تتقصى بعض أشهر شركات إنتاج الشاي في العالم، مثل «تاتلي» و«ليبتون» عن ظروف عمال المزارع التي تزودها بالشاي في سريلانكا، إثر تحقيقات أوردتها صحيفة الغارديان. وتجري مؤسستا فيرتريد ورينفورست اليانس، اللتان تصدران الشهادات للشركات التجارية في العالم، أيضاً تحقيقاً مستقلاً، بعد الكشف عن أن بعض العمال في 10 شركات تحمل هذه الشهادات لا يستطيعون شراء الطعام، كما أنهم يعيشون في ظروف قاسية للغاية.
ويقول عمال قطف الشاي إن مالكي الشركات التي يعملون فيها رفضوا دعمهم خلال الأزمة الاقتصادية غير المسبوقة التي شهدتها البلاد، والتي شهدت ارتفاعاً كبيراً في أسعار المواد الغذائية والوقود، والأدوية، حيث إن زيادة الأجور لا تواكب ارتفاع الأسعار. وأضاف العمال أن المشرفين على العمل رفضوا دفع ما عليهم من مستحقات، كما تحدثوا عن تعرضهم لحالات إساءة وشتم. وقال بعض عمال قطف الشاي إنهم يملكون القليل من المال لشراء الطعام لعائلاتهم، ويشعرون بأنهم مضطرون لتشغيل أطفالهم.
وتقول شركة تاتلي إنها أوقفت العمل في بعض المزارع الرئيسة في سريلانكا، في حين أنها تقوم بتحقيقاتها في الموضوع. وقالت شركة يروكشير تي، التي تحصل على الشاي من المزارع التي زارتها صحيفة الغارديان، إنها تناقش الموضوع الآن مع المزارع ذات الصلة.
ويعمل الآن نحو 300 ألف شخص في مزارع الشاي السريلانكية، التي تقع بصورة رئيسة في جبال سنترال هايلاند. وفي عام 2022، بلغ حجم هذه الصناعة نحو 1.079 مليار دولار من التصدير.
ويعاني عمال قطف الشاي منذ تعرضت سريلانكا لأزمة اقتصادية، إثر حظر الأسمدة الكيماوية عام 2021، حيث أدى ذلك الحظر إلى نتائج كارثية، ما نتج عنه بالتالي تدنٍ في محصول الشاي وتناقصه إلى أدنى حد منذ 26 عاماً. ويجب على العمال جمع نحو 18 كيلوغراماً من الشاي على الأقل يومياً كي يكسبوا نحو 1000 روبية سريلانكية، أي ما يعادل 3.25 جنيهات إسترلينية، وهذا ما حدده مجلس تحديد الأجور الحكومي عام 2021. وإذا جمع العامل أقل من 18 كيلوغراماً من الشاي فإنه سيحصل على أجر أقل عن كل كيلوغرام.
وأدى انخفاض قيمة الروبية إلى انخفاض القيمة الشرائية للأجر اليومي للعامل. وأدى وصول دعم صندوق النقد الدولي إلى تحسن وضع الروبية، ولكن التضخم الذي تعانيه البلاد منذ أمد بعيد، والذي بلغت نسبته في سبتمبر الماضي 86%، رفع أسعار المواد الغذائية. وفي يناير الماضي، أشارت تقديرات برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة إلى أن 44% من العائلات العاملة في مزارع الشاي لا تحظى بالأمن الغذائي، وتعادل هذه النسبة ضعفي النسبة المعروفة في المناطق المدنية.
ويدعي العمال أن المشرفين على بعض المزارع حاولوا تخفيض أجورهم.
وتقول العاملة في مزارع الشاي لاكشمان ديفاناياجي، (33 عاماً)، «حتى لو جمعنا كمية جيدة وكافية من الشاي، فإنهم يعتبرونه غير كافٍ، ويقومون بتخفيض أجرنا»، وأضافت لاكشمان، أنها شعرت في أوقات عدة بأنها تنوي الانتحار، «إذا جمعنا لهم خمسة كيلوغرامات من ورق الشاي فسيدفعون لنا أجر كيلوغرامين أو ثلاثة. وعندما نسألهم عن ذلك، سيقولون لنا إنهم يفعلون المطلوب منهم، ويتساءلون: لماذا لا تفعلون ما نطلبه منكم؟».
وتعيش العاملة في قطف الشاي رانغسامي بوانشكانثي، مع زوجها وثلاثة أطفال في التلال قرب إحدى مزارع الشاي. وقالت إنه تعين عليها أن تأخذ قروضاً من أجل دفع ثمن الطعام لعائلتها، مضيفة أنها غالباً ما تخلت عن شراء الفوط الصحية كي تشتري الطعام لأطفالها. وأضافت «إذا لم يكن هناك طعام في المنزل، فإنني لا أستطيع أخذ طعام معي إلى العمل، وأتذرع للمشرفين بأني أريد العودة إلى المنزل للحظات، لأنني لا أستطيع مشاهدة الآخرين وهم يأكلون».
وتقول إنهم يتعرضون للضغط كي يجمعوا الشاي بسرعة، وهذا يعني أنها لن تكون قادرة على أخذ الحيطة من حشرة العلقات، وهي شائعة في المناخ الرطب. وفي العام الماضي أصيبت ساقها من إحدى هذه العلقات، وقطعت مسافة ساعة مشياً للوصول إلى الطبيب، لأنها لم تكن قادرة على دفع أجرة «الركشا»، وهي وسيلة المواصلات المستخدمة لديهم.
وتعلق عاملة أخرى، اسمها سوبرامانيام ساثيفاني، (40 عاماً)، أنها تشعر كأنهم جردوها من إنسانيتها، خلال العمل في مزارع الشاي. وتضيف «نحن نحرق دماءنا كي يعيش المدير مرتاحاً».
وتتم إدارة مزارع الشاي من قبل شركات تستأجر الأرض من الحكومة. ومعظم العاملين من قومية المالاياغا التاميل، أحفاد العمال الذين جلبتهم إدارة المستعمرات البريطانية من جنوب الهند. ولايزال معظمهم يعيشون في منازل صغيرة بناها البريطانيون، وأصبحت مملوكة الآن للمزارع. ولا يوجد في هذه المنازل مياه جارية أو حتى مراحيض، ويقول العمال إنهم يضطرون للتبول في النهر القريب. ويقول أكبر أطفال بوانيشكانثي إنه لا يذهب أحياناً إلى المرحاض، لأنه يخشى الأفاعي أو العلقات في الماء. وقالت امرأة أخرى إن زوجها توفي بعد أن شرب مياهاً ملوثة. ويشعرون بأنهم مضطرون إلى الاستمرار في العمل بالمزارع، لأن أمامهم خيارات محدودة للعمل في أماكن أخرى، والعديد من العمال يتمتعون بتعليم محدود للغاية.
وحصلت صحيفة الغارديان على عدد من قسائم الأجور التي تؤكد اقتطاع 50% وربما أكثر، شهرياً من الأجور. وقالت بوانيشكانثي، إنه حدث معها، مرة على الأقل، في العام الماضي، ولم يتبقَّ لها أي شيء من أجرها بعد أن تم اقتطاعه كله. وأضافت هذه المرأة التي ذهبت في يناير الماضي للعمل في كولومبو العاصمة، التي تبعد نحو 75 ميلاً، خادمة منزل، وتحصل على أجر أفضل «إذا عملنا 22 أو 23 يوماً، فإننا نحصل بعد الاستقطاعات على أجر 15 أو 16 يوماً. وعندما يتم اقتطاع كل شيء، لا يعطوننا أي شيء».
• يقول عمال قطف الشاي: إن مالكي الشركات التي يعملون فيها رفضوا دعمهم خلال الأزمة الاقتصادية غير المسبوقة التي شهدتها البلاد، والتي شهدت ارتفاعاً كبيراً في أسعار المواد الغذائية والوقود، والأدوية، حيث إن زيادة الأجور لا تواكب ارتفاع الأسعار.
• تقول العاملة في مزارع الشاي لاكشمان ديفاناياجي (33 عاماً): «حتى لو جمعنا كمية جيدة وكافية من الشاي، فإنهم يعتبرونه غير كافٍ، ويقومون بتخفيض أجرنا»، وأضافت لاكشمان، أنها شعرت في أوقات عدة بأنها تنوي الانتحار، «إذا جمعنا لهم خمسة كيلوغرامات من ورق الشاي فسيدفعون لنا أجر كيلوغرامين أو ثلاثة».
وزير البنى التحتية: هناك حالات استغلال واضحة
يقول وزير الماء والبنى التحتية في سريلانكا، جيفان توندامان، تظهر النتائج أن هناك حالات استغلال واضحة، وأضاف الوزير «علينا إيجاد طريقة لمنح العمال عملاً شريفاً». ويضيف بقوله «لدي شعور بأننا نستطيع فعل ذلك عن طريق مشاركة منظمات دولية، مثل الأمم المتحدة، ولجنة فيرتريد، التي تمنح الشهادات التجارية للمؤسسات».
وقال الوزير إن بعض المزارع كذبت وعملت على خداع جميع المنظمات الأجنبية، وتظاهرت بأنها تتحلى بالأخلاق النبيلة، كي تحصل على التمويل. ونريد من الحكومة أن تجري اتفاقها مع المزارع، وأن تعمل على تأجير المزارع للعمال، كي يحصلوا على المال من خلال محاصيلهم، وتتيح لهم مزيداً من السيطرة على المزارع».
وقالت منظمة فيرتريد، التي منحت الشهادة لثلاث مزارع قامت بزيارتها، إنها أحالت مزاعم الغارديان إلى جهات مستقلة، إضافة إلى لجنة حماية «فيرتريد» التي تشرف على سلامة الأطفال والكبار الضعفاء. وقالت في بيان إن المزارع ملتزمة من قبل «فيرتريد ستاندرد» التي تعنى بمنظمات العمالة المستأجرة لتعديل أجور العمال كي تواكب التضخم باستمرار.
وتأخذ «فيرتريد» ادعاءات الإساءة للعمال على محمل الجد، وقالت في بيان «بالطبع فإن تحسين حياة العمال في بعض الأماكن من أهم الأسباب التي من أجلها تم تأسيس (فيرتريد)»، وقال مدير «رينفوريست الليانس» مادوري ناندا، في جنوب آسيا، التي منحت شهادتها لتسع مزارع شاي «إننا نشعر بالقلق الشديد جراء هذه الادعاءات. ونحن نأخذ هذه المسألة على محمل الجد، وسنقوم بإجراء تحقيقاتنا، كما هو متبع في عملنا».
وقال الأمين العام لجمعية المزارعين في سيلان، لاليث اوبيسيكيري، وهي الهيئة التي تمثل شركات الزراعة التي زارتها «الغارديان»، إن الادعاءات بأن الاقتطاع من الأجور جعل العمال من دون أجور «ليس لها أساس من الصحة»، وأي اقتطاع من الأجور يجب أن يتم وفق تفويض، ولا ينبغي أن يتجاوز 50% من أجر العامل. وقال إن العمال يمكن أن يقدموا تظلمات إذا كانوا يعتقدون بأنه تم اقتطاع مبلغ كبير من أجورهم. وقال أوبيسيكيري، «إن عمال مزارع الشاي يحصلون على 14 يوم إجازة مدفوعة الأجر، و14 يوم إجازة مرضية، إضافة إلى مكافأة، وثلاثة أشهر مدفوعة للأمومة، ورعاية مجانية للأم والطفل حتى يصل خمس سنوات. ويحصل العمال على حصة من الحليب المجفف، والطحين، والأرز، ويتلقى الأطفال طبابة وتلقيحاً بالمجان».
جيفان توندامان:
• «بعض المزارع كذبت، وعملت على خداع جميع المنظمات الأجنبية، وتظاهرت بأنها تتحلى بالأخلاق النبيلة كي تحصل على التمويل».
يعملون مثل العبيد دون طعام أو أجر ملائم
في أغسطس الماضي، رفضت محكمة الاستئناف في سريلانكا عريضة قدمها أصحاب المزارع الذين يسعون من خلالها إلى رفض زيادة الأجور المقررة في عام 2021. وقال وزير المياه والبنى التحتية جيفان ثوندامان، إنه سيمارس الضغوط على هيئة الأجور لزيادة أجور العمال.
وقال أيضاً إن التقنيات الجديدة مثل الموازين الرقمية التي يتم استخدامها في بعض المزارع، يجب أن يتم نشرها على نطاق واسع، ولكن عضو البرلمان السريلانكي من حزب الاتحاد الوطني للعمال، بالاني ديمغامبرام، الذي نشأ في مزارع الشاي، يقول إن العمال يعملون في مزارع الشاي مثل «العبيد»، من دون طعام أو أجور ملائمين.
وأضاف «لو لم تكن هناك أي مزرعة للشاي فسأكون سعيداً، فهل من المعقول أن يكون شعبنا مجبراً على العمل في مزارع الشاي؟ حيث العلق والأفاعي التي تلدغهم، والنمور التي يمكن أن تنال منهم في أي وقت! إلى متى ستظل هؤلاء النساء يعانين هذه العذابات؟».