ألزمت الأحوال الجوية الاستثنائية التي شهدتها الدولة أخيراً، أغلبية الأسر بالبقاء في المنازل، إما امتثالاً لقرارات الدوام عن بُعد أو اتقاء لطقس غزير المطر وشديد الرياح، فبدت شوارع كثيرة خالية إلا من جنود مجهولين، تحت اسم «عمال توصيل الطلبات» الذين يجوبون الطرقات ذهاباً وإياباً على متن دراجات نارية محمّلة بصناديق تلبي طلبات آلاف الأشخاص، غير عابئين بما يحيط بهم من مخاطر طقس «غير اعتيادي» وتحديات صراع الوقت لإرضاء المتعامل، ليشكلوا «خط دفاع جديداً» يضاف إلى قائمة «أبطال الظروف الاستثنائية».
«أن تكون سائق توصيل طلبات وسط أحوال جوية غير مستقرة، فهي مهمة ليست سهلة على الإطلاق».. جملة لخّص بها عامل توصيل الطلبات في أحد المطاعم، أيمن سعيد أبوالعلا (مصري)، صعوبة العمل في قطاع توصيل الطلبات خلال الأحوال الجوية الممطرة التي تشهدها الدولة في الفترة الحالية، مشدداً على أن أي خطأ يرتكبه سائق التوصيل على الطريق قد يعرّضه لخطر بليغ، لكنه استدرك قائلاً: «على الرغم من صعوبة الأجواء التي شهدناها طوال الفترة الأخيرة فإنني وزملائي بحمد الله، لم نتعرض لأي حادث»، مرجعاً ذلك إلى الالتزام بإجراءات السلامة المرورية والقيادة الآمنة وعدم التعجل، وتفهم العملاء لأسباب تأخر بعض الطلبات.
بدوره، قال عامل توصيل الطلبات، إقبال زيد (باكستاني): «العمل تحت الأجواء الممطرة أمر ممتع جداً حين تكون الأمطار خفيفة، خصوصاً إذا كان العامل من محبي ركوب الدراجات النارية مثلي، لكنّ هذا العمل يختلف كثيراً ويصبح شديد الخطورة مع شدة الأمطار والعواصف الترابية التي قد تعيق الرؤية، ونحن أصبحنا مدربين على العمل وسط الأجواء المختلفة، وبات لدينا ولدى المنشآت التي نعمل فيها وعي أكثر بمتطلبات السلامة سواء الشخصية عبر توفير الزي المناسب للحالة الجوية، والتأكد من صلاحية وجودة الدراجة وإطاراتها وصندوق توصيل الطلبات، إضافة إلى اتباع متطلبات السلامة المرورية حسب حالة الطقس».
من جانبه، قال عامل التوصيل ميكج بهاراتي (نيبالي): «أعمل في هذه المهنة منذ 12 عاماً، ومررت بتحديات كثيرة في العمل كانت شديدة الصعوبة فاكتسبت منها خبرات مهمة، منها أن طلب العميل يجب أن يصل في الوقت المحدد مهما كانت الظروف، وهو تحدٍ يجب التعامل معه باحترافية، من خلال الالتزام بقواعد السلامة الشخصية والمرورية، والقيادة الآمنة تحت أي أجواء»، وذلك ما أكده عامل التوصيل إبراهيم مقصود (هندي)، الذي يرى أن الطلب على قطاع التوصيل يشهد ضغطاً هائلاً في فترة الأمطار والتقلبات الجوية، قائلاً: «دائماً ما نتوقع هذا الضغط، لذلك يجب علينا العمل بسرعة ودون تهور عند نقل الطلبيات، لأن لدينا طلبيات لأماكن عدة، وينبغي علينا الوصول إليها كلها».
وأشاد مقصود بالتفهم المجتمعي لطبيعة عمل سائق توصيل الطلبات واحترام مهنته وظروفه.
احترام مجتمعي
في المقابل، اتفق متعاملون من معتادي الشراء عبر خدمة توصيل الطلبات، على أهمية الدور الذي يقوم به عامل «الدليفري» الذي يصفونه بـ«البطولي» في الأوقات والأجواء الاستثنائية، مؤكدين أن العاملين في هذه المهنة يُظهرون احترافية وقدرة هائلة على تحمّل العمل الشاق، خلال الأجواء غير المستقرة، ويحظون بتقدير واحترام طبيعة عملهم من قِبل فئات المجتمع كافة.
