تنخرط الولايات المتحدة وروسيا والصين في سباق تسلح تحت الماء لتطوير أهدأ وأقوى وأسرع الغواصات في العالم، فقد أتاح تغير المناخ في القطب الشمالي وذوبان جليد البحار المحيطة بالنرويج، والتي تعتبر من الخطوط الأمامية لهذه اللعبة الدولية الممتعة؛ الفرصة لهذه الدول بإجراء تعديلات على تصميم الغواصات، مثل عزل البلاط المطاطي للصوت، أو التعديلات الطفيفة في التكتيكات مثل الاختباء بين النطاقات المختلفة للمياه، ما يُحدث فرقاً كبيراً في تصاميم هذه الغواصات.
ويقول القائد الأميركي للغواصات التابعة لحلف شمال الأطلسي (ناتو)، الأدميرال البحري بريت جرابي: «لقد جلب ذوبان الجليد الكثير من الفرص الجديدة للشحن والعبور والتنقيب عن الموارد الوطنية»، مشيراً إلى القطب الشمالي بوصفه مياهاً دولية، مضيفاً: «نحن هنا كجزء من (الناتو) للمساعدة في تأمين سلامة العبور، تماماً كما نفعل في أي مكان آخر حول العالم».
خطر الحوادث
وتمتلك روسيا 64 غواصة والصين 60، وفقاً لمبادرة التهديد النووي، على الرغم من إصرار جرابي على أن هذه الأرقام لا تقلقه نظراً لأن أسطول الناتو «الهائل» يضم ما يقرب من 100 سفينة تحت الماء. ويقول: «هذا لا يبقيني مستيقظاً في الليل. أعتقد أنه من الطبيعي أن تفعل كل دولة أفضل مما فعلت من قبل».
ومع ذلك مع اندفاع العالم نحو حرب الغواصات، يزداد خطر الحوادث، ففي عام 2000 توفي 118 غواصاً روسياً تحت السطح في القطب الشمالي إذ رفض الرئيس فلاديمير بوتين العروض الدولية للقيام بمهمة إنقاذ في أعقاب انفجار عرضي لطوربيد، وفي أعقاب كارثة الغواصة كورسك اتخذ «الكرملين» خطوات حذرة لتحسين التعاون تحت البحر، ما أدى إلى تدريبات دولية منتظمة لممارسة مهام الإنقاذ.
اليوم تظل روسيا عضواً في مكتب الاتصال الدولي للإنقاذ البحري، وهي منظمة تضم 41 دولة أنشئت في أعقاب مأساة كورسك لتنسيق مهام الإنقاذ للغواصات العالقة. ومن الناحية النظرية، يعني هذا أن «الناتو» سيكون ملزماً بإنقاذ غواصة روسية إذا طلب «الكرملين» المساعدة رغم التوترات الجيوسياسية. ومن بين السفن التي يحق لها الحصول على المساعدة الغواصة «كي 329 بيلغورود»، وهي أكبر غواصة عاملة في العالم، ومسلحة بستة طوربيدات ذات رؤوس نووية مصممة لإطلاق موجات تسونامي مشعة قادرة على غمر لندن أو نيويورك.
إنقاذ بحري
ويقول جرابي: «روسيا عضو بمكتب الاتصال الدولي للإنقاذ البحري. نحن نتقاسم الكثير من الدروس. لقد عملنا معاً في الماضي». وعندما سُئل عما إذا كان «الناتو» على استعداد لتقديم المساعدة لغواصة روسية في محنة، قال جرابي: «هذا الطلب ليس قراراً بالنسبة لي. قادتنا السياسيون هم المسؤولون عن مثل هذا الطلب، وقادرون على مساعدة أي غواصة روسية». وفي الواقع يبدو من غير المرجح أن يقبل بوتين في حالة الطوارئ عرضاً للمساعدة بسبب خطر تعريض تكنولوجيا الغواصات الروسية شديدة الحساسية لأعين الغرب المتطفلة.
ويقول رئيس نظام إنقاذ الغواصات التابع لـ«الناتو»، القائد آندي شارب: «لو كنت على متن غواصة فلن أهتم بالعلم الذي أنقذني. كل ما أريده هو أن يتم إنقاذي. أعتقد أن هذا ينطبق على أي غواصة». حوادث الغواصات على الأقل تلك التي يتم الكشف عنها للعامة شائعة إلى حد ما، ففي عام 2005 تحطمت «يو إس إس سان فرانسيسكو»، وهي غواصة هجومية نووية أميركية، في جبل تحت الماء في المحيط الهادئ، وفي عام 2009 تصادمت الغواصة البريطانية المسلحة نووياً «إتش إم إس فانغارد» والغواصة الفرنسية المسلحة نووياً «لو تريومفانت» في شمال المحيط الأطلسي. «هذه القاذفات هادئة للغاية، وهي بارعة للغاية في التخفي، ومصممة للبحث عن أهدأ جزء من المياه، بعيداً عن ممرات الشحن التي تضج بالحركة. هل من المستغرب أن تصطدم ببعضها بعضاً؟»، يتساءل شارب. «اللحظة الأكثر خطورة هي عندما تصعد إلى السطح، وتصطدم بشيء لا تعرف أنه موجود هناك».
