شهد العالم الأسبوع الماضي مزيجاً من الخيال والتوقع والإثارة والفزع، حيث بدا أن مجموعة «فاغنر» الروسية تمثل تحدياً مباشراً لمؤسسة الجيش الروسي المسلح نووياً، ومع ذلك ليس من المحتمل تفكيك هذه المجموعة. وتقول واحدة من كبار علماء السياسة لدى مؤسسة البحث والتطوير الأميركية، وهي مولي دونيجان، إن من المستحيل تقريباً تصور قيام القيادة الروسية بحل كامل لأساسيات شركة مجموعة «فاغنر» وكل المشاركين فيها، فهم يمثلون أهمية كبيرة للأهداف الجغرافية الاستراتيجية والقوة الاقتصادية الكبرى لروسيا. وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين صرح يوم الاثنين الماضي بأنه سيلتزم بوعده بالسماح لجنود مجموعة «فاغنر» بالانتقال إلى بيلاروس، أو العودة لبلادهم ولعائلاتهم، أو توقيع عقود مع وزارة الدفاع الروسية.
ومجموعة «فاغنر» مجرد واحدة من الشركات العسكرية الروسية الخاصة العديدة المعروفة التي عملت ولاتزال تعمل بالخارج، لكنها فريدة في نطاقها وحجمها، وقد تردد أنها نشرت 5000 مقاتل في ذروة الحرب الأهلية السورية خلال عام 2017، و50 ألفاً في أوكرانيا مطلع العام الجاري، كما أن «فاغنر» لها نشاط في أنحاء إفريقيا والشرق الأوسط وأميركا اللاتينية، وغالباً ما تكون رأس الحربة الروسية في استعراض القوة في هذه المناطق. وبالإضافة إلى ذلك تعتبر «فاغنر» مصدر دخل كبير للكرملين، حيث إنها تمكن حكومة الكرملين من السيطرة سراً وبصورة مأمونة على مواقع التعدين واستخراج المعادن المربحة مقابل قدر كبير من الربح.
وتضيف دونيجان، مديرة برنامج الاستراتيجية والعقيدة والموارد بمركز أرويو التابع لمؤسسة البحث والتطوير الأميركية، أنه ليس من الغريب أن أسس السوق الروسية الحالية بالنسبة للقوة تشكلها الشركات الخاصة التي ظهرت في فترة ما بعد الحرب الباردة لدعم الاحتياجات الأمنية لشركات الطاقة الروسية مثل «جازبروم»، و«تاتمبفتن» و«سترويترانسجاز»، و«زاروبيزنفت»، و«روزنيفت، و«سورجوتين فتجاز».
وعلى مدار سنوات دأبت روسيا على الاستعانة بـ«فاغنر» في ظل غموض استراتيجي، فمازالت العناصر العسكرية الخاصة غير قانونية في روسيا، ما يتيح قدراً كبيراً للغاية من الغموض إزاء نية الكرملين تجاه «فاغنر». وقد فضل بوتين أن يعامل بوجه خاص يفغيني بريغوجين قائد «فاغنر» بصورة أبوية كأحد أبنائه، بينما يعامل وزارة الدفاع كالابن الآخر، ولم يرغب مطلقاً في إعلان أن أحدهما هو «الابن المفضل».
وتقول دونيجان إنها كشفت في كتابها «النصر للتأجير»، أن المرتزقة يمكن أن يدعموا فاعلية الجيش عند استخدامهم بدلاً من قوة عسكرية، ولكن في الحقيقة يمكن أن يضعفوا الجيش عندما يتم «نشرهم» إلى جانب القوات العسكرية النظامية، ومن الممكن أن تنجح عملية نشرالمرتزقة وقوات الجيش معاً، ولكن إذا تم تشكيل هيكل قيادة وتحكم واضح ومتسق ينصاع له الجميع.
