ترتبط الحروب والكوارث والأحداث الكبرى بتعبيرات جديدة لافتة تدخلها إلى حلبة الإعلام، ويظل الناس يستخدمونها بعد ذلك، وتصبح جزءاً من لغتهم اليومية والسياسية والإعلامية، ومن ذلك تعبير «سيناريو اليوم التالي للحرب»، الذي اقتحم حياتنا بقوة منذ نشوء الحرب الجارية في غزة، وأصبحت ألسنة المحللين تلوكه على مدار اليوم، بشكل ملائم أو غير ملائم في الفضائيات.
يعود مصطلح «اليوم التالي للحرب»، بحسب مصادر متطابقة، آخرها الصحافي آموز إسائيل، إلى فيلم تلفزيوني أميركي شهير خرج بهذا الاسم، من تأليف إدوار هيوم، وإخراج نيكولاس ماير، وعرض الفيلم على قناة «إيه بي سي» الأميركية في 20 نوفمبر 1983، حيث يروي قصة اندلاع حرب شرسة بين «حلف الأطلسي» و«حلف وارسو»، الذي كان لايزال قائماً في ذلك الوقت، وتم حله في الأول من يوليو 1991، وانتهت المعارك بحسب الفيلم إلى حرب نووية بين الحلفين على أرض ألمانيا، انتهت بالتهام الأخضر واليابس. ركز الفيلم على مناطق لورنس وكانساس وميسوري في الولايات المتحدة، كما شارك سكان من هذه المناطق في الفيلم في مسعى لإضفاء صيغة واقعية له. الفيلم أيضاً شاهده 100 مليون أميركي على الأقل في بثه الأول، وشاهده 40 مليون منزل طبقاً لإحصاء أجري خصيصاً لمعرفة تأثيره العائلي في المنازل، كما نجح الفيلم علاوة على انتشاره الجماهيري فنياً، ونال جوائز، منها جائزة الكتّاب الأميركيين، كما تم بثه لاحقاً في التلفزيون السوفييتي عام 1987 بعد أن اشترط منتجوه مطابقة الترجمة للمحتوى حرفياً، وعدم قرن الفيلم بأي تعليقات سوفييتية من خارجه أثناء البث، والذي تزامن، وربما لم يكن في الأمر مصادفة، مع أجواء مفاوضات الحد من الصواريخ النووية متوسطة المدى الجارية وقتها.
كذلك فإن الفيلم، الذي أصبح بفضله تعبير سيناريو «اليوم التالي» على كل لسان، كان من الأفلام القليلة التي ارتبطت بتأثير عملي بصناعة القرار، حيث شاهده الرئيس الأميركي السابق رونالد ريغان قبل شهر من عرضه التلفزيوني، وأثر الفيلم فيه، بحسب ما ذكر هو في مذكراته، وطبقاً لما ذكرت مجلة «تايم» الأميركية في 20 نوفمبر 2023، في مقال بعنوان «كيف غير التلفزيون الحرب الباردة»، بل إن الفيلم قد أوحى من شدة تأثيره بإخراج فيلم وثائقي عنه للمخرجين ديفيد كريغ وروبرت إيغر.
وهكذا لم يعد تعبير «سيناريو اليوم التالي للحرب» مجرد مصطلح يناقش فيلماً، وإنما يعبر عن حالة قلق لا تصف فظاعة الحرب الدائرة وإيذاءها للمدنيين فحسب، كما يجري اليوم في غزة، وإنما أيضاً القلق على شكل الحياة الإنسانية والطبيعية بعد أن تضع الحرب أوزارها.
• لم يعد تعبير «سيناريو اليوم التالي للحرب» مجرد مصطلح يناقش فيلماً، وإنما يعبر عن حالة قلق لا تقتصر على فظاعة الحرب الدائرة وإيذائها للمدنيين فحسب.