يتابع العالم، من باب التسلية ربّما، توقعات العرافين في المجالات المختلفة في مطلع كل عام جديد. وبينما يصعد ويهبط الاهتمام بهذا العراف أو ذاك، كل مرة، إلا أن الاهتمام بمراجعة توقعات عرافة عمياء راحلة، ولدت وماتت في بلغاريا هي الجدة بابا فانغا، ظل يحتل مساحة ثابتة بشهادة خبراء ومتابعين. وفي حين يثق البعض في توقعات العرافين ويرفضها البعض الآخر، من منطلق ديني وعلمي، يرى البعض أن قصة فانغا كانت «لعبة مخابراتية»، ظلت تُدار لصالح المخابرات السوفيتية (كي جي بي).
اشتهرت فانغا بما تردد عن توقعات لها عن أحداث تصادف حدوثها، حسب سجلات تركتها، مثل تفكك الاتحاد السوفيتي، وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وتفكك العرب، ووقوع أحداث سبتمبر 2001، وطغيان موجات تسونامي، وظهور «كورونا»، وإصابة ترامب بالفيروس، واكتسب اسمها شهرة واسعة بهذه التوقعات، بغض النظر عن مدى دقتها من عدمه.
نشأت الجدة فانغا، واسمها الحقيقي، فانغيلا باندينا جيوستروفا، في بلدة بلغارية تدعى أسترومايكا لعائلة مرت بظروف صعبة، حيث ألقي القبض على والدها وصودرت ممتلكاتهم لأسباب سياسية، ثم توفيت والدتها لتنشأ في حضن زوجة أبيها القاسية، ولتصاب هي بمرض تنفسي خطير توقع فيه معالجوها من الأطباء موتها المحقق، ثم تنجو لتصاب بالعمى في ظروف شبه أسطورية، حيث حملها إعصار ورماها في مكان بعيد لتفقد بصرها اثر ذلك، وليتم العثور عليها بصعوبة، بحسب روايتها الشخصية في كتاب «الحقيقة حول فانغا».
شهرة واسعة
بدأت فانغا مسيرتها كعرافة باحترافها معالجة سكان بلدتها بالأعشاب محققة سمعة واسعة، وتطور هذا الأمر تدريجياً ليصحبه القيام بالعلاج النفسي، والقيام ببعض التوقعات التي شاعت عند السكان صدقيتها، لكن مع مطلع عام 1939 وتفشي التشرد والأوضاع المأساوية، التي ارتبطت بالحرب في بلغاريا، بحسب المؤرخة جوديث جويس، توافد المئات على فانغا لتخبرهم عن مكان أحبائهم أو أماكن قبورهم، كما زارها قادة ومسؤولون بلغار مهمون، ووصل الأمر إلى قيام الأمير البلغاري، يوريس الثالث، نفسه بزيارتها في 8 أبريل 1942، ثم قيام الحكومة البلغارية عام 1966 بتخصيص مرتب ثابت لها، وتعيين طاقم سكرتارية تدفع الحكومة رواتبهم لتنظيم وقتها، كما قامت أيضاً بتكليف معهد «الباراسيكولوجي والسجستولوجي» في صوفيا بمتابعة حالتها، بحسب جويس أيضاً.
انتقلت توقعات فانغا من المستوى المحلي، إلى المستوى العالمي، في ظروف غامضة، ووصل الأمر إلى قيام سكرتير الحزب الشيوعي السوفيتي السابق، ليونيد بريجينيف، بزيارتها في الستينات واستشارتها في التطورات الساسية العالمية، حسبما ذكرت «نيويورك تايمز» في 5 أبريل 1995، كما تذكر الكاتبة، زيدني كوستاناديوفا، عام 1997، أن الملايين في شرق أوروبا آمنوا بقدرات فانغا الخفية، علاوة على ما تردد عن قصة المطربة، سلفانا أرمينوسي، التي رفضت بابا فانغا مقابلتها، وطلبت منها العودة بعد ثلاثة أشهر، مؤكدة أنها لن تستطيع ذلك، لتلقى أرمينوسي مصرعها في حادث سيارة، كما تقاطعت الروايات.
وترى مجلة «نيوزويك» الأميركية، في تقرير لها بعنوان «الجدة فانغا: نوسترادموس البلقاني»، نشرته في 29 ديسمبر 2021، أن شهرة فانغا العالمية بدأت فعلياً بعد وفاتها في عام 1996 بأربع سنوات حين كشف مقربون منها توقعها عام 1980 غرق الغواصة النووية «كورسك» التي نالت المصير ذاته عام 2000، وقد توالت بعد ذلك طبقاً لهذه الرواية التوقعات التي نسبت إليها، ومنها، توقع سقوط الاتحاد السوفييتي، وحدوث كارثة تشرنوبل، وهجمات 11 سبتمبر، والتوتر مع كوريا الشمالية، وتوقع صعود رئيس أميركي من أصل إفريقي (أوباما)، وهي كلها توقعات قالت بها فانغا قبل حدوثها وتصادف تحققها.
تشكيك
وبالرغم من أن أنصار فانغا عادة ما يبرزون توقعاتها التي حدثت، فإن فريقاً آخر يرى أن قصة فانغا تفتقد الصدقية، وأن تصادف وقوعها لا يزيد على 68% بحسب «ديلي ميل البريطانية» في 28 مارس 2022، وأن هناك توقعات كثيرة قالتها فانغا ولم يتصادف وقوعها ولا يتحدث عنها «حزب فانغا»، وتضم هذه التوقعات، توقعها باندلاع حرب عالمية ثالثة عبر استخدام أسلحة نووية عام 2010، وتوقعها انقراض الحياة الحيوانية والنباتية من نصف الكرة الشمالي عام 2011، وتوقع فانغا إصابة معظم سكان الأرض بسرطان الجلد عام 2014، وتوقع فانغا بتحوّل أوروبا إلى قارة مهجورة عام 2016، بحسب الكاتبة، أورلوفا فانغا، في كتاب «نظرة إلى روسيا».
أما الفريق الثالث، فهو يعتقد أن القصة كلها «لعبة مخابراتية» استناداً إلى شهادة منسوبة إلى ضابط سابق في المخابرات السوفييتية (كي جي بي) يدعى يفيجني سيجينكو، حيث نسب اليه القول إن «العرافة العمياء كانت كنز معلومات للمخابرات السوفييتية، بسبب حجم ونوعية الزوار الذين يترددون عليها»، وإنها «لم تكن جاسوسة سوفييتية، لكن مساعدتها كانت كذلك، وإنه يعرف الصحافي البلغاري الذي استهدفته الـ(كي جي بي) ليروّج لسمعة فانغا»، لكن هذه الشهادة التي رددتها وسائل إعلامية افتقرت الى التوثيق.
من الطريف، في نهاية المطاف، أن سجلات فانغا تتضمن توقعات بحدوث جفاف في معظم دول العالم، وحدوث فيضانات في آسيا وأسترااليا في العام الماضي (2022)، كما أنها تتوقع في عام 2023 أن يتم تغيّر مدار الأرض، ووقوع هجوم بيولوجي من دولة عظمى على دول عدة، وهبوب عاصفة شمسية، وحدوث انفجارات نووية، وولادة البشر في مختبرات علمية.
• بدأت فانغا مسيرتها كعرّافة باحترافها معالجة سكان بلدتها بالأعشاب محققة سمعة واسعة، وتطور هذا الأمر تدريجياً ليصحبه القيام بالعلاج النفسي، والقيام ببعض التوقعات التي شاعت عند السكان صدقيتها.
• سجلات فانغا تتضمن توقعات بحدوث جفاف في معظم دول العام، وحدوث فيضانات في آسيا وأستراليا في العام الماضي (2022)، كما أنها تتوقع في عام 2023 أن يتم تغير مدار الأرض، ووقوع هجوم بيولوجي من دولة عظمى على دول عدة، وهبوب عاصفة شمسية، وحدوث انفجارات نووية، وولادة البشر في مختبرات علمية.