وتشير دونيجان، وهي أيضاً إحدى كبار المحاضرين بمعهد السياسة والاستراتيجية التابع لجامعة كارنيجي ميلون، إلى أن بوتين عمل كل شيء عمداً لتجنب أن يكون هناك مثل هذا الهيكل الواضح والمتسق للقيادة والتحكم بين «فاغنر» والجيش، وكان يفضل بدلاً من ذلك وضع وجهي العملة الخاص والعام في مواجهة كل منهما الآخر.
ويعتبر تمرد بريغوجين بالاستعانة بـ25 ألف مقاتل روسي مستأجرين، مثالاً واضحاً تماماً على ما يحدث من خطأ عندما يتم نشر قوات خاصة وعامة في غياب وحدة هيكل القيادة. لقد كان ذلك انقلاباً أو محاولة فعلية للاستحواذ على السلطة السياسية، لقد كان التمرد لعبة قوة مسرحية من جانب بريغوجين لإظهار أهميته بالنسبة للأطراف الأخرى في دائرة بوتين الداخلية.
وحدث ذلك مع محاولة وزارة الدفاع وضع مقاتلي «فاغنر» تحت سيطرتها المباشرة بعقود فردية مع نهاية شهر يونيو، ما يمثل فعلياً تطويقاً لسيطرة بريغوجين في أوكرانيا، ويعرض للخطر مشروعات «فاغنر» العديدة والمربحة في إفريقيا والشرق الأوسط، ومناطق أخرى بجنوب العالم، وكان ذلك مثالاً على استراتيجية حافة الهاوية للوقوف في وجه تهديد طويل الأمد لأعمال «فاغنر» من جانب القيادة العسكرية الروسية.
وسيتم تقدير خطوة روسيا التالية بعناية، وربما تتضمن تغيير اسم أو وصف مجموعة «فاغنر»، وإحلال شخص آخر محل بريغوجين كقائد لها، وربما يتم سحب مقاتلي «فاغنر» من أي أراضٍ مجاورة لروسيا – بما في ذلك أوكرانيا – بسبب خطر وقوع تمرد آخر.
وأشارت دونيجان إلى أن قوات «فاغنر»، البالغ قوامها 50 ألف مقاتل، شكلت نسبة كبيرة من القوات البرية الروسية في الحرب مطلع العام الجاري، مقارنة بنحو 169 ألفاً إلى 190 ألفاً من المقاتلين الروس الذين يعملون في أوكرانيا وحولها منذ فبراير 2022. وفي ضوء أهمية أفراد «فاغنر» في العمليات الروسية بأوكرانيا واستعدادها للاستعانة بمقاتليها كوقود للمدافع في المهام الانتحارية، من الممكن أن يكون لهذا الخيار الخاص بالسحب التام لقوات «فاغنر» من أوكرانيا تداعيات كبيرة بالنسبة لقدرة روسيا على أن تخوض بفاعلية حرباً برية هناك.
واختتمت دونيجان تقريرها بالقول إنه لايزال من غير المعروف ما إذا كان بوتين سيركز أساساً على الأساليب الجوية والنووية وغيرها من الأساليب غير التقليدية في أعقاب تنفيذ مثل هذا السحب لقوات «فاغنر».
• مجموعة «فاغنر» مجرد واحدة من الشركات العسكرية الروسية الخاصة العديدة المعروفة، التي عملت ولاتزال تعمل بالخارج، لكنها فريدة في نطاقها وحجمها، وقد تردد أنها نشرت 5000 مقاتل في ذروة الحرب الأهلية السورية خلال عام 2017، و50 ألفاً في أوكرانيا مطلع العام الجاري، كما أن «فاغنر» لها نشاط في أنحاء إفريقيا، والشرق الأوسط، وأميركا اللاتينية، وغالباً ما تكون رأس الحربة الروسية في استعراض القوة في هذه المناطق.
• سيتم تقدير خطوة روسيا التالية بعناية، وربما تتضمن تغيير اسم أو وصف مجموعة «فاغنر»، وإحلال شخص آخر محل بريغوجين كقائد لها، وربما يتم سحب مقاتلي «فاغنر» من أي أراضٍ مجاورة لروسيا – بما في ذلك أوكرانيا – بسبب خطر وقوع تمرد آخر.