وشملت الكوارث العسكرية المميتة اختفاء غواصة أرجنتينية في عام 2017 وعلى متنها 44 فرداً من أفراد الطاقم وانفجار غواصة إندونيسية في عام 2021، ما أسفر عن مقتل 53 شخصاً، وفي النرويج تكون تحديات الإبحار كبيرة بشكل خاص نظراً للتضاريس القاسية المتموجة تحت الماء، والتي تشبه المضايق الجبلية.
لكن دوريات الغواصات هنا لها أهمية خاصة للأمن الأوروبي نظراً لأن 30% من إمدادات الغاز في أوروبا والمملكة المتحدة متصلة بخطوط أنابيب تحت الماء في قاع بحر الشمال. ويقول القائد بالبحرية النرويجية إسبن راسموسن: «إذا حدث شيء لهذه الأنابيب فسيكون ذلك بمثابة كارثة لأوروبا». ومثلها مثل الدول القطبية الشمالية الأخرى، اشترت النرويج أربع غواصات. ونظراً لتطور الأقمار الاصطناعية الحديثة التي تسمح للجيوش المتنافسة بالتجسس على بعضها بعضاً بسهولة نسبية، فليس من المستغرب أن تستثمر في قوة التمويه في أعماق البحار. ويقول راسموسن: «لايزال الاختباء تحت الماء مكاناً جيداً للاحتماء». عن «التايمز» اللندنية
• في أعقاب انفجار عرضي لطوربيد، وفي أعقاب كارثة الغواصة كورسك، اتخذ «الكرملين» خطوات حذرة لتحسين التعاون تحت البحر، ما أدى إلى تدريبات دولية منتظمة لممارسة مهام الإنقاذ.
• شملت الكوارث العسكرية المميتة اختفاء غواصة أرجنتينية في عام 2017 وعلى متنها 44 فرداً من أفراد الطاقم، وانفجار غواصة إندونيسية في عام 2021، ما أسفر عن مقتل 53 شخصاً.
الصين تطور جهاز اكتشاف غواصات الخصم
طور علماء من جامعة شنغهاي جياو تونغ في الصين شكلاً جديداً من أشكال اكتشاف الغواصات، ما يُعد اختراقاً جديدة للمراقبة تحت الماء. وقد أظهر الجهاز إمكانية اكتشاف حتى أهدأ الغواصات، وهو إنجاز كان يُعتبر مستحيلاً في السابق. وتضمن الاختبار الأخير مروحة دوارة، وحدد الكاشف بنجاح إشارات التردد المنخفض على مسافة تقارب 12 ميلاً (20 كم).
وأوضح أستاذ في مختبر النظام الميكانيكي والاهتزازات بجامعة شنغهاي أهمية هذا التطوير وكتب: «على الرغم من أن مدى الكشف والتحديد الذي يبلغ 1.86 ميل (3 كم) يعد بالفعل اختراقاً كبيراً، فإنه لايزال أقل من تلبية متطلبات الكشف عن الأهداف وتحديد مواقعها في البحر المفتوح». وأكد أن هذه التكنولوجيا الجديدة يمكن أن توسع نطاق الكشف عن هذه الإشارات الكهرومغناطيسية إلى أكثر من 31 ميلاً (50 كم)، وهي مسافة مماثلة لمسافة الطوربيدات الحديثة.
حتى الآن كان أبعد اكتشاف للغواصات باستخدام تقنية مماثلة أكثر من 1.5 ميل (2.5 كم)، وهو إنجاز حققه أيضاً العلماء الصينيون.
تقليدياً كان اكتشاف الغواصات باستخدام الإشارات الكهرومغناطيسية يشكل تحدياً بسبب طبيعة مياه البحر، والتي تميل إلى إضعاف الموجات الكهرومغناطيسية، وعندما تقوم المراوح بقطع المجالات الكهربائية المحيطة بالسفن البحرية، فإنها تولد إشعاعات كهرومغناطيسية، لكن هذه الإشارات تكون قصيرة المدى في مياه البحر.
ولكن علماء شنغهاي اتبعوا نهجاً مختلفاً، فبدلاً من تلقي الإشارات من الماء، جمعوها من قاع البحر، وعندما تتحرك الغواصة تدور مراوحها مرة واحدة في الثانية، ما يخلق موجات كهرومغناطيسية منخفضة التردد تنتقل إلى قاع البحر وتنتشر على طول طبقات الصخور. عن «إنتريستنغ إنجنيرنغ»