يبدو من المؤكد أن الشباب أو حتى أولئك الذين هم في منتصف العمر، سيغيبون عن الاستحقاق الرئاسي عندما يصوّت الأميركيون في نوفمبر 2024.
ويبلغ جو بايدن 80 عاماً، ليصبح أكبر رئيس حتى الآن، ويبلغ منافسه المحتمل دونالد ترامب 77 عاماً. وكلاهما يتجاوز متوسط عمر رؤساء حكومات العالم، وهو 62 عاماً. وثمانية فقط من القادة الـ187، في تحليل أجراه مركز «بيو» للأبحاث، هم أكبر سناً من بايدن.
كما أن المتنافسين المحتملين أكبر سناً بكثير من معظم أسلافهما، إذ يبلغ متوسط عمر المرشحين الرئاسيين والرؤساء منذ عام 1900، نحو 55.5 عاماً. وبالمثل في الكونغرس الذي أصبح فيه المشرِّعون الأميركيون أقل شباباً.
وفي عام 1900، كان الأشخاص في الأربعينات من العمر يشكلون 38% من أعضاء مجلسي النواب والشيوخ. والآن يمثلون 20%. ومن الممكن تفسير هذا جزئياً بالتغيرات التي طرأت على متوسط العمر المتوقع في أميركا (كان 47 عاماً في عام 1900 وأصبح الآن 76 عاماً)، ولكن العوامل البنيوية – مثل ميزة شغل المناصب، وانحياز زعماء الأحزاب نحو ترشيح الساسة ذوي الخبرة الطويلة – تفضل كبار السن.
وفي انتخابات التجديد النصفي عام 2022، استمر مجلس الشيوخ في التقدم في السن، ولكن متوسط العمر في مجلس النواب انخفض من 58.9 إلى 57.9. والآن أصبح أربعة من أعضاء مجلس الشيوخ و11 عضواً في مجلس النواب، في الثمانينات من أعمارهم، بعد أن كانوا سبعة، و14 قبل الانتخابات النصفية.
وانخفضت نسبة أعضاء الكونغرس الذين تزيد أعمارهم على 70 عاماً من الربع تقريباً، إلى أقل من الخُمس.
ويرجع ذلك جزئياً إلى أن 64% من الأعضاء المنتخبين الجدد كانوا تحت سن الأربعين.
ومن بينهم ماكسويل أليخاندرو فروست البالغ 26 عاماً، وهو ديمقراطي من فلوريدا يعد أول عضو من الجيل الجديد في مجلس النواب. ومع ذلك ما يزال «المخضرمون» صامدين، إذ أعلنت رئيسة مجلس النواب السابقة نانسي بيلوسي البالغة 83 عاماً، أنها ستترشح مرة أخرى عام 2024.
حركة بطيئة
قد يقول البعض إن الخبرة تجلب الحكمة، ويخشى آخرون أن تكون حكومة المسنين في واشنطن متخلفة عن الركب.
وقد بدأ بعض أقدم أعضاء مجلس الشيوخ – بمن في ذلك زعيم الأقلية الجمهورية ميتش ماكونيل، وديان فاينشتاين، وهي ديمقراطية من كاليفورنيا – عاجزين في العلن. وتشير استطلاعات الرأي إلى أن نحو ثلاثة أرباع الأميركيين يفضّلون وضع حد أقصى لسن المسؤولين المنتخبين.
ويعتقد 77% أن بايدن أكبر من أن يخدم بفاعلية، ولكن من الناحية العملية، يبدو أن الأميركيين لا يهتمون كثيراً بالعمر. وتشير الأبحاث إلى أنها لا تؤثر في أصواتهم. ومن المؤكد أن العمر لا يعيق ترامب في سعيه إلى الفوز بترشيح الحزب الجمهوري للرئاسة. وهو يتفوق بشكل كبير على حاكم فلوريدا، رون ديسانتيس، أقرب منافسيه، على الرغم من أنه كبير بما يكفي ليكون والد الأخير.
إنها قضية ملحة في السياسة الأميركية اليوم، إذ نجد طبقة قيادية يهيمن عليها أشخاص تجاوزوا سن التقاعد، وليست لديهم أي خطط للتنحي، على الأقل علناً.
