لبنى أبوتركي، وعبير عسيلي، فلسطينيتان من سكان البلدة القديمة بمدينة الخليل جنوبي الضفة الغربية، قررتا أن تكون حياتهما مختلفة داخل مدينة خليل الرحمن التاريخية، رغم كل ما تتعرض إليه من خطر المستوطنين المحدق، لحماية الوجود الفلسطيني عبر الأجيال المتعاقبة، بجوار رابع أقدس معلم إسلامي في العالم.
(لبنى) و(عبير) تجمعهما علاقة صداقة منذ أكثر من 20 عاماً، لتخط كل واحدة حكاية الصمود بافتتاح محلين متجاورين، داخل أزقة البلدة القديمة، محل لبيع وإنتاج الصابون الطبيعي أنشأته (أبوتركي)، ومكتبة ثقافية تديرها (عسيلي)، بجوار جارتها، داخل مكان أثري صمم على الطراز الفلسطيني القديم، في محاكاة لتاريخ الخليل العتيقة.
وفي الطريق من منزل الجارتين إلى مصدر رزقهما، حواجز عسكرية، وبوابات إلكترونية، تترامى على جانبي الطرقات، لا يفارقها جنود الجيش الإسرائيلي ثانية واحدة، يفرضون قيوداً مشددة بحق الفلسطينيين في كل وقت وحين، لتوفير الحماية للمستوطنين، الذين ينشرون ممارساتهم العدائية في الشوارع ضد جميع السكان.
مكتبة تحمي التاريخ
اتجهت «الإمارات اليوم» صوب حارة (القزازين)، وسط البلدة القديمة بالخليل، المكونة أزقتها الضيقة المتلاصقة من أقواس مبنية من حجارة عتيقة، يحمي تاريخها مكتبة ثقافية تتوسط المنطقة الأثرية، التي افتتحتها (عبير) داخل متجر قديم تمتلكه عائلتها، يعود عمره إلى أكثر من 100 عام.
على الفور، بادرت (العسيلي) الحاصلة على بكالوريوس في علوم الحاسوب إلى صوب موقع المحل، لتحقق حلم طفولتها، بأن تكون لها مكتبة خاصة، يغلب عليها التصميم الأثري، وكان لـ(عبير) ما سعت إليه، فتصبح مكتبتها الأولى بجوار المعالم التاريخية، والجدران العتيقة، داخل البلدة القديمة، بل باتت (العسيلي) السيدة الفلسطينية الأولى التي تدير مثل هذه المؤسسة الثقافية، في عمق البلدة التاريخية.
وبذلك، أحيت عبير عسيلي من جديد المحل التجاري العتيق داخل الخليل القديمة، فتحوّله إلى مكتبة ثقافية، يقصدها السكان لشراء الكتب، أو استعارتها، أو البقاء بداخلها ساعات عديدة، للاستمتاع بالقراءة تحت أسقف أثرية، بعد أن نفضت من داخله غبار 15 عاماً من الإغلاق القسري.
وتنوّه (عبير) المولعة بقراءة الكتب، بأنها افتتحت مكتبتها في عمق البلدة القديمة، لجعلها الواجهة الثقافية لمدينة الحرم الإبراهيمي، وعنصراً جاذباً للزوّار إليها، إذ تحتضن أركانها مئات الكتب متعددة التخصصات، أبرزها، دواوين الشعر، والاقتصاد، والقانون، وعلوم الاجتماع، وكذلك المؤلفات التاريخية، وقصص الأطفال، وأخرى باللغة الإنجليزية.
وتبيّن (العسيلي) أنها اشترت بعض هذه الكتب من داخل فلسطين، وجمهورية مصر العربية، إضافة إلى تزويدها ببعض الكتب من وزارة الثقافة الفلسطينية، مضيفة: «أنها ستوفر الكثير من الكتب التي صدرت في عشرينات القرن الماضي.
تحد وتعزيز الصمود
من داخل «مكتبة عبير الثقافية»، كما اختارت صاحبتها تسميتها بذلك، تفوح روائح عطور زكية في المكان، منبعثة من داخل محل تديره (لبنى)، المختص في إنتاج أنواع عديدة من الصابون، كمصدر دخل لها، وكأول سيدة أيضاً تفتتح مصنعاً لمثل هذه المنتجات داخل البلدة القديمة، في محاولة منها لحماية محال البلدة القديمة من الانقضاض الاستيطاني عليها.
