لا يمكن لأحد أن يتهم الرئيس بول كاغامي، بالافتقار إلى القدرة على التحمّل أو الطموح، فقد حكم رواندا لمدة 30 عاماً تقريباً، منذ أن قاد جيشاً متمرداً أطاح بنظام الإبادة الجماعية في عام 1994، ولم يظهر أي علامة على التراجع. وقال الشهر الماضي: «إنه سيترشح لولاية رئاسية رابعة في الانتخابات المقررة العام المقبل». ويكاد يكون من المؤكد أنه سيفوز، لأن العديد من المعارضين يخشون الوقوف ضده، وبعضهم تم حبسه قبل الانتخابات السابقة.
ومع ذلك، فمن المؤكد أن جيش كاغامي في حالة تأهب، إذ تقاتل القوات الرواندية المتمردين في جمهورية إفريقيا الوسطى وتشن حرباً ضد المسلحين في موزمبيق. ويُعتقد الآن، أن هذه القوات تستعد للانتشار في بنين، على بُعد نحو 3000 كيلومتر من الوطن، لمحاربة المتمردين على أطراف منطقة الساحل.
إن عمليات نشر القوات على مسافات بعيدة في قلب استراتيجية كاغامي، لجعل رواندا مُصدراً للأمن في جميع أنحاء إفريقيا، أو «شرطي القارة الجديد»، إذا صح التعبير. فهو يملأ الفراغ الذي نشأ وسط الاضطرابات. ويُروع المسلحون الملايين في جميع أنحاء منطقة الساحل، فيما يواجه النفوذ الغربي تحدياً من قبل الصين وروسيا والوافدين الجدد، مثل مجموعة المرتزقة «فاغنر» الروسية.
والمفارقة في أن يصبح كاغامي «شرطي إفريقيا» وحكومته، هي أيضاً، واحدة من أكثر الحكومات إثارة للجدل في المنطقة. ويوثق تقرير أصدرته منظمة «هيومن رايتس ووتش»، في 10 أكتوبر الجاري، حملة الترهيب خارج الحدود الإقليمية لرواندا، والتي تشمل أكثر من 12 جريمة قتل أو اختطاف أو محاولة اختطاف وهجمات عنيفة تستهدف الروانديين الذين يعيشون في الخارج منذ عام 2017.
وقد اتُهمت الحكومة في السابق، بقتل منفيين بارزين، مثل رئيس المخابرات السابق، باتريك كاريغيا، الذي عُثر عليه مخنوقاً حتى الموت، في غرفة فندق بجنوب إفريقيا في عام 2014. وقد أدى ذلك إلى توبيخ من أميركا، ونفت الحكومة تورطها في الحادث.
ولا يشير تقرير «هيومن رايتس ووتش» إلى أن الانتهاكات واسعة النطاق مستمرة، فحسب، بل يشير إلى أنه قد يتم تسهيل ذلك من خلال نشر القوات التي يقوم بها كاغامي في الخارج. وقالت حكومة رواندا إن المنظمة الحقوقية تواصل «تقديم صورة مشوّهة لرواندا لا توجد إلا في مخيلتها»، وأضافت أنها أحرزت تقدماً في «تحسين رفاهية الناس».
تصدير الأمن
للوهلة الأولى، تبدو فكرة تصدير رواندا للأمن غريبة إلى حد ما. ويبلغ عدد سكانها 13 مليون نسمة، ويبلغ الناتج المحلي الإجمالي للشخص الواحد ما يقرب من نصف نظيره في هاييتي، ويبلغ عدد الجنود النظاميين فيها 33 ألف جندي. ولكن قواتها قوية ومدربة تدريباً جيداً، وألحقت هزائم ساحقة بالكونغو التي تبلغ مساحتها 100 ضعف مساحتها. وتُعدّ رواندا ثالث أكبر مساهم في العالم في بعثات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة.
ويوجد نحو 6000 من ذوي «الخوذات الزرقاء»، الذين ترسلهم رواندا إلى الخارج، ويدرّون على الحكومة نحو 8.5 ملايين دولار شهرياً. وقد حازوا امتنان صُنّاع السياسة الغربيين، حيث ساعدوا رواندا في الحصول على التدريب والمعدات من أعضاء حلف «الناتو»، كما يقول الدبلوماسي الأميركي السابق، بيتر فام. وعلى مدى الأعوام القليلة الماضية، كان كاغامي يقدم القوات مباشرة إلى الحكومات المحاصرة.
وفي عام 2020، أرسل ما يقرب من 1000 جندي لمحاربة المتمردين الذين يهددون رئيس جمهورية إفريقيا الوسطى، فاوستين آركانج تواديرا، حيث قاتلوا إلى جانب مرتزقة «فاغنر». وفي العام التالي، أرسلت رواندا قوات إلى موزمبيق، حيث أوقف المسلحون مشروعاً للغاز، بقيمة 20 مليار دولار، تقوده شركة النفط الفرنسية «توتال إنيرجيز». وبنين هي أحدث دولة تطلب المساعدة من كاغامي، بعد التوغلات التي قام بها المسلحون من بوركينا فاسو والنيجر.