وبالنظر إلى عمر الرئيس بايدن أو ترامب، أو الزعيم الجمهوري، ميتش ماكونيل (81 عاماً)، أو السيناتور الديمقراطي ديان فاينشتاين (90 عاماً)، لم يكن لدى الولايات المتحدة مطلقاً هذا العدد من الشخصيات السياسية البارزة بمثل هذا العمر المتقدم.
حالة من الذعر
وكانت أحدث حالة من الذعر الصحي للسناتور ماكونيل، إذ تجمد خلالها لأكثر من ثلاثين ثانية أثناء حديثه إلى الصحافيين الأسبوع الماضي – وهي المرة الثانية من نوعها في شهر واحد تقريبا – سبباً في تجديد المناقشة حول «حكم المسنين» في أميركا. والأمر الذي تسبب في إحباط الديمقراطيين، هو أن الحالة الصحية الأخيرة للزعيم الجمهوري ولّدت نقاشاً جديداً حول عمر بايدن، وما إذا كان في مستوى ضراوة حملة رئاسية أخرى، فضلاً عن فترة ولاية ثانية.
ويشير جميع «المتقدمين في العمر» في أميركا ممن يشغلون مناصب عليا إلى حقيقة معاصرة، مفادها أن أولئك الذين لديهم مهن معينة، ومستويات دخل عالية، وأنماط حياة معينة، يمكنهم الاستمرار في العمل بشكل جيد في سنواتهم الذهبية.
وفي العديد من الوظائف العليا، تقوم مجموعات من المساعدين بكثير من العمل. والجانب السلبي هو أن التدقيق العام لم يكن أكثر حدة من أي وقت مضى، نظراً لانتشار الكاميرات ووسائل التواصل الاجتماعي. ويقول المؤرخ السياسي في جامعة جورج واشنطن، ماثيو داليك، إن الزعماء السياسيين اليوم «يوجدون على الساحة العامة وهم أكثر تعرضاً للعالم من أي وقت مضى»، متابعاً: «أي نوع من الضعف – حقيقي أو متصور – سيتم كشفه وتضخيمه».
يعيش الرؤساء الأميركيون المعاصرون حياة ملأى بالتدقيق العام المكثف، ومن الصعب إخفاء أي نقطة ضعف، بغض النظر عن عمرهم. وعانى أصغر رئيس منتخب حتى الآن، جون كينيدي، مشكلات جسدية خطرة أثناء وجوده في منصبه، ولم تصبح معروفة علناً إلا بعد اغتياله عام 1963. وفي ثلاثينات وأربعينات القرن العشرين، بذل الرئيس الأميركي الأطول خدمة، فرانكلين روزفلت، قصارى جهده لإخفاء مشكلاته الصحية عن الناخبين – بما في ذلك استخدامه للكرسي المتحرك – ثم توفي بعد وقت قصير من بداية ولايته الرابعة.
وفي عام 1919، تم تشخيص إصابة الرئيس وودرو ويلسون بسكتة دماغية حادة، وأخفت إدارته حقيقة أن زوجته، إديث، كانت تلعب دوراً حاسماً في إدارة رئاسته حتى نهاية ولايته الثانية.
• %77 من الأميركيين يعتقدون أن بايدن أكبر من أن يخدم بفاعلية.
خبرة طويلة
يرى المحللون السياسيون أن بايدن تباطأ جسدياً في السنوات الأخيرة، بينما يظهر ترامب حضوراً أكثر قوة، ولكن العمر الزمني قد لا يكون الطريقة الأفضل لعرض المنافسة بين بايدن وترامب. وفي الواقع، فإن بايدن سياسي محترف يتمتع بخبرة طويلة، كعضو في مجلس الشيوخ لـ36 عاماً، ثم ثماني سنوات نائباً للرئيس قبل أن يصل إلى المكتب البيضاوي، في حين يمثل ترامب نمطاً جديداً من الحكم خارجاً على المألوف والأعراف، بغض النظر عن عمره. وفي نهاية المطاف، يرى العارفون بشأن السياسة أن مسألة العمر متأصلة بعمق في أساليب واشنطن القديمة.
قرار التنحي
حتى يناير الماضي، كان أكبر ثلاثة زعماء ديمقراطيين في مجلس النواب فوق سن الثمانين. وكان قرارهم بالتنحي يعكس هدفاً معلناً يتمثل في الارتقاء بالجيل القادم. ولكن مجلس الشيوخ – على وجه الخصوص – معروف بوجود أعضاء من كبار السن، بعضهم يحظى باحترام الناخبين بسبب أهميتهم التاريخية وليس بسبب قدراتهم العقلية الحالية. ولعل المثال الأكثر شهرة هو الراحل ستروم ثورموند من ولاية كارولينا الجنوبية، وهو عضو في مجلس الشيوخ مكث عقوداً من الزمن، وخدم بعد أن بلغ مائة عام. وقد تكون السيناتور ديان فاينشتاين، وهي ديمقراطية من ولاية كاليفورنيا، أفضل مثال اليوم، وهي امرأة رائدة في مجلس الشيوخ شغلت منصب عمدة سان فرانسيسكو خلال فترة الاضطرابات. ورفضت الاستقالة، لكنها قالت إنها لن تترشح لإعادة انتخابها.
ويقول المتحدث السابق باسم الزعيم الديمقراطي الراحل هاري ريد من ولاية نيفادا، جيم مانلي: «كان مجلس الشيوخ يهيمن عليه دائماً أعضاء مجلس الشيوخ الأكبر سناً، ما يسمى بالثيران القدامى»، متابعاً: «الأمر المختلف اليوم هو وجود (إكس)، ودورة الأخبار على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع».
علامة تجارية
يستجيب القادة المنتخبون للناخبين، ويتعين عليهم أن يواجهوهم بانتظام في صناديق الاقتراع.
وإحدى المشكلات هي أن الناخبين لا يعرفون دائماً متى لا يكون المسؤول في كامل قواه الذهنية، كما كان من قبل. وقد يرى الناخب اسماً مألوفاً لحزبه المفضّل ويلتزم بهذه العلامة التجارية، للأفضل أو للأسوأ.
وبالنسبة لكبار أعضاء الكونغرس، قد يكون من الصعب عليهم التخلي عن امتيازات المنصب، بما في ذلك التفاصيل الأمنية، وعدد كبير من الموظفين، والهيبة العامة. ويقول أصدقاء ومعارف بايدن القدامى، إنه قد يكون هناك إحساس أكبر بالهدف الذي يدفعه للترشح لولاية ثانية، على الرغم من تقدمه في السن.
ويقول الديمقراطي جيم مانلي: «استناداً إلى مراقبته عن كثب بصفته عضواً في مجلس الشيوخ، على وجه الخصوص، لسنوات عدة، أنا واثق بأنه يعتقد أنه الوحيد القادر على التغلب على ترامب».
وفي مقابلة، أشار السيناتور السابق تشاك هاغل، وهو جمهوري من نبراسكا، إلى أسلوب حياة بايدن باعتباره مهماً لطول عمره وصحته، قائلاً: «لم يشرب جو الكحول قط، ولم يدخن أبداً، وكان يمارس الرياضة دائماً».
ويضيف هاغل الذي كان يعرف بايدن جيداً سواء في مجلس الشيوخ أو عندما خدما معاً في إدارة أوباما: «إنه يعتني بنفسه دائماً. نعم إنه يمشي دائماً».
ويقول هاغل الذي شغل أيضاً منصب وزير الدفاع، إن بايدن «يجلب الثبات والخبرة» إلى الرئاسة، «ومع ذلك يجلب قدراً معيناً من الحكمة»، متابعاً: «العالم مقلوب رأساً على عقب، نحن جميعاً غير متوازنين، وهذا أمر خطر. وإذا حصلت على قيادة خطأ فقد ترتكب بعض الأخطاء الفادحة والغبية التي لن تكلف البلاد فحسب، بل العالم كله».
بايدن يمارس الرياضة ولم يدخن أبداً. أرشيفية