وقالت أمينة آل علي، مسؤولة علاقات عامة في إحدى المؤسسات شبه الحكومية بدبي: «لم أكن أتخيل أن أستقطع جزءاً من وقتي للتفكير في أحوال وظروف عامل أو مهني لا أعلم عنه شيئاً، لكن هذا الأمر حدث بالفعل عندما تعرضنا لتأثيرات الحالة الجوية الأولى، فلم يكن من السهل توفير احتياجات المنزل والأسرة إلا من خلال خدمة توصيل الطلبات. وأذكر أن عامل التوصيل كان يأتي إلى البيت محمّلاً بالطلبات، وكذلك بمياه الأمطار في مشهد جدير بالاحترام».
وأضافت: «زوجي كان يحرص دائماً على إبداء تقديرنا لعامل التوصيل، فيما كنت أحرص على التحدث مع أطفالي عن أهمية احترام هذا النموذج من العمالة التي تواجه تحديات جمة، لإسعادنا وتلبية طلباتنا».
وأكد عادل راشد الساعدي (متقاعد)، تفهّمه الكامل لصعوبة مهنة توصيل الطلبات، كون مقر عمل «الدليفري» هو الشارع سواء في حر الصيف أو تحت أمطار وعواصف الشتاء، قائلاً: «هذا العامل يستحق التقدير الكامل، فهو يعمل بلا مكاتب مكيفة ولا وظيفة ثابتة، ويعاني في عمله الضغط النفسي والعصبي بسبب صراع الوقت».
وأمّنت رشا جمال محمود (موظفة في جهة حكومية بأبوظبي)، على هذا الكلام بالقول: «عندما أقود المركبة خلال هطول الأمطار ووسط البرد القارس، غالباً ما تكون الشوارع خالية إلا من أصحاب (الموتوسيكلات) وصناديق الدليفري، الذين أراهم دائماً في الشوارع يؤدون عملهم ولا يستطيعون الجلوس في المنزل واحتساء المشروبات الساخنة والاختباء من شدة البرد، وينتهي يومهم بطاقة منهكة وملابس مُبللة من كثرة الأمطار، لذلك فهم من أكثر فئات المجتمع حاجة إلى من يُجبر خواطرهم».
وأضافت: «من يستطيع تحمل كل هذا الضغط وهذه المخاطر الموجودة في مثل هذه المهنة، والتي يمكن أن تعرض حياته للخطر في سباق مع الزمن على دراجة نارية، من أجل خدمة أفراد آخرين وتلبية طلباتهم، يستحق بكل تأكيد التقدير والتحية»، لافتة إلى أن المسؤولين في دولة الإمارات لم يتجاهلوا هذه الفئة، بل حرصت الدولة على تكريم المتميزين منهم في كثير من المحافل الإنسانية والعمالية.
متعاملون:
• عمال توصيل الطلبات يحظون بتقدير واحترام طبيعة عملهم من قِبل فئات المجتمع كافة.
100 «دليفري» محترف
في إطار حرص إمارة دبي على تشجيع شركات وسائقي دراجات توصيل الطلبات على الإسهام في رفع مستوى السلامة المرورية على طرق الإمارة، وتطوير الخدمات التي تقدمها الشركات للمتعاملين، أطلقت هيئة الطرق والمواصلات بدبي، قبل عامين، جائزة تميّز لقطاع خدمة توصيل الطلبات، ضمت فئتين، الأولى للشركات، وتشمل تكريم أفضل شركتين في خدمة توصيل الطلبات، وأفضل شركتين في خدمة توصيل الطلبات عن طريق المنصات والتطبيقات الذكية، بينما خُصّصت الفئة الثانية للسائقين المحترفين.
وفي يناير الماضي، كرّم المفوض العام لمسار البنية التحتية والتخطيط العمراني وجودة الحياة، المدير العام ورئيس مجلس المديرين في هيئة الطرق والمواصلات، مطر الطاير، والقائد العام لشرطة دبي الفريق عبدالله خليفة المري، الشركات الفائزة، إلى جانب تكريم أفضل 100 سائق توصيل طلبات محترف.
«الدليفري» القدوة
شهدت إمارة دبي في مارس الماضي واقعة ملهمة تناقلتها العديد من وسائل الإعلام المحلية والعالمية، حيث رصدت كاميرات هيئة الطرق والمواصلات في دبي عامل توصيل طلبات باكستانياً يوقف دراجته النارية على كتف الطريق، خلال هبوب عاصفة مصحوبة بأمطار غزيرة، ليقوم طواعية بإصلاح إشارة مرور قبل سقوطها بفعل شدّة الرياح، ودون التفكير في تبعات الاقتراب من جسم معدني داخله أسلاك كهربائية وتُحيطه المياه من كل جانب، في تصرّف ينم عن تحلّي العامل بالمسؤولية المجتمعية، والخوف على الممتلكات العامة، وهو ما دعا هيئة الطرق والمواصلات في دبي إلى تكريم العامل ومنحه جائزة مجتمعية.
وقف «مؤقّت» لخدمات التوصيل
دعت مديرية المرور والدوريات الأمنية في شرطة أبوظبي، سائقي دراجات التوصيل إلى وقف تقديم خدمات التوصيل أثناء الأحوال الجوية المتقلبة، وذلك في إطار اهتمامها بتعزيز التوعية والتنبيه المبكر لضمان سلامة قائدي الدراجات النارية، مشددة على ضرورة تجنب قيادة الدراجة النارية في الأحوال الجوية المتقلبة، خصوصاً أثناء هطول الأمطار.
ووفقاً لشرطة أبوظبي، فإن الدراجات النارية مصممة في الأساس للسير على الطرقات الجافة، ما يجعل استخدامها غير آمن تحت الأمطار، لأن ذلك قد يؤدي إلى الانزلاق وازدياد مسافة التوقف إلى حدود خطرة جداً، تؤدي في أغلب الأحيان إلى وقوع الحوادث.
«خصومات طوعية» لعمال «الدليفري»
طرحت شركات ومنشآت ترفيهية وسياحية عدة، عروضاً طوعية خصصتها حصراً لعمال وسائقي توصيل الطلبات تكريماً لهم وتقديراً لدورهم في خدمة المجتمع، خصوصاً في الأوقات والظروف الاستثنائية، أبرزها إعلان عن عرض قدّمته إحدى شركات السياحة في دبي، جاء في نصه: «نداء إلى جميع عمال توصيل الطلبات في الإمارات العربية المتحدة.. لدينا مكافأة لذيذة لعملك الجاد.. خصم خاص بنسبة 10% على كل عروض السفر لدينا، لتكتشف وجهات مذهلة وتأخذ استراحة من التوصيل».
356 استراحة آمنة
أكدت وزارة الموارد البشرية والتوطين أن قطاع توصيل الطلبات يعدّ أحد القطاعات اللوجستية المهمة وذات طبيعة عمل خاصة تتطلب الاستعداد والجاهزية على مدار الساعة، تلبية لاحتياجات مختلف شرائح المتعاملين في الدولة، لافتة إلى أنه مراعاة لأهمية هذا القطاع تحرص على التواصل مع شركات التوصيل والتنسيق معها لتأمين أفضل معايير الراحة والسلامة للسائقين، بما يعزز استدامة وريادة هذا القطاع الحيوي المهم ويمكّنه من أداء خدماته الأساسية بالشكل الأمثل، ويحفظ حقوق وسلامة العاملين لدى هذه الشركات في الوقت نفسه.
وأوضحت الوزارة أنها تمكنت من توفير 356 محطة استراحة مؤمّنة بالخدمات الأساسية لاستخدامها من قِبل سائقي دراجات توصيل الطلبات في كل مناطق الدولة، وذلك بعد تنسيق بين الوزارة والشركات المسؤولة عن عمال التوصيل، وبدعم ومشاركة الجهات الحكومية المعنية، لحماية هؤلاء العمال من تقلبات الطقس خلال الأمطار والعواصف، ومن تأثيرات ارتفاع درجات الحرارة في الصيف.
إرشادات لسلامة «الدليفري»
شددت هيئة الطرق والمواصلات في دبي على ضرورة أن يتجنب سائق توصيل الطلبات. وأكدت في رسائل وإرشادات توعوية، وجوب التزام سائق «الدليفري» بالسرعة المسموح بها، وارتداء الملابس المعتمدة من الهيئة، والتي تطابق معايير السلامة العالمية، داعية سائقي الدراجات النارية إلى ضرورة الحرص على ارتداء الخوذة دائماً، واختيار الملابس التي تلبي معايير السلامة المعتمدة، والتي من شأنها حمايته في حال السقوط من الدراجة.