كنا صغارا نلعب «اللبيدة» (الغميضة)، وهي إحدى العاب الطفولة المفضلة لدينا.. نغمض أعيننا للحظات كما لو كان شعورا مؤقتا لتجربة الظلام.. لم نكن نفهم بعد أن هناك من هم بيننا لا يدركون معنى العتمة لكنهم يجيدون التعامل معها افضل منا بكثير، هؤلاء هم المكفوفون ذوو البصيرة واصحاب القلوب المنيرة والمستنيرة والذين تحتفل دول العالم بتاريخ 4 يناير سنويا بطريقتهم بالكتابة والقراءة.
هؤلاء المميزون الذين اختاروا رؤية العالم من خلال اصابعهم، فقرر احدهم ـ وهو الفرنسي لويس برايل ـ اختراع هذه الطريقة والتي سميت باسمه «لغة برايل» ليضيء العالم لهم ولنا حتى يبدعوا ونرى نحن ابداعاتهم ونجاحاتهم الكبيرة في شتى المجالات، ولأن الحديث هنا عن النجاحات فحري بنا ان نقدم بعض النماذج المضيئة والمتميزة لأبنائنا المكفوفين.. فهم طلبة موهوبون ولكل منهم حكاية ورواية ولم تقف الاعاقة البصرية عائقا في طريقهم نحو الابداع والنجاح.
عبدالله الاذينة ذو الـ 19 عاما الشغوف بالتكنولوجيا ولغة البايثون للبرمجة وكل ما هو مرتبط بعالم الكمبيوتر أثبت للجميع ان ايمانه برسالته في الحياة يفوق كل المعوقات.
وقال الاذينة لـ «كونا» أمس: كنت اتمنى ان ادرس علوم الكمبيوتر والأمن السيبراني، لكن لاتزال هناك عوائق تمنع المكفوفين من دراسة التخصصات العلمية، ولكن لم تقف القوانين حجر عثرة في طريقي بل زادتني اصرارا فقررت ان اخذ هذه المهمة على عاتقي فإلى جانب دراستي لتخصص الادب الانجليزي واللغويات التحقت بالكثير من الدورات في علوم الكمبيوتر والبرمجيات وتصميم التطبيقات وانا الآن في المراحل الاخيرة لإدراج برامج ستكون اضافة في الموقع العالمي لقارئ الشاشة NVDA Access الخاص بالمكفوفين وستسجل باسم الكويت.
واضاف الاذنية: اعمل حاليا على تصميم مساعد شخصي كنظام «سيري» الذي تم انشاؤه لاجهزة «آبل» او «اليكسا» من امازون، وسأطوره بحيث يعمل على المحادثات الكتابية والصوتية معا، وقد قمت بإجراء التجارب الناجحة الاولية عليه كتلقي الاوامر والتعرف على الأسماء وسيرى النور قريبا.
وذكر انه ساهم ايضا في انشاء تطبيق خاص بتحويل العملات عن طريق وضع الأكواد بالاضافة الى انشاء العاب للمكفوفين «لأن هذه الالعاب كثيرا ما تنقصنا».
وقال ان «إعاقتي منذ الولادة كانت بسبب طفرة جينية (RPGRIP1) ولأنني اقرأ كثيرا عن هذا الجين وجدت مؤخرا ان هناك دراسات علمية حديثة تشير الى أنه قد يكون هناك بصيص امل لعلاج الحالات المشابهة لحالتي بالمستقبل».
وعن احساسه بالرؤية، قال «انني ارى وميض ضوء فقط فالصورة تنعكس على العين لكنها لا تصل الى المخ لكن لدي ايمان بأن يوما ما سأبصر وسأرى الشلالات والجبال والالوان التي لا اعرف منها الا اسمها وستتطابق صوري الذهنية التي كونتها عن اهلي واصدقائي الذين اعرفهم واميزهم من خطواتهم».
اما حمود الحجيلان المتفوق وفائق الموهبة فأقل ما يقال عنه انه «عجيري الهوى» ـ نسبة الى عالم الفلك الراحل صالح العجيري ـ فلديه اهتمام وإلمام واسع بالطقس والأحوال الجوية.
وقال: بدأ شغفي بالطقس عندما كنت في الخامسة من عمري.. كان ابي يمتلك ماشية وكنت اسمعه يتحدث دائما مع والدتي عن ايام المرزم وبرد العجوز.. عن الأمطار الرعدية والفصول ورياح الحسوم.. لم أعرف من هذه المظاهر سوى صوتها فبدأت اتصور الاصوات وامنحها شكلا ولونا وصورا ذهنية لأنني ارى ما اسمعه وهذه هي تصوراتي للعالم الذي حولي.
وتحدث الحجيلان بدقة عن الرادار الذي ينقل الصور في المناطق الجغرافية المحيطة في الكويت والتي تتكون السحب فيها وتؤثر على الطقس وعن صور الغبار والامطار الرعدية وكأنه يراها بأم عينه.
وقال: في عام 2021 زودتني ادارة الارصاد الجوية بمحطة اتوماتيكية لرصد وتنبؤات الطقس وقمت بتزويدهم بقياس سرعة الرياح واتجاهها ونسبة الرطوبة والضغط الجوي في منطقة الصباحية حيث اقطن.
ولم يقف الامر عند هذا الحد، بل شارك حمود في انشاء موقع «سالم الجلاوي للطقس» وتوثيق تساقط الثلوج في الكويت في 28 يناير عام 2016، بالاضافة الى مشاركته في شبكة طقس الكويت والخليج كعضو مجلس ادارة.
وعن مشاريعه المستقبلية، قال انه يطمح إلى المساهمة بشكل فعال في نشر محطات الرصد في اغلب مناطق الكويت، وذلك لدعم الدولة في جهودها بمنع اي حوادث قد تحصل نتيجة الامطار الغزيرة والسيول.
اما النموذج المضيء الثالث فهو عبدالعزيز العتيبي طالب اللغة العربية المولع بالشعر العربي والنبطي وبالفلسفة والقارئ النهم الذي فقد بصره منذ ان كان عمره 3 اشهر اثر عملية جراحية، حيث كان يعاني الماء الابيض في العين، يحفظ عبدالعزيز اشعار ابي العلاء المعري وفهد العسكر، ويرى أنهما قريبان من روحه كثيرا.
ولأنه كان يبصر في حياته حتى عمر الـ 3 أشهر فقط، يقول: فربما لهذا السبب احتفظت ببقايا للبصر، لذلك بإمكاني أن أتعرف على الالوان وأميزها فقط لكن دون أي ملامح.. وحياتي معتمدة تماما على اللمس والصوت.
ويتحدث عبدالعزيز بإتقان ومهارة لغوية يؤكدان ثقافته العالية وحبه للقراءة بالاضافة الى كتابة الشعر والنصوص الادبية.