وفي غضون ذلك، يبدو أن عمليات نشر القوات هذه تخدم هدفين رئيسين: يتمثل الأول في كسب المال والتأثير في الساحة الدولية. وقد أسهم الاتحاد الأوروبي بمبلغ 20 مليون يورو لمصلحة مهمة رواندا في موزمبيق. ولكن هذا لا يعني الكثير.
ويبدو أن المكسب الحقيقي يأتي من خلال حصول الشركات الرواندية على حقوق استخراج المعادن. واعترف كاغامي بذلك في مقابلة مع مجلة «أفريكا ريبورت»، قائلاً: «بما أن موزمبيق وجمهورية إفريقيا الوسطى ليس لديهما أموال، فقد اتفقتا على (إيجاد طريقة أخرى) لتعويض رواندا».
وقد ازداد عدد الشركات الرواندية في كلا البلدين، والعديد منها مرتبط بشركة «كريستال فنتشرز»، وهي شركة قابضة مترامية الأطراف تمثل الذراع الاستثمارية للحزب الحاكم في رواندا. ويقول ديفيد هيمبارا، وهو مستشار اقتصادي سابق للرئيس، والذي أصبح الآن من أشد المنتقدين في المنفى: «أينما ذهب الجيش، تتبعه شركة (كريستال فنتشرز)».
وتم تسجيل أكثر من 100 شركة رواندية في جمهورية إفريقيا الوسطى، وفقاً لـ«مجموعة الأزمات الدولية»، وهي مؤسسة فكرية، بارتفاع من نحو 20 شركة في عام 2019. وبحسب ما ورد في التقارير، مُنحت شركة مرتبطة بالحكومة الرواندية امتيازات لمدة 25 عاماً في أكثر من خمسة مناجم. وتعقد الشركات الرواندية المرتبطة بشركة «كريستال فنتشرز»، صفقات في موزمبيق أيضاً.
حزمة مساعدات
أما الهدف الثاني فهو دبلوماسي. وترى بعض الدول الغربية أن رواندا تشكل ثقلاً موازناً مفيداً لـ«فاغنر». وفي العام الماضي، أشرك المسؤولون الأميركيون رواندا في محادثات سرية في محاولة لإبعاد المرتزقة الروس، وفقاً لمجموعة الأزمات الدولية. وفي هذه الأثناء، يقول مراقبون إن كاغامي أنهى خلافاً دام ثلاثة عقود مع فرنسا من خلال إنقاذ موزمبيق، حيث تعمل شركة «توتال إنيرجيز». في المقابل، أعلنت فرنسا عن حزمة مساعدات بقيمة 500 مليون يورو لرواندا، سيتم صرفها على مدى أربع سنوات، بعد أن قدمت أقل من أربعة ملايين يورو حتى عام 2019.
إن نشر قوات في بنين من شأنه أن يجعل رواندا حليفاً أكثر قيمة من خلال مساعدة الغرب «في الحفاظ على نفوذه مع تقليل آثاره»، كما يقول مدير مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، وهو مركز أبحاث في واشنطن، مفيمبا ديزوليلي. ومع ذلك، فإن الجهود الدبلوماسية التي تبذلها رواندا ربما تتعرض للتقويض بسبب انتهاكاتها لحقوق الإنسان، وغيرها من أشكال التدخل في المنطقة. واتهم محققو الأمم المتحدة رواندا بدعم حركة «إم23»، وهي جماعة متمردة تعمل على زعزعة استقرار أجزاء من شرق الكونغو.
وفي 15 سبتمبر، علقت أميركا المساعدات العسكرية لرواندا بسبب هذه القضية. وفي قلب جاذبية رواندا للغرب يكمن عرضها لتحسين الأمن والاستقرار في المنطقة. وهذا يبدو صفقة غير مربحة إذا كان هذا العرض سيزرع أيضاً الفوضى والخوف.
• قوات رواندا قوية ومدرّبة تدريباً جيداً، وألحقت هزائم ساحقة بالكونغو التي تبلغ مساحتها 100 ضعف مساحة رواندا.
• نشر قوات في بنين من شأنه أن يجعل رواندا حليفاً أكثر قيمة، من خلال مساعدة الغرب في الحفاظ على نفوذه.
• تُعدّ رواندا ثالث أكبر مساهم في العالم في بعثات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة.
• 6000 جندي رواندي يعملون ضمن «الخوذات الزرقاء».
• 8.5 ملايين دولار شهرياً هي عائدات بعثات رواند لحفظ السلام.