وتقول لبنى أبوتركي لـ«الإمارات اليوم» في حوار خاص: «إن فكرة إنتاج الصابون الطبيعي ترافقني منذ ثماني سنوات، فور حصولي على دبلوم في تخصص العناية بالبشرة، تعرفت خلالها إلى المواد الفعالة التي تدخل في صناعة مساحيق التجميل».
وتواصل (أبوتركي) الحاصلة أيضاً على ماجستير أساليب تدريس في اللغة الإنجليزية، وإعلامية فلسطينية: «إنه بعد تنفيذ الكثير من المحاولات والتجارب، أتقنت إنتاج العديد من أنواع الصابون بالشكل الصحيح».
وتبيّن أنها اتجهت في عام 2018 صوب تطوير عملها، وصولاً إلى مرحلة إنتاج الصابون الطبيعي الصلب، باستخدام زيت الزيتون والزيوت النباتية الطبيعية، والأعشاب الطبية، ومستخرجات النباتات، التي تفيد في التجميل وعلاج مشكلات الشعر والبشرة، وكذلك القضاء على الأمراض الجلدية مثل: الكلف، وحب الشباب، وحروق الشمس.
وتسترسل (أبوتركي): «إن افتتاح مصنع الصابون بالنسبة لي يُعدّ تحدياً لإجراءات الاحتلال، ومشروعات الاستيطان المستمرة، وكذلك لتعزيز صمود سكان البلدة القديمة، والحفاظ على هويتها التاريخية، وتراثها العريق، وتشجيع الوفود السياحية على زيارة الخليل العتيقة، ومسجد الحرم الإبراهيمي، وتشجيع صاحبات المشروعات الريادية لإعادة افتتاح المحال المغلقة، فتعود الحياة وصور النشاط التجاري إلى القطاعين السياحي والاقتصادي من جديد».
تغوّل استيطاني
على بُعد أمتار عدة من مشروعي (العسيلي) و(أبوتركي) الاقتصاديين، الفريدين من نوعهما في بلدة الخليل العتيقة، تقع أربع بؤر استيطانية، ولكن أكثرها قرباً من (عبير) و(لبنى) «بيت رومانو»، و«الدبويا»، يخرج المستوطنون ويدخلون من أمام مصدر رزق السيدتين الفلسطينيتين.
وتقول صاحبة مصنع الصابون: «إنني أسكن في منطقة (H1) بالخليل الخاضعة لإدارة السلطة الوطنية الفلسطينية، بينما يقع مصنعي لإنتاج الصابون الطبيعي في منطقة (H2)، وهي البلدة القديمة الخاضعة لسيطرة الاحتلال، وفي ساحة البلدية المفضية إليها مباشرة، تقع بؤرة (بيت رومانو) الاستيطانية، فيما ينتشر جنود الاحتلال أمامها وفي محيطها على مدار الساعة، لتوفير الحماية الأمنية الكاملة لهذه البؤرة الاستيطانية».
وتضيف: «إنه أثناء ذلك تنصب القوات الإسرائيلية الحواجز الطيارة في تلك المنطقة، فيما يفرضون قيوداً وإجراءات تعسفية بحق حركة المواطنين، والمركبات المتنقلة، التي تخضع لتفتيش مذل، إلى جانب التدقيق ببطاقات هوية السائقين».
وتمضي (أبوتركي) بالقول: «إننا نتعرض لمضايقات من قبل المستوطنين طوال أيام أعيادهم، وكذلك خلال مسيرتهم الأسبوعية التي ينظموها في كل يوم سبت، يجوبون خلالها أحياء البلدة القديمة، والتي تشهد انتشاراً كبيراً لجنود الاحتلال، حماية لأولئك المستوطنين، ومنها حارة (القزازين)، حيث موقع مصنعي، وكذلك (مكتبة عبير الثقافية)».
• (لبنى) و(عبير) تجمعهما علاقة صداقة منذ أكثر من 20 عاماً، لتخط كل واحدة حكاية الصمود بافتتاح محلين متجاورين، داخل أزقة البلدة القديمة، محل لبيع وإنتاج الصابون الطبيعي أنشأته (أبوتركي)، ومكتبة ثقافية تديرها (عسيلي)، بجوار جارتها، داخل مكان أثري صمم على الطراز الفلسطيني القديم، في محاكاة لتاريخ الخليل العتيقة.
• تنصب القوات الإسرائيلية الحواجز الطيارة في تلك المنطقة، فيما تفرض قيوداً وإجراءات تعسفية بحق حركة المواطنين والمركبات المتنقلة التي تخضع لتفتيش مُذلّ، إلى جانب التدقيق في بطاقات هوية السائقين.