إلى الشمال الغربي من مدينة نابلس، شمال الضفة الغربية المحتلة، يقطن 34 ألف فلسطيني، داخل بلدات «برقة»، و«بزاريا»، و«سبسطية»، و«سيلة الظهر»، الأقرب من مدينة جنين المجاورة، يحيط بهم اليوم مستوطنة «حوميش»، التي قلبت حياتهم رأساً على عقب، وحولتها إلى جحيم مستمر لا ينقطع لحظة واحدة، بعد أن عاشوا 18 عاماً حياة آمنة، تخلو من مشاهد عنف المستوطنين، وقضم أراضيهم لصالح حدود التوسعة الاستيطانية.
حكاية مستوطنة «حوميش» بدأت في عام 1982، عندما أقيمت فوق مئات الدونمات في منطقة جبل «القبيبات» داخل بلدتي برقة شمال نابلس، وسيلة الظهر جنوب جنين، فيما تجاور حدودها أراضي ومنازل سكان بلدات نابلس الأخرى.
وبعد 23 عاماً من معاناة قاسية أعدمت حياة سكان بلدات شمال نابلس، أخليت مستوطنة «حوميش» من المستوطنين في عام 2005، ضمن خطة الانسحاب الإسرائيلي أحادي الجانب من مستوطنات قطاع غزة وأربع مستوطنات شمال الضفة، ولكن رغم إخلاء الاحتلال المستوطنة وهدم مبانيها، إلا أنه منع الفلسطينيين من دخولها بحجة أنها منطقة عسكرية.
ومثل سريان الدم في الشرايين، عادت الحياة رويداً رويداً إلى بلدات شمال نابلس، التي تنفس سكانها الصعداء، بعد أن كانت منازلهم وأراضيهم فريسة بين فكي حدود «حوميش»، ليعاد افتتاح الشارع الرئيس بين نابلس وجنين من اتجاه بلدة سيلة الظهر، والذي كانت تبتلعه المستوطنة المخلاة.
إنهاء الإخلاء
سياسة الاحتلال التي تنثر حدود المستوطنات داخل كل أرض فلسطينية، لم تقبل بإخلاء «حوميش» طويلاً، لتقرر إسرائيل العودة إليها من جديد، فتقتل مشاهد الحياة التي فرح بها سكان نابلس، ففي مارس الماضي صادق الكنيست بالقراءة النهائية على إنهاء «فك الارتباط»، وتشريع العودة إلى أربع مستوطنات شمال الضفة، كانت قد أخليت في عام 2005، في مقدمتها «حوميش».
وفي يونيو الماضي، أصدر وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت قراره بعودة المستوطنين إلى «حوميش» من جديد، والذين كانت أولى خطوات عودتهم بناء مدرسة دينية داخل حدود مستوطنة «حوميش»، وذلك بحسب مسؤول ملف الاستيطان شمال الضفة الغربية غسان دغلس.
ويقول دغلس لـ«الإمارات اليوم»، في حوار خاص، «إنه في مايو الماضي شرعت آليات الاحتلال بشق الطريق المحيط بمستوطنة «حوميش» والمطل على بلدة برقة، وباشرت بتجريف أراضي جبل القبيبات».
ويضيف، «إنه عقب أعمال شق الطريق حول المستوطنة، أعاد المستوطنون البناء في موقع مستوطنة «حوميش» المخلاة، المقامة على أرض فلسطينية خاصة على الطريق الواصل بين محافظتي نابلس وجنين، وأقاموا مبنى الحجر، بحجة بناء مدرسة دينية».
ويمضي دغلس بالقول، «إنه تمهيداً لعودة المستوطنين، حولت قوات الاحتلال موقع (حوميش) إلى ثكنة عسكرية، يتواجد بداخلها عشرات الجنود طوال الوقت، والذين يمنعون في الوقت الحالي المزارعين الفلسطينيين من الوصول إلى أراضيهم المحاذية للمستوطنة القديمة الجديدة».
عنف لا ينقطع
خلال العودة إلى «حوميش»، وبناء مدرستهم الدينية، صب المستوطنون جام عنفهم ضد سكان شمال نابلس، وكان أشدها ضراوة ما شهدته بلدة برقة الأكثر قرباً من حدود المستوطنة القديمة الجديدة، إذ تعرض السكان للاعتداء المتواصل، وأصيبت منازلهم بأضرار جسيمة، نتيجة عمليات الحرق والتحطيم.
الناشط الفلسطيني في مناهضة الاستيطان، ورئيس بلدية برقة الأسبق ضرار أبوعمر، يؤكد أن عودة «حوميش» تعد كابوساً يقض مضاجع سكان برقة اليوم على مدار الوقت، خصوصاً بعد تعرضهم خلال نهاية مايو وبداية يونيو الماضيين لهجمة عنف شرسة، قادها المستوطنون، خلال أعمال بناء «حوميش» مجدداً.
وبحسب أبوعمر، فإن بلدة برقة تعد الخاسر الأكبر من إقامة «حوميش»، التي تبتلع 900 دونم من مساحة أراضيها، إلى جانب قربها من بلدات شمال نابلس الأخرى، واعتداء المستوطنين على منازل سكانها، ومنعهم من دخول أراضيهم، التي باتت داخل حدود المستوطنة.
وبالانتقال إلى بلدة سيلة الظهر التي يقطنها 800 فلسطيني، فإن حوميش نهبت 50 دونماً من أراضي سكانها، إلى جانب الأراضي المحرمة على سكانها حتى خلال إخلاء «حوميش».
ويقول رئيس بلدية سيلة الظهر عبدالفتاح أبوالعلي، «إن قوات الاحتلال بعد قرار عودة بناء (حوميش)، أغلقت بالسواتر الترابية الشارع الرئيس بين نابلس وجنين، الذي يعد الشريان الاقتصادي لسيلة الظهر، وبلدات شمال نابلس، فيما أقامت بالقرب من مدخل (حوميش) حواجز عسكرية دائمة، الأمر الذي يعطل حركة المرور في تلك المنطقة».
ويضيف، «إنه منذ بدء عودة المستوطنين إلى حوميش خلال الأسابيع الماضية، نواجه مأساة مريرة، حيث الاعتداء المتكرر على الأهالي، وأراضيهم، بحجة السكن وإقامة الصلوات التلمودية فوق جبل القبيبات، حيث تقام (حوميش)، إلى جانب عمليات إطلاق النار على الأهالي من قبل المستوطنين».
الضوء الأخضر
موجات العنف الاستيطاني الشديدة، وتمدد حدود «حوميش» تجاه المنازل والأراضي الفلسطينية، دفع سكان بلدات شمال نابلس، للتقدم بالتماسات قانونية للمحكمة العليا الإسرائيلية، ضد قرار عودة الاستيطان فوق أرضهم.
وفي الثاني من أغسطس الجاري، رفضت العليا الإسرائيلية التماسات، أصحاب الأراضي الفلسطينية، لتصادق على شرعنة بؤرة «حوميش» الاستيطانية، بل أقرت المحكمة تحويلها إلى مستوطنة رسمية، بحجة أن المدرسة الدينية التي أقامها المستوطنون في مايو الماضي، تعد أراضي دولة وفق التصنيف الإسرائيلي.
وبذلك، منحت محكمة الاحتلال إقامة مستوطنة «حوميش» الصفة القانونية، إذ لاقى قرار العليا الإسرائيلية ترحيب رئيس مجلس المستوطنات شمال الضفة «يوسي داغان»، الذي وصفه بـ«التاريخي».
وتعقيباً على ذلك، يقول مسؤول ملف الاستيطان شمال الضفة، «إن قرار محكمة الاحتلال إبقاء المستوطنة المخلاة، وإعادة البناء فيها، أعطى الضوء الأخضر للمستوطنين لتطوير البنى التحتية في حوميش وتوسعتها على حساب أراضي الفلسطينيين».
ويكمل غسان دغلس، «إنه نتيجة ذلك، عاد الخطر يقض مضاجع الفلسطينيين دون انقطاع، حيث اعتداءات المستوطنين التي تطال ممتلكاتهم من دون توقف، وكذلك عودة مسلسل مخططات التغول الاستيطاني إلى شمال نابلس.
ويحذر مسؤول ملف الاستيطان من تحويل «حوميش» إلى معسكر لجيش الاحتلال، إذ ستصبح حياة 34 ألف فلسطيني معرضة للخطر، في كل وقت وحين.
• عقب أعمال شق الطريق حول المستوطنة، أعاد المستوطنون البناء في موقع مستوطنة «حوميش» المخلاة، المقامة على أرض فلسطينية خاصة على الطريق الواصل بين محافظتي نابلس وجنين، وأقاموا مبنى الحجر، بحجة بناء مدرسة دينية.
• في يونيو الماضي، أصدر وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت قراره بعودة المستوطنين إلى «حوميش» من جديد، والذين كانت أولى خطوات عودتهم بناء مدرسة دينية داخل حدود مستوطنة «حوميش»، وذلك بحسب مسؤول ملف الاستيطان شمال الضفة الغربية غسان دغلس.