محمود عيسى
ذكرت مجلة ميد أنه في غمرة حالة عدم الاستقرار التي ترافق كل منعطف يمر به الاقتصاد العالمي، فإن نوعا من اليقين يبقى ملحوظا في الأجواء الاقتصادية لدول مجلس التعاون الخليجي.
ومع الهزات المشؤومة التي تعرض لها الاقتصاد العالمي فضلا عن التضخم ونقص السلع والحرب في أوكرانيا، يقدر الخبراء ان عام 2023 سيكون من الأعوام التي تفتقر الى اليقين بينما تخطط حكومات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هذا العام كي تتمكن من تجاوزه والخروج منه بأقل قدر من المخاطر الاجتماعية والسياسية والاقتصادية.
فمن الناحية الاقتصادية، شهدت الأشهر الـ 12 الماضية عودة إلى النمط التاريخي الذي يتسم بالتفاوت بين الدول المالكة للثروات الهيدروكربونية وتلك التي تفتقر إليها.
وأضافت المجلة ان هذا التفاوت كان حادا نتيجة الحرب في أوكرانيا، فقد حقق مصدرو الطاقة في الإقليم تحسنا كبيرا في ثرواتهم الاقتصادية وآفاق نموهم، وكان الوضع في المتوسط إيجابيا صافيا للمنطقة وعاد المتوسط المرجح للميزان المالي إلى فائض بنسبة 0.7% من الناتج المحلي الإجمالي، وفقا لصندوق النقد الدولي.
ومع ذلك، فإن الصورة كانت أقل إشراقا على المستوى الفردي للدول، مع استمرار العديد من البلدان في المعاناة من عجز مالي كبير.
تأثر شديد
وعلى الجانب الآخر من المعادلة، تضرر معظم مستوردي الطاقة نتيجة ارتفاع أسعار الطاقة وتضخم أسعار السلع والمواد الغذائية الأساسية كالقمح. وقد أدى ذلك إلى ارتفاع حاد في دعم الواردات الإقليمية.
وبالنسبة للبلدان الأكثر تضررا من تضخم أسعار الطاقة والغذاء وخطر الركود الاقتصادي في عام 2023، فليس أمامها سوى احتواء الاضطرابات الاجتماعية والسياسية، حيث تعود الاحتجاجات في تونس وإيران على سبيل المثال إلى أسباب اقتصادية.
وتوقعت المجلة ان تستمر الحالة المضطربة في العالم خلال 2023، بينما يستمر مصدرو الطاقة في حصد مجموعة كبيرة من المزايا على رأسها ارتفاع الإيرادات الحكومية، وبالمقابل سيظل مستوردو الطاقة متخلفين عن الركب لاضطرارهم لدفع فاتورة أعلى ثمنا لتضخم السلع الأساسية والتباطؤ الأوسع الذي يعانيه الاقتصاد العالمي.
ومن المتوقع أن تتراجع منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ككل مرة أخرى إلى معاناة عجز مالي صاف بنسبة 0.6% من الناتج المحلي الإجمالي في ضوء ارتفاع التكاليف واستمرارها في الضغط على الميزانيات الحكومية. ولا شك وباء كورونا أدى إلى تفاقم المستويات المتزايدة للدين العام والعجز المستمر في الميزانية في جميع دول المنطقة وستبقى هذه القضايا مصدر قلق للسياسات المالية الإقليمية.
واعتبرت مجلة ميد معظم دول المنطقة الأكثر فقرا مضطرة للسيطرة على ميزانياتها وعلى مبالغ الدعم وأجور موظفي القطاع العام. لكن كل هذه الإصلاحات مكلفة للأسر وسلبية بالنسبة للمزاج العام، في ضوء فشل العديد من الحكومات الإقليمية المستمر في حشد الإرادة السياسية اللازمة لإجراء إصلاحات ذات تأثير مؤلم.
وتنأى معظم الحكومات الإقليمية بنفسها عن الانغماس في الشأن العالمي والتركيز على الشأن الداخلي مستفيدة من حقيقة أن العلاقات الخارجية القائمة على التجارة وفرص العمل قد آتت ثمارها.
واعتبرت مجلة ميد التجمع الإقليمي الذي تمثله دول مجلس التعاون الخليجي افضل التجمعات الإقليمية وأقلها معاناة من المشاكل في حين تستفيد الدول الـ 6 من ارتفاع أسعار الطاقة وقد حققت فوائض مالية جيدة في عام 2022، وهو إنجاز من المقرر أن يعيد نفسه في عام 2023.
وبالمثل، وبينما تظل دول المجلس ملتزمة بالانضباط المالي، يبقى نصيب قطاع المشروعات وفيرا بفضل تضافر عدة عوامل منها الإنفاق على الطاقة العامة والبنية التحتية الحيوية والتنمية الخاصة المتجددة، وبالتالي، فإن معنويات قطاع الأعمال والميول السائدة في دول التعاون تبقى إيجابية للغاية.
وأشارت المجلة إلى ان الكويت تمكنت من الاكتفاء المالي وعدم اللجوء للتمويل الخارجي. أما بالنسبة للبحرين وسلطنة عمان وهما الدولتان الأكثر ضعفا من الناحية المالية في مجلس التعاون، فقد ساعدت عودة أسعار النفط المرتفعة على درء بعض القرارات الصعبة المتعلقة بالميزانية.
ومع ان كل دول مجلس التعاون الخليجي تعرضت لعجز مالي خلال عام 2020 بسبب انخفاض أسعار النفط بحدة، فإن الوضع الآن في الاتجاه المعاكس، وقد أكد صندوق النقد الدولي ذلك في إيجاز سياسي حديث حول المنطقة بقوله «تمكن صانعو السياسات في دول مجلس التعاون الخليجي من التخفيف بسرعة من الأثر الاقتصادي لفيروس كورونا وصدمة أسعار النفط، وارتفعت أسعار السلع الأساسية، وباتت التوقعات أكثر إيجابية لدول المجلس.
كما تواصل دول مجلس التعاون الخليجي الترويج لنفسها كملاذ اقتصادي آمن للاستثمار، إذ شهدت العقارات طفرة في عام 2022، لاسيما في دبي، كما تشهد السعودية طفرة مشاريع تزيد قيمتها على 57 مليار دولار في مرحلة العطاءات فقط.
وختمت ميد بالقول ان حجم المشروعات في المنطقة بأكملها يقترب من 200 مليار دولار وتنطوي على قدر هائل من القيمة المعلقة والفرص الوشيكة. وفي حين أن بعضها قد يتعرض للتأجيل أو الإلغاء، إلا ان الأرقام ككل عالية جدا ان لم تكن قياسية.
وفي ضوء الوضع العالمي للأمور كما هو الآن فإنه لا توقيت أفضل من الوقت الحالي للعودة لتنفيذ المشروعات على الطبيعة.