قد لا نرى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين محتجزاً في زنزانة في لاهاي في أي وقت قريب، ولكن مذكرة اعتقاله بشأن ارتكاب جرائم حرب قد تلحق الضرر بقدرته على السفر بحرية، والالتقاء بزعماء العالم الآخرين، الذين قد يشعرون بأنهم أقل ميلاً للقاء رجل مطلوب للعدالة. ويعد بوتين ثالث رئيس دولة توجه له المحكمة الجنائية الدولية اتهامات وهو مازال في السلطة. وفي ما يلي نظرة على العواقب التي قد يواجهها زعيم «الكرملين».
■ ما القضية؟
تتهم المحكمة الجنائية الدولية بوتين بالمسؤولية عن ارتكاب جريمة حرب متمثلة في ترحيل أطفال أوكرانيين، مئات على الأقل وربما أكثر، إلى روسيا.
وسارع الكرملين إلى رفض هذه الاتهامات، وقال وزير الخارجية الروسي إن قرارات المحكمة الجنائية الدولية «ليس لها معنى لبلدنا بما في ذلك من وجهة نظر قانونية».
■ السفر للخارج
تعد الدول الأعضاء في المحكمة الجنائية الدولية البالغ عددها 123 مطالبة باعتقال ونقل بوتين إذا وطئت قدمه أراضيها. وروسيا والصين والولايات المتحدة والهند ليست أعضاء في المحكمة الجنائية الدولية. وتستضيف الهند قمة في وقت لاحق من هذا العام لزعماء مجموعة العشرين التي تضم روسيا.
وتم إنشاء المحكمة الدائمة لجرائم الحرب في العالم بموجب نظام روما الأساسي، وهي معاهدة صدقت عليها جميع دول الاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى أستراليا والبرازيل وبريطانيا وكندا واليابان والمكسيك وسويسرا و33 دولة إفريقية و19 دولة في جنوب المحيط الهادي.
ووقعت روسيا على نظام روما الأساسي في سنة 2000 لكنها سحبت دعمها له في عام 2016 بعد أن صنفت المحكمة الجنائية الدولية ضم موسكو لشبه جزيرة القرم الأوكرانية على أنه صراع مسلح.
وقالت أستاذ التاريخ المساعد في جامعة أوتريخت إيفا فوكوسيتش «بوتين ليس غبياً، فهو لن يسافر إلى الخارج إلى بلد قد يُعتقل فيه».
وأضافت «لن يتمكن على الأرجح من السفر إلى أي مكان آخر، بخلاف الدول التي هي إما حلفاء بشكل واضح أو على الأقل متحالفة إلى حد ما (مع) روسيا».
■ التجربة السابقة للمحكمة الجنائية الدولية
الرئيس السوداني السابق عمر البشير والزعيم الليبي الراحل معمر القذافي هما الزعيمان الوحيدان اللذان وجهت لهما المحكمة الجنائية الدولية اتهامات أثناء توليهما قيادة بلديهما، وتم إلغاء التهم الموجهة إلى القذافي بعد الإطاحة به وقتله في عام 2011.
وظل البشير، المتهم عام 2009 بارتكاب إبادة جماعية في دارفور، في منصبه 10 سنوات أخرى حتى أطيح به في انقلاب، ومنذ ذلك الحين يحاكم في السودان على جرائم أخرى لكن لم يتم تسليمه إلى المحكمة الجنائية الدولية.
وفي أثناء توليه منصبه، سافر البشير إلى عدد من الدول العربية والإفريقية، منها دول أعضاء في المحكمة الجنائية الدولية مثل تشاد، وجيبوتي، والأردن، وكينيا، ومالاوي، وجنوب إفريقيا، وأوغندا التي رفضت احتجازه. ووبخت المحكمة تلك الدول أو أحالتها إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لعدم امتثالها.
وحاكمت المحكمة الجنائية الدولية رئيس دولة سابقاً بعد أن ترك منصبه هو الرئيس الإيفواري السابق لوران جباجبو الذي تمت تبرئته من جميع التهم في عام 2019 بعد محاكمة استمرت ثلاث سنوات.
ووجهت المحكمة اتهامات إلى الرئيس الكيني وليام روتو وسلفه أوهورو كينياتا قبل انتخابهما. ومنذ ذلك الحين تم إسقاط التهم الموجهة إلى كلا الرجلين. وكينياتا هو الزعيم الوحيد الذي مثل أمام المحكمة الجنائية الدولية بينما كان لايزال في منصبه.
■ محاكم أخرى
بصرف النظر عن المحكمة الجنائية الدولية، حوكم العديد من القادة السابقين أمام محاكم دولية أخرى.
ومن بين الحالات البارزة، كان الزعيم الصربي الراحل، سلوبودان ميلوسيفيتش، أول زعيم دولة سابق يمثل أمام محكمة دولية منذ الحرب العالمية الثانية، عندما حوكم أمام محكمة تابعة للأمم المتحدة بتهم ارتكاب جرائم خلال حروب البلقان في التسعينات، وتوفي أثناء احتجازه عام 2006 قبل النطق بالحكم.
وأدانت محكمة سيراليون الخاصة التي تدعمها الأمم المتحدة في لاهاي الرئيس الليبيري السابق، تشارلز تيلور، بارتكاب جرائم حرب في عام 2012، وهو أول رئيس دولة سابق يُدان بارتكاب جرائم حرب من محكمة دولية منذ محاكمات نورمبرغ للقادة النازيين بعد الحرب العالمية الثانية.
وغادر رئيس كوسوفو السابق، هاشم تقي، أحد خصوم ميلوسيفيتش في حروب البلقان في التسعينات، منصبه بعد أن وجهت إليه محكمة جرائم الحرب في كوسوفو في لاهاي لائحة اتهام بارتكاب جرائم حرب. ومن المقرر أن يمثل للمحاكمة الشهر المقبل.