حذّر خبراء حقوق الإنسان والنشطاء من تكثيف حملة القمع ضد الاحتجاجات المناخية في جميع أنحاء أوروبا، حيث وجدت أبحاث صحافية أن «البلدان في جميع أنحاء القارة تستخدم إجراءات قمعية لإسكات النشطاء».
وفي ألمانيا وفرنسا وإيطاليا والسويد وهولندا والمملكة المتحدة، ردّت السلطات على الاحتجاجات المناخية باعتقالات جماعية، وتمرير قوانين جديدة صارمة، وفرض أحكام صارمة على الاحتجاجات غير العنيفة، ووصم الناشطين بالمشاغبين والمخربين أو «الإرهابيين البيئيين».
وجاءت حملات القمع على الرغم من دعوات كبار المدافعين عن حقوق الإنسان ونشطاء البيئة لإتاحة المجال المدني للحق في الاحتجاج السلمي، بعد صيف من الحرارة القياسية في جنوب أوروبا، والذي يُعزى إلى آثار انهيار المناخ.
ويقول الخبراء إن «المملكة المتحدة قادت الطريق في حملة القمع، حيث رفض القضاة، أخيراً، استئنافاً ضد الأحكام بالسجن لسنوات عدة بحق نشطاء المناخ أغلقوا جسراً على الطريق السريع في شرق لندن». ويُعتقد أن أحكام السجن لمدة ثلاث سنوات على ماركوس ديكر، ومورغان ترولاند، في وقت سابق من هذا العام، هي الأطول التي يصدرها قاض بريطاني بسبب الاحتجاج السلمي. وجاء الحكم في الوقت الذي يحاول فيه المتظاهرون في المملكة المتحدة التكيف مع بيئة قانونية جديدة، تتضمن قيوداً صارمة على الحق في الاحتجاج، بما في ذلك قانونين جديدين تم إقرارهما في العامين الماضيين، ما يمنح الشرطة السلطة التقديرية لحظر الاحتجاجات التي تعتبر «تخريبية»، وتجريم مجموعة من أساليب الاحتجاج.
وضع مرعب
ووصف مقرر الأمم المتحدة، ميشيل فورست، المعني بالمدافعين عن البيئة منذ يونيو من العام الماضي، الوضع في المملكة المتحدة بأنه «مرعب». وأضاف أن «الدول الأخرى تنظر إلى ما تقوم به بريطانيا بهدف تمرير قوانين مماثلة في بلدانها، الأمر الذي سيكون له تأثير مدمر على أوروبا».
وقال فورست لصحيفة «الغارديان»: «منذ تعييني، سافرت إلى العديد من البلدان في أوروبا وهناك اتجاه واضح»، متابعاً: «يمكننا أن نرى عدداً متزايداً من الحالات التي يتم فيها تقديم نشطاء المناخ هؤلاء إلى المحكمة بشكل متزايد، ويتم إصدار قوانين أكثر صرامة لتسهيل هذه الممارسات بحق المدافعين». وأضاف: «أنا متأكد من أن هناك تعاوناً أوروبياً بين قوات الشرطة ضد هذا النوع من الأنشطة. وما يقلقني هو أنه عندما تطلق (الحكومات) على هؤلاء الأشخاص اسم (إرهابيين بيئيين)، أو تستخدم أشكالاً جديدة من التشهير، فإن ذلك يكون له تأثير كبير على كيفية نظر السكان إليهم وعلى القضية التي يكافح هؤلاء الناس من أجلها. إنه مصدر قلق كبير بالنسبة لي».
وقالت منظمة العفو الدولية إنها تحقق في حملة قمع للاحتجاجات في جميع أنحاء القارة. وقالت كبيرة الناشطين في المنظمة، كاترينيل موتوك، بشأن الفضاء المدني والحق في الاحتجاج في أوروبا: «الناس في جميع أنحاء العالم يرفعون أصواتهم بشجاعة للدعوة إلى اتخاذ إجراءات عاجلة بشأن أزمة المناخ، لكن كثيرين يواجهون عواقب وخيمة على نشاطهم السلمي».
وتابعت موتوك: «لم يكن أمام المتظاهرين السلميين سوى تنظيم احتجاجات عامة وإجراءات مباشرة غير عنيفة، لأن الدول الأوروبية لا تفعل ما يكفي لمعالجة أزمة المناخ»، موضحة: «هناك أدلة مثيرة للقلق على التجريم والمضايقة والوصم، والخطاب السلبي تجاه المدافعين عن البيئة».
وقالت موتوك إنه «بدلاً من شيطنة وتقييد المدافعين عن البيئة السلميين، يتعيّن على الحكومات الأوروبية أن تضع طاقتها في حوار مفتوح مع الناشطين والمنظمات لإصلاح مشكلات أزمة المناخ. إن المتظاهرين من أجل المناخ لا يشكلون مصدر إزعاج، ولا ينبغي إسكاتهم أو سحقهم».
فضاء مدني
وفي يونيو، دعت مفوضة مجلس أوروبا لحقوق الإنسان، دينا مياتوفيتش، أيضاً، إلى وضع حد لحملات القمع ضد الناشطين في مجال البيئة. وفي ديسمبر الماضي، ناشد المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان، فولكر تورك، الحكومات لحماية «الفضاء المدني» للناشطين الشباب في مجال البيئة، و«عدم اتخاذ إجراءات صارمة بالطريقة التي شهدناها في أجزاء كثيرة من العالم».
وكان هناك غضب واسع النطاق، هذا الصيف، عندما استخدم وزير الداخلية الفرنسي، جيرالد دارمانين، إحدى أقوى أدوات الدولة لإصدار أمر بحظر إحدى مجموعات الاحتجاج البيئية الرائدة في البلاد.
ونظمت «انتفاضات الأرض»، وهي مجموعة من الحملات البيئية المحلية، سلسلة من الاحتجاجات، باستخدام تكتيكات تشمل التخريب، وانتهت بمواجهات عنيفة مع الشرطة، وندد دارمانين بالناشطين ووصفهم بأنهم «يساريون متطرفون» و«إرهابيون بيئيون».
وفي هولندا، قامت الشرطة بتفريق احتجاجات في إحدى الطرق السريعة، في لاهاي في مايو، باستخدام خراطيم المياه، وتم اعتقال أكثر من 1500 شخص. وأُدين سبعة من نشطاء المناخ بتهمة التحريض على الشغب، وهي تهمة لم يتم توجيهها من قبل ضد المتظاهرين المناخيين، فيما يتعلق بمنشورات على الإنترنت تدعو الناس إلى الانضمام إلى تظاهرة سابقة.
وفي السويد، أُدين نحو 20 عضواً في مجموعة «استعادة الأراضي الرطبة»، بتهمة التخريب، بعد إغلاق طرق سريعة في العاصمة ستوكهولم. واحتُجز آخرون احتياطياً لمدة تصل إلى أربعة أسابيع لمشاركتهم في الاحتجاجات.
وفي ألمانيا، شنت الشرطة، في مايو، مداهمات على مستوى البلاد ضد مجموعة «الجيل الأخير»، التي كان أنصارها يفترشون الطرق بشكل شبه أسبوعي لأشهر عدة، فضلاً عن استهداف المعارض الفنية، وغيرها من الأماكن الثقافية. وبأمر من الشرطة، تم إغلاق الصفحة الرئيسة للمجموعة ومصادرة ممتلكات أعضائها.
الجيل الأخير
وفي أحدث إحصاء قدمه النشطاء، قامت الشرطة باعتقال أكثر من 4000 شخص من أنصار «الجيل الأخير»، الذين شاركوا في حواجز الطرق في برلين وحدها.
واستخدمت السلطات في إيطاليا قوانين مكافحة الجريمة المنظمة لقمع الاحتجاجات، حيث أقامت مجموعة «الجيل الأخير» الإيطالية حواجز على الطرق منذ العام الماضي.
وبررت وحدة شرطة «ديغوس»، المتخصصة في مكافحة الإرهاب، في أبريل، استخدام قوانين مكافحة المافيا لاستهداف المجموعة بالقول: «إن أعمال العصيان المدني التي قامت بها لم تحدث بشكل عفوي، ولكن تم تنظيمها ومناقشتها من قبل تسلسل هرمي داخلي». وجاء ذلك جنباً إلى جنب مع عقوبات جديدة أكثر صرامة على الاحتجاجات، حيث يواجه النشطاء غرامات تصل إلى 40 ألف يورو بسبب أفعال تستهدف الأعمال الفنية والتراث الثقافي الآخر.
وقال مدير قسم البيئة في «هيومن رايتس ووتش»، ريتشارد بيرسهاوس، «إن هذه القيود المفروضة على الاحتجاج البيئي في جميع أنحاء أوروبا والمملكة المتحدة قصيرة النظر بشكل لا يصدق، إذ لم تدرك هذه الحكومات أننا جميعاً لدينا مصلحة كبيرة في نزول المزيد من الناس إلى الشوارع للمطالبة بحماية أفضل للبيئة والمزيد من العمل المناخي».
وأضاف بيرسهاوس: «يتعين على الحكومات أن تحترم الحق في التجمع والتعبير، وأن تعزز تدابير حماية البيئة وطموحاتها المناخية. وهذه هي الطريقة الوحيدة التي لدينا فيها فرصة للخروج من أزمة المناخ هذه، مع الحفاظ على مؤسساتنا الديمقراطية سليمة».
وقال متحدث باسم وزارة الداخلية البريطانية: «إن الحق في الاحتجاج هو جزء أساسي من ديمقراطيتنا، ولكن يجب علينا أيضاً حماية حق الأغلبية الملتزمة بالقانون في ممارسة حياتهم اليومية». وأضاف المتحدث، الذي فضل عدم الكشف عن اسمه: «ينص قانون النظام العام على جرائم جنائية جديدة، ويفرض عقوبات مناسبة على تكتيكات الاحتجاج الأنانية التي تشبه عمل العصابات».
• يقول الخبراء إن «المملكة المتحدة قادت الطريق في حملة القمع، حيث رفض القضاة أخيراً، استئنافاً ضد الأحكام بالسجن سنوات عدة بحق نشطاء المناخ».
• أُدين سبعة من نشطاء المناخ في هولندا، بتهمة التحريض على الشغب، وهي تهمة لم يتم توجيهها من قبل ضد متظاهرين مناخيين.
• 40000 يورو غرامة استهداف الأعمال الفنية والتراث الثقافي الآخر.
• 4000 شخص من أنصار «الجيل الأخير»، تم اعتقالهم في برلين.