إن الحديث عن علاقة تونس بأفريقيا، هو كمن يحكي عن ذاته، فالارتباط عضوي ومظاهر الترابط متعددة، فهي جغرافية بحكم المكان وعريقة بمنطق التاريخ، وهي كذلك أخوية وفقا للروابط الاجتماعية والبشرية، وواعدة بمقاييس الاقتصاد والتنمية والشراكة المستقبلية.
قصة تونس مع أفريقيا، ذات خصوصية مميزة، وهل هنالك أكثر رمزية من أن تتسمى القارة الافريقية باسم تونس القديم «أفريكا» و«بلاد افريقية».
إن تكريس البعد الافريقي في الهوية التونسية، تعود جذوره الى الحضارة القبصية، منذ آلاف السنين، أين تشكل منطلق تدجين الإنسان للحيوانات في الرعي وتفنن في صناعة آلات الصيد، في بيئة مشابهة لغابات السفانا الافريقية.
ومثلت الرحلات الاستكشافية التي قادها الرحالة القرطاجيون «ماغون وحانون» باتجاه حوضي النيجر وخليج غينيا، الارضية الخصبة لربط صلات التواصل البشري والتجاري، والذي تعزز خلال فترة الحكم الاسلامي بتونس، حيث كانت القيروان والمهدية وتونس وقابس وبلاد الجريد، منطلقا للقوافل التجارية باتجاه بلدان جنوب الصحراء الافريقية، تصديرا واستيرادا.
كما لعب جامع القيروان وجامعة الزيتونة (أقدم جامعة في العالم) دورا رياديا في نشر تعاليم الدين الحنيف ومبادئ الفقه المالكي والطرق الصوفية مثل القادرية والشاذلية والعيساوية، واستقبلت هذه المنابر عديد الوفود الافريقية، طلبا للعلم والمعرفة.
ويكفي المرء أن يتوجه صوب بلدان جنوب الصحراء ليلاحظ ارتداء عدد من اعيانها وشعوبها للشاشية التونسية التي اصبحت مع مرور الزمن رمزا للهوية التونسية والافريقية معا.
وبدورها نهلت تونس من الحضارة الافريقية المتنوعة والثرية بعاداتها الاصيلة، هو ما زاد في تدعيم أواصر القربى والتواصل البشري بين أبناء القارة الواحدة.
لقد دفع هذا الإرث الحضاري المشترك دولة الاستقلال في تونس بقيادة الزعيم الحبيب بورقيبة الى تكريس البعد الافريقية كأولوية في سياستنا الخارجية، حيث كانت تونس سباقة لنصرة قضايا التحرر الوطني ومناهضة التمييز العنصري في القارة وتوفير الدعم المادي والديبلوماسي اللازم لها.
كما سارعت بلادنا، بحكم علاقات الاخوة والتضامن، إلى ارسال عدة بعثات انسانية لحفظ الأمن والسلم في القارة.
وكانت تونس ومازالت صوت افريقيا الحر والداعم لقضايا الشعوب الافريقية التواقة للحرية والتنمية، كيف لا وهي التي اطلقت على أول وكالة انباء رسمية لها تحت مسمى «وكالة تونس افريقيا للأنباء».
وعلى صعيد البناء المؤسساتي في القارة تصدرت تونس الجهود لبعث منظمة الوحدة الافريقية (الاتحاد الافريقي) ووكالة التعاون الثقافي (منظمة الفرنكوفونية حاليا وهي جذورها افريقية بالاساس) وانضمت لعدة منظمات فرعية ابرزها الكوميسا والبنك الافريقي للتنمية وغيرها كثير.
كما كان لها شرف احتضان اول ملتقى شبابي في افريقيا وعدة قمم افريقية وخصصت مهرجانات وملتقيات متعددة للتعريف بالرياضة والسينما والمسرح والأدب وغيرها من الفنون الافريقية.
إن شهادات التقدير والإكبار التي رددها عديد الزعماء الأفارقة أمثال «نيلسون مانديلا» و«ليوبولد سيدار سينغور» و«جمال عبدالناصر» و«كوامي نيكروما» و«أحمد سيكوتوري» و«جوليوس نيري فيليكس» و«أوفوي بوانيي» و«حماني ديوري» وغيرهم، تجاه تونس تؤكد الصورة الناصعة التي تتمتع بها بلادي ومكانتها الريادية في القارة الافريقية.
وتعتبر العديد من الاوساط، تونس بمثابة بوابة افريقيا بفضل ما تتميز به من وزن حضاري وما تكتسيه من جاذبية اقتصادية وتكنولوجية واعدة، حيث تلعب الجامعات التونسية دورا مهما في استقطاب الآلاف من الطلبة الافارقة وتعدد مؤسساتها الصحية والسياحية والاقتصادية وجهة مفضلة للاشقاء الافارