أكد متخصصون وقانونيون أن منح الولاية التعليمية للأم الحاضنة، ضمن تعديلات قانون الأحوال الشخصية، يخضع لضوابط وإجراءات، ولا يعني أن يكون للأم الحاضنة مطلق الحرية في اختيار مدارس باهظة التكاليف، تفوق إمكانات الأب، ويكون للقاضي المختص السلطة في حسم الخلاف بين المطلقين في حالة اعتراض الأب على ما تقرره الأم بشأن تعليم الأبناء. وحذروا من استغلال الأبناء في المشكلات الشخصية المتبادلة بين الأزواج بعد الطلاق، والتي تصل كثير منها إلى المحاكم، منبهين إلى آثارها النفسية والاجتماعية المدمرة على أبناء المطلقين. ونبهوا إلى أن واحدة من أكثر الخلافات التي تقع بين المطلقين، هي رسوم مدارس الأبناء، إذ يستغلها بعض المطلقين في الانتقام والمكايدة المتبادلة، ومن ذلك قيام بعض المطلقات باختيار مدارس أجنبية دولية برسوم باهظة لإثقال كاهل الأب، أو تعنت الأب في نقل الأبناء إلى مدارس مجانية، أو الامتناع عن منح الأم الأوراق الثبوتية لتسجيل الأبناء في المدارس، أو اختيار مدارس بعيدة عن سكن الأم، بهدف الانتقام. وشهدت أروقة المحاكم، قضايا عدة، اختلف فيها مطلقون على مدارس أبنائهم، ومدى مناسبة الرسوم التي يتم دفعها لميزانية الأب، الأمر الذي حسمته المحاكم بتقرير ما يحقق مصلحة المحضون.
من جانبه، قال أستاذ علم الاجتماع بجامعة الشارقة، الدكتور أحمد العموش: «إن بعض الأزواج، يدخلون في معارك ونزاعات متبادلة متواصلة، بعد وقوع الطلاق، وتصل إلى أروقة المحاكم، إذ يحاول كل طرف تحقيق مكاسب على حساب الطرف الآخر، من دون النظر إلى مصلحة الأبناء، الذين يكونون ضحية لهذه النزاعات». وأضاف العموش: «إن من أمثلة هذه النزاعات، الصراع على نوعية المدرسة، والتعليم الذي يجب أن يحصل عليه الأبناء، ولكل طرف وجهة نظر، ويعتقد أنها الصحيحة، وتحدث المشكلة نتيجة غياب الحوار المتبادل بين المطلقين على تطبيق الحلول المناسبة لمصلحة الأبناء».
وأوضح أن خطورة هذه المنازعات بين المطلقين تنعكس سلباً على سلوكيات الأبناء وشخصياتهم في التعامل مع الآخرين، حيث تكون تنشئتهم الاجتماعية ناقصة، وقد يعانون العزلة والمشكلات النفسية، ويظهر ذلك على طبيعة سلوكياتهم وشخصياتهم في التعامل مع الآخرين. وأكد أهمية أن يعي كل طرف من المطلقين تحقيق مصلحة أبنائهم بعيداً عن أهدافهم الشخصية، وأن يكونوا عقلانيين في أخذ قرار مشترك في ما يخص تعليم أبنائهم ومستقبلهم الدراسي، وتوفير البيئة الآمنة المشتركة التي تشعر الأبناء أن هناك أباً وأماً يتابعان مصلحتهم رغم الانفصال والطلاق.
توازن
من جانبه، قال المستشار القانوني، الدكتور يوسف الشريف: إن حق الأم الحاضنة في اتخاذ القرارات التعليمية يخضع في الإمارات لضوابط مشددة حددتها التعديلات الأخيرة في قانون الأحوال الشخصية، بهدف تحقيق التوازن بين حقوق الوالدين ومصلحة الطفل الفضلى.
وأشار إلى أن القانون منح الأم الحاضنة حق اختيار المدرسة، واتخاذ قرارات تتعلق بتعليم الطفل، على أن يتم ذلك في إطار يتناسب مع قدرة الأب المالية والتزامات الأسرة، وفي حال تجاوزت التكاليف قدرات الأب، يحق له الاعتراض أمام القضاء.
وذكر الشريف أنه عندما ينشأ نزاع حول اختيار نوع المدرسة أو تكاليف التعليم، يمكن للأب أن يلجأ إلى المحكمة إذا اعتبر أن القرار يشكل عبئاً مالياً يفوق إمكاناته، والمحكمة تقوم بدورها بمراجعة القدرة المالية للطرفين، مع إعطاء الأولوية لمصلحة الطفل الفضلى، وبناء على هذه المراجعة، قد تقرر المحكمة تعديل قرار الأم وإلزامها باختيار مدرسة تتناسب مع إمكانات الأب.
وذكر أن المحاكم شهدت، على سبيل المثال، قضايا عدة، حيث حاولت أمهات إلحاق الأطفال بمدارس دولية باهظة التكاليف، ما أثقل كاهل الآباء مالياً، وفي إحدى هذه القضايا، اعترض الأب على القرار بسبب التكاليف المرتفعة، وبعد نظر المحكمة في القضية، حكمت لمصلحة الأب، موضحة أن التكاليف غير متناسبة مع دخله، وأمرت بنقل الطفل إلى مدرسة أخرى ذات تكاليف معقولة تلبي احتياجاته التعليمية، وبالتالي، تسعى المحاكم إلى تحقيق توازن بين حق الأم الحاضنة في اتخاذ القرارات التعليمية وحق الأب في مراعاة قدراته المالية، وذلك مع الحفاظ دائماً على مصلحة الطفل كأولوية في جميع الأحكام الصادرة.
وأشار إلى أنه بموجب تعديل المادة (148) من قانون الأحوال الشخصية، فإن الولاية التعليمية على المحضون تكون بحسب الأصل للأم الحاضنة، وبما يحقق مصلحة المحضون، أي لابد أولاً أن تثبت للأم الحضانة حتى تكون لها الولاية التعليمية، وعند الخلاف على ما يحقق مصلحة المحضون يرفع الأمر لقاضي الأمور المستعجلة، ليقرر ما فيه مصلحة المحضون.
مصلحة الأبناء
من جانبه، أكد المحامي علي خضر العبادي، أن مسألة تعليم الأبناء، تُعدُّ من المسائل الخلافية الشائعة، التي تحدث بين الأزواج بعد الطلاق، وتصل إلى المحاكم للنظر فيها، بسبب انسداد قنوات التفاهم بين المطلقين على ما هو لمصلحة الأبناء.
وأشار إلى أن اللافت في هذه المنازعات، أن معظمها كيدية، يهدف من خلالها كل طرف، إلى إرهاق الطرف الآخر، ومن ذلك أن تصر الأم على إدخال أبنائها مدارس خاصة ذات مصروفات عالية، لإثقال كاهل الأب مادياً، أو أن يصر الأب على إدخال أبنائه إلى مدارس قريبة من منطقة سكنه وبعيدة عن سكن الحاضنة، أو أن يرفض تزويد الأم بالشهادات والوثائق الرسمية للطفل لإلحاقه بالتعليم أو التعنت في قيد الأبناء في المدارس وغيرها.
ولفت العبادي، إلى تعديلات قانون الأحوال الشخصية، خصوصاً تعديل نص المادة (148)، بإضافة الفقرة رقم (4) التي تعطي للأم «ولاية التعليم» على المحضون، شريطة تحقق مصلحة المحضون، وفي حال الاختلاف يتم رفع الأمر إلى قاضي الأمور المستعجلة طبقاً للفقرة الخامسة.
وأشار إلى أن المشرّع حرص على إعطاء الأم الولاية التعليمية للأبناء، من منطلق أنها الأقدر على رعايتهم، لكن لابد ألّا يكون هناك مغالاة أو سوء استخدام لهذا الحق، كأن تدخل أبناءها مدارس ذات رسوم مدرسية تفوق قدرة الأب المادية.
وأكد أن القانون دائماً مع مصلحة المحضونين، وينظر باهتمام إلى تحقيق مصلحتهم في المقام الأول، لذا يتوجب على كل زوجين حدث بينهما طلاق وانفصال، أن يتفاهما في مسألة تعليم الأبناء، ويجب عليهما تقدير ظروف ووضع الآباء المالية والالتزامات المادية في اختيار المدارس، لاسيما أن الدولة وفرت المئات من المدارس الحكومية المجانية، ذات مواصفات عالية وجودة عالمية في التعليم.