نصادف عبارة “اعمل بذكاءٍ أكبر وبجهدٍ أقل” في مختلف مجالاتنا المهنية تقريباً، وقد تُصاحبها رسوماً كرتونية تصوِّر شخصاً ينجز عمله دون عناء مستعيناً بابتكار جديد، بينما يكافح زملاؤه لإتمام المهمة ذاتها بجهد أكبر وبطرق أقل فاعلية. وربما تترافق هذه العبارة بقصة ملهمة عن رئيس تنفيذي اختار أحد المرشحين للعمل من بين آلاف المتقدمين، لكن اختياره لم يكن قائماً على حجم الجهد المبذول من قبله في أداء المهام بل على قدراته في إنجاز العمل بسرعة وكفاءة أكبر.
فعلى مر السنوات القليلة الماضية، شهدت قدرات العمالة تطورات ملحوظة أتاحت فرصة إنجاز الأعمال بطريقة أذكى وأسرع وأكثر فعالية، والفضل يعود إلى ما أحرزته تقنيات الذكاء الاصطناعي من تقدمٍ كبير. وانطلاقاً من أتمتة المهام الروتينية التي تستغرق وقتاً طويلاً مثل إدخال البيانات يدوياً، مروراً بتحليل قواعد البيانات الضخمة لتحديد توجهات السوق، وصولاً إلى إعداد التقارير المتعمقة قبيل انعقاد اجتماعات مجلس الإدارة، برهن الذكاء الاصطناعي بالدليل القاطع أنه قادر على تغيير قواعد اللعبة في أداء الأعمال بأعلى جودة وأقصر وقت. ومع ظهور الذكاء الاصطناعي التوليدي على الساحة في الوقت الراهن، تبذل المؤسسات قصارى جهودها لتمكين موظفيها بكافة الأدوات التي تفتح أمامهم آفاقاً لا حدود لها من الإنتاجية وتحفز شعلة الإبداع لديهم.
وبفضل ما تتمتع به من إمكانيات استثنائية لإنشاء محتوى جديد مثل النصوص والصور وحتى الصوت، تأتي تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي لتتيح للعاملين والموظفين في مختلف القطاعات فرصة قضاء وقت أقل في تنفيذ المهام العادية الروتينية بما يمكّنهم من تخصيص وقت أكبر لأداء المهام الاستراتيجية الأكثر أهمية بكل دقة، ويجعلهم يشعرون بمزيدٍ من الرضا عن إنجازاتهم ويعزز لديهم مشاعر الانتماء إلى بيئة عملهم. وقد أكدت نتائج دراسة أجريت مؤخراً قدرة الذكاء الاصطناعي التوليدي على رفع سوية أداء العمال من أصحاب المهارات العالية بنسبةٍ تصل إلى 40٪، مقارنة بأولئك الذين لا يستفيدون من هذه التقنيات في العمل. كما وجد بحث مماثل أجرته “جامعة ستانفورد” بالاشتراك مع “معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا” لقياس أثر أداة الذكاء الاصطناعي التوليدي على أداء العمال، أن مستويات الإنتاجية ازدادت بواقع 34٪. وهذه النتائج تفسر أسباب تسابق المؤسسات في مختلف أرجاء العالم إلى اعتماد هذه التقنيات بمثل هذه السرعة.
وعلى خُطى المؤسسات العالمية، سارعت الشركات في دولة الإمارات العربية المتحدة إلى توظيف إمكانات الذكاء الاصطناعي التوليدي بغرض تحسين عملياتها ودفع عجلة الابتكار فيها. ونجحت مؤسسة الإمارات للاتصالات “e&” بدمج تطبيق “جي بي تي” المبتكر من شركة “أوبن إيه أي” و”مايكروسوفت أزور” ضمن عملياتها لتمكين مختلف فرق العمل، بما فيهم الموارد البشرية، من قضاء وقت أقل في أداء المهام اليومية المتكررة واتخاذ قرارات أسرع وأكثر استنارة. كما أطلقت شركة “اتصالات” من “e&” مساعداً جديداً لخدمة المستهلك صُمم خصيصاً باستخدام “خدمة أزور أوبن إيه أي” (Azure OpenAI Service) ليجيب على مكالمات العملاء ويساعدهم في مهام مختلفة مثل إرشادهم إلى وجهة محددة ويشاركهم بكل ما هو جديد لاطلاعهم على آخر الأخبار. وبالمثل، اعتمد “بنك الإمارات دبي الوطني” على تطبيق الدردشة “تشات جي بي تي” والمساعد الذكي “كوبايلوت المتوافق مع حزمة مايكروسوفت 365” لتعزيز قدرة موظفيه في أقسام التسويق والشؤون القانونية والامتثال والمخاطر ومراكز الاتصال بما يساهم في تحسين الكفاءة التشغيلية وتقديم تجارب بنكية مخصصة تُرضي متطلبات العملاء وتُلبي مختلف احتياجاتهم. بدورهم، يستخدم المطورون في هيئة كهرباء ومياه دبي (ديوا) منصة “باور” من “مايكروسوفت” والمساعد الذكي “كوبايلوت” لتطوير تطبيقات ذكية تعزز من أواصر التعاون بين فرق العمل وتمكنهم من تزويد العملاء بتجارب مميزة تنال رضاهم.
وفي هذا السياق، بذلنا في “مايكروسوفت” قصارى جهودنا لنكون من الجهات السبّاقة في تمكين المؤسسات الإماراتية على اختلاف أحجامها وتخصصاتها، ومساعدتها في الاستفادة من الإمكانات التي يتيحها الذكاء الاصطناعي التوليدي لإحداث التحول الجذري المنشود ومواكبة الثورة الإنتاجية الحالية. ومن خلال تقديم “خدمة أزور أوبن إيه أي” (Azure OpenAI Service)، عبر مراكز بياناتنا السحابية المتوفرة في دولة الإمارات العربية المتحدة، نتيح للمؤسسات إمكانية الوصول إلى مجموعة رائعة من نماذج الذكاء الاصطناعي التي أثبتت نجاحها وقدرتها، بما فيها “جي بي تي-4″ (GPT-4) و”كوديكس” (Codex) و”دال-إي 2″ (DALL-E 2) بما يمكنها من تطوير تطبيقات الذكاء الاصطناعي المبتكرة مثل روبوتات الدردشة الآلية والمساعدين الافتراضيين وينعكس إيجاباً على خدمة العملاء. وعلاوة على ذلك، نضع في متناول المؤسسات الناشطة في دولة الإمارات العربية المتحدة فرصة الاستفادة من مساعدنا الذكي “كوبايلوت المتوافق مع حزمة مايكروسوفت 365” لرفع مستويات إنتاجيتها وإطلاق العنان للمواهب المبدعة في صفوف العاملين لديها، وذلك من خلال تمكين الموظفين من إكمال مهامهم اليومية على نحوٍ أكثر كفاءة دون أي تأخير. وبحسب نتائج البحث الذي أجريناه في “مايكروسوفت”، أكد 70% من مستخدمي مساعد “كوبايلوت” بأن هذه الأداة ساعدتهم في رفع مستوى إنتاجيتهم؛ في حين أشار 68% إلى الدور الذي لعبه هذا المساعد الذكي في تحسين جودة عملهم؛ بينما أشار 77% أنهم لا يرغبون في التخلي عنه بعد أن لمسوا النتائج الإيجابية بأنفسهم.
ورغم الإمكانات الهائلة التي توفرها تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي ودورها المهم في رسم ملامح مستقبل العمل، لكن لا يسعنا في الختام سوى أن نؤكد بأن التكنولوجيا لم تُوجد لتحل محل البشر بل هي موجودة لتعزز من قدراتهم ولتساعدهم في تحسين إمكانياتهم. ومن شأن استثمار نقاط القوة التي تتيحها لنا التكنولوجيا سواء في الأتمتة المتقدمة أو تحليل البيانات أو حتى إنشاء المحتوى أن يطلق العنان لإمكانات الموظفين ويحفزهم على طرح الأفكار المبدعة ويصقل مهاراتهم في التفكير النقدي وحل المشكلات، مما يمهد الطريق أمام بناء قوة عاملة أكثر إنتاجية تتوفر لديها كافة المهارات المطلوبة لقيادة مسيرة العمل في المستقبل.
* بقلم نعيم يزبك مدير عام “مايكروسوفت الإمارات”