم، وتعزيز مكانتها الاقتصادية بوجود عمالقة الانتاج النفطي أيضا ضمنها.
ومثلت قمة «العشرين» أخيرا حدثا إضافيا جديدا في المشهد الجديد، وطرحت نموذجا جديدا في التكامل العالمي، لعل أبرز ما فيه الإعلان عن فكرة إنشاء ممر اقتصادي يربط الهند بأوروبا عبر الشرق الأوسط.
وأمام مختلف هذه التطورات المتسارعة، يمضي المشروع الصيني الذي يركز على جعل الصين قطبا اقتصاديا وتقنيا وعسكريا ضخما، سواء من خلال التحالفات الثنائية أو التكتلات الدولية التي ترى في هذا المشروع مستقبلا لاقتصاديات تبحث عن نجاحات مستقبلية وديمومة وسط النظام العالمي الجديد الذي يتشكل.
ويعيد إعلان «العشرين» عن فكرة «الممر الاقتصادي» إلى المشهد «طريق الحرير الصيني» الذي يمكن وصفه بالقوة المغناطيسية الجاذبة لاقتصاديات العالم نحو الصين، من خلال الاستثمارات المليارية التي يشملها. ودول الخليج عموما والكويت خصوصا بجزئها الشمالي ستكون محورا مهما من هذا المشروع الذي سيخدم الاستقرار والتنمية.
عامل آخر في معالم تشكل النظام العالمي الجديد، عبرت عنه موجة الانقلابات العسكرية المتلاحقة التي شهدتها أكثر من دولة أفريقية، في مؤشر على رغبة في التخلص من الماضي، حيث تخسر قوى دولية دوائر نفوذها لصالح القوى الصاعدة.
ولئن كانت ملامح النظام العالمي الجديد تبدو غير واضحة بشكلها النهائي إلى الآن، إلا أن من المؤكد أن الدول تتسارع إلى أن تكون جزءا من حركة التاريخ الجديد لتشارك في صنعه ولا تقف على الهامش في موقف المتفرج، ومن المؤكد أيضا أن ولادة هذا النظام تتطلب تحقيق الأمن والاستقرار والسلام، وذلك ما توحي به أيضا خريطة التحالفات على الخريطة السياسية.