ستجد نائبة الرئيس الأميركي ومرشحة الحزب الديمقراطي في انتخابات الرئاسة الأميركية الحالية كامالا هاريس، صعوبة بالغة في تجنب التعامل مع ملف كوريا الشمالية لما يمثله من تهديد كبير للمصالح الأميركية وحلفاء واشنطن في منطقة آسيا، رغم وجود ملفات أشد سخونة وأكثر إلحاحاً على الأقل في بداية ولايتها، وفي مقدمتها الحرب الروسية الأوكرانية والصراعات الجيوسياسية في الشرق الأوسط.
وفي خطاب إعلان قبولها ترشيح الحزب الديمقراطي لها في الانتخابات، أكدت هاريس رفضها الشديد للقادة المستبدين، وقالت إنها لن «تتقرب» من المستبدين مثل زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون. وانتقدت منافسها الرئيس السابق ومرشح الحزب الجمهوري دونالد ترامب بسبب اعتزامه التواصل مع مثل هؤلاء القادة، مؤكدة تمسكها بالقيم الديمقراطية والريادة العالمية للولايات المتحدة.
وفي تحليل نشرته مجلة «ناشيونال إنترست» الأميركية، قال المحلل السياسي والباحث الزميل المشارك في المركز الأوروبي لدراسات كوريا الشمالية في جامعة فيينا النمساوية، الدكتور سانغ سو لي، وهو أحد مؤسسي شركة الاستشارات «ستراتيجيك لينكيدج» الموجودة في استوكهولم والمتخصصة في الشأن الكوري، إنه رغم اختلاف وجهات نظرها السياسية عن ترامب، فإن إرادة هاريس في حل المشكلة النووية لكوريا الشمالية مازالت غير واضحة. فربما تواصل سياسة «الصبر الاستراتيجي»، في الوقت الذي تركّز فيه بصورة أكبر على صراعات أوكرانيا والشرق الأوسط. ورغم ذلك فإن تطوّر تكنولوجيا الصواريخ النووية لكوريا الشمالية والذي قد يتسارع بدعم من روسيا، يمثل تهديداً متزايداً للولايات المتحدة، مع تزايد خطر الانتشار النووي في شمال شرق آسيا. لذلك قد تجد هاريس في حال فوزها بالرئاسة، نفسها مضطرة للتعامل مع هذه التهديدات بشكل مباشر، بما يتجاوز مجرد زيادة قدرات الردع لدى حلفاء الولايات المتحدة في هذه المنطقة. لكن لايزال الأمر غير واضح، ما إذا كانت هاريس ستفكر في نهج أكثر وقائية وتوازن الردع مع الدبلوماسية لإدارة المخاطر النووية المتزايدة في المنطقة.
والحقيقة أن كوريا الشمالية أظهرت أخيراً إشارات بسيطة إلى رغبتها في إعادة الانخراط في المجتمع الدولي بعيداً عن علاقاتها المحصورة مع كل من الصين وروسيا، بعد أربع سنوات من العزلة الصارمة بسبب جائحة فيروس كورونا المستجد. وشكلت مشاركتها في دورة الألعاب الأولمبية باريس 2024 إشارة إلى عودتها للمسرح العالمي، إلى جانب استقدامها أساتذة جامعيين أوروبيين وأميركيين للتدريس في جامعة بيونغ يانغ للعلوم والتكنولوجيا. علاوة على ذلك، من المتوقع عودة الدبلوماسيين السويديين إلى بيونغ يانغ قريباً لاستئناف عملهم.
هذه الإيماءات تشير إلى أن هناك احتمالاً لاستعداد بيونغ يانغ لإعادة فتح أبوابها للغرب وربما إعادة النظر في سياستها الخارجية تجاه الولايات المتحدة بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية المقبلة. ورغم ذلك فإن رغبة كوريا الشمالية في الانخراط ستعتمد على ما إذا كانت الإدارة الأميركية الجديدة تستطيع تقديم نهج عملي يتعامل مع هواجس كوريا الشمالية الأمنية وحوافزها الاقتصادية.
ويقول سانغ سو لي، الذي عمل نائباً لمدير ورئيس مركز استوكهولم لكوريا في معهد سياسة الأمن والتنمية، إنه من المحتمل أن تعطي إدارة هاريس أولوية لنزع السلاح النووي، كهدف أولي للسياسة الأميركية تجاه كوريا الشمالية، مع مواصلة المحادثات معها دون شروط مسبقة، متبعة نهج إدارة رئيسها الحالي جو بايدن. في الوقت نفسه، قد تعترف هاريس بأن تحقيق النزع الكامل للسلاح النووي الكوري الشمالي في وقت قصير هدف غير واقعي بصورة متزايدة.
ففي فترة عملها الحالية كنائب للرئيس، أظهرت هاريس تركيزاً على تحقيق التوازن بين المصالح الأميركية والالتزام بالحلول الدبلوماسية والتعاون متعدد الأطراف، لذلك فقد تركّز في البداية على القيام بخطوات قصيرة وتراكمية، مثل الحد من التسلح ومنع الانتشار النووي، بدلاً من السعي للوصول إلى صفقات كبيرة من غير المحتمل الوصول إليها في ظل الموقف الجيوسياسي الراهن. هذا التحوّل يمكن أن يوفر إطاراً عملياً أكثر واقعية وعملية، يركّز على الأمن الإقليمي الأوسع نطاقاً، بدلاً من النزع الفوري للسلاح النووي، وهو النهج الذي يمكن أن تراه كوريا الشمالية مقبولاً بصورة أكبر.
علاوة على ذلك، فإن هاريس قد تنأى بنفسها عن عقد القمم الثنائية مع كيم جونغ أون، وتفضيل النهج متعدد الأطراف والمستوى العملي.
وإذا أضيف هذا إلى نهجها العملي، فإن إجراءات الحد من التسلح النووي متعددة الأطراف يمكن أن تكبح بفاعلية سباق التسلح الإقليمي، وتمنع كوريا الشمالية من تطوير المزيد من القدرات النووية، وتحد من الانتشار النووي في المنطقة من خلال تقليل القدرات والأصول النووية الإقليمية.
في المقابل، ومع تطوّر القدرات النووية لكوريا الشمالية وتزايد شكوك كوريا الجنوبية في قدرة أميركا على ردعها، يصبح أحد التحديات الرئيسة أمام إدارة هاريس هو إقناع كوريا الجنوبية بدعم التحوّل نحو إطار عمل متعدد الأطراف للحد من التسلح، وهو ما يمكن أن تراه الأخيرة إضعافاً لضماناتها الأمنية.
ولمعالجة هذه المخاوف ستحتاج الولايات المتحدة إلى إظهار أن الإجراءات متعددة الأطراف للحد من التسلح يمكّن أن تحسّن الأمن لكوريا الجنوبية، من خلال تقليص التهديد النووي من كوريا الشمالية مع تعزيز قدرات الردع لدى الشطر الجنوبي من شبه الجزيرة الكورية. علاوة على ذلك، فإن هذا النهج لن يشير إلى التخلي عن هدف النزع الكامل للسلاح النووي، لكنه سيكون خطوة أولى في إخلاء شبه جزيرة كوريا من الأسلحة النووية على المدى الطويل.
• هناك احتمال لاستعداد بيونغ يانغ لإعادة فتح أبوابها للغرب، وربما إعادة النظر في سياستها الخارجية تجاه الولايات المتحدة بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية المقبلة.