بكلمات شغوفة وذاكرة نقية، يسترجع محمد أحمد علي الصفداني البالغ 107 سنوات، قصة الحنين إلى الماضي، مستنبطاً مخزونها الثري من قلعة البثنة في الفجيرة، حيث كان حارساً أميناً عليها مع رفاقه العسكريين مدة 16 عاماً، وكانوا يعتنون بالمنطقة ويؤمنون الحماية للقلعة ومحيطها.
يسكن ذاكرة الصفداني حنين لا يشيخ رغم سنّه التي تجاوزت قرناً من الزمن، وحاول بكل حب تقليب صفحات الماضي قائلاً: «كنت في كل صباح، أخرج مع طلوع الفجر للبدء في مهامي بحماسة لا تنطفئ ودون كلل أو ملل، وقد أسهمت تلك الفترة في صقل شخصيتي وبناء قوتي الجسدية والمعنوية»، مضيفاً: «بعد انتهاء يوم عملي، كنت أعود محملاً بروح المسؤولية والعزيمة التي رافقتني طوال فترة العمل».
ويستذكر الصفداني الدور الحيوي الذي لعبته قلعة البثنة في حماية المنطقة خلال فترة خدمته فيها، مشيراً إلى أن القلعة كانت لها أهمية استراتيجية كبيرة، حيث كانت تحرس وادي حام الذي يعد الطريق الداخلي الرئيس إلى المناطق الشمالية.
وأضاف: «كنا نحفظ أمن المدينة تحت قيادة الشيخ حمد بن عبدالله الشرقي، رحمه الله، الذي كان حاكم الفجيرة آنذاك، وقد كانت تعليماته واضحة، وهي عدم السماح لأي قافلة أو شخص بالمرور عبر الطريق الرئيس خلال ساعات الليل، وفي حال كانت القوافل تصل ليلاً إلى المنطقة نقوم بتوجيهها إلى (الحبيسة)، وهي المنطقة المقابلة من الحصن (القلعة) حتى تكون تحت أنظارنا إلى أن يحين الصباح ويتم السماح لها بالعبور، وذلك لضمان حفظ أمن إمارة الفجيرة».
وتابع: «بعد وفاة الشيخ حمد بن عبدالله الشرقي، رحمه الله، تولى الأمر الشيخ محمد بن حمد بن عبدالله الشرقي، وظللنا نحرس القلعة ولم يكن دورنا مقتصراً على حراستها فقط، بل كان العسكر يُستدعى للتدخل في أي موقف طارئ، سواء كان إطفاء الحرائق أو حل المشكلات، ومنذ تولي صاحب السمو الشيخ حمد بن محمد الشرقي، عضو المجلس الأعلى حاكم الفجيرة، مقاليد الحكم حتى الآن تعززت أهمية القلعة وأعطاها سموه جل اهتمامه، ورمّمها لتبقى شاهداً على قوة أبناء المنطقة في حماية وطنهم».
ويذكر الصفداني رفاقه العسكريين الذين كانوا يقفون جنباً إلى جنب لحماية المدينة، قائلاً: «كنا كالإخوة نتعاضد من أجل وطننا، ولم يكن لأحد أن يتعدى على أرضنا، وكان هدفنا واحداً وهو صون الأرض وقيادتنا».
ويستحضر الصفداني طبيعة المناوبات للعسكريين الذين كانوا يتوزعون على أطراف القلعة وعلى البوابة والسقف، مستحضراً أسماء رفاقه المخلصين الذين كان من بينهم سيف الحمر، وسعيد الحمر، وعلي الحمر، وخمسة من إمارة الفجيرة هم علي البلوشي، وعبدالله البلوشي، ومحمد البلوشي، وسالم الزوهري، وراشد بن حمد، إلى جانب عدد كبير من العسكريين الذين أخلصوا في خدمتهم.
وعن أيام توحيد المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، وإخوانه الحكام للإمارات السبع، وبزوغ فجر الاتحاد، قال الصفداني: «لقد عشنا عهداً جديداً لدولة الإمارات، وقد اختلفت حياتنا بشكل جذري بعد الاتحاد، وتحسنت الأوضاع كثيراً، حيث شهدت الدولة تغييرات تنموية ضخمة انعكست على جميع المواطنين في مستوى المعيشة والأمن والأمان والاستقرار».
ولايزال الصفداني يعمل رغم كبر سنّه في مزرعته الجبلية بهمة عالية كالشباب، ويقوم بزراعة أنواع مختلفة من الملفوف والبقدونس وغيرها، فليس لديه عامل وإنما يقوم هو بأعمال الزراعة كاملة بنفسه. وتكمن قوة الجسد، كما يقول الصفداني، في العمل، إذ إن «الكسل يسبب الأمراض ويجعل الإنسان ضعيف الهمة».
وتقع قلعة البثنة على مسافة 13 كيلومتراً تقريباً غرب مدينة الفجيرة بين سلسلة من الجبال على طرفي وادي حام والحيل، وتطل على عدد كبير من الواحات الزراعية، وتتكون من مبنى رئيس مخروطي الشكل من ثلاثة طوابق تعلوها أجزاء هرمية الشكل لأغراض دفاعية.
وذكرت دائرة السياحة والآثار في إمارة الفجيرة أن القلعة – بما ترويه الوثائق التي عثر عليها – من العلامات المضيئة الشاهدة على عراقة التاريخ، وحرص الأجداد الأوائل على تقديمها للخَلَف بوصفها تحفة معمارية تستحق الرعاية والتأمل.
وأضافت الدائرة أن قلعة البثنة تعد من أهم وأكثر المناطق ثراء، من حيث المكتشفات الأثرية، سواء كانت لقرية أثرية أو مدافن أو قلاع وحصون، وتقف هذه القلعة شامخة عبر السنين لتحكي حكاية الإنسان على أرضها.
• أنا ورفاقي العسكريون كنا نقف جنباً إلى جنب نتعاضد كالإخوة من أجل وطننا.
لمشاهدة الفيديو، يرجى الضغط على هذا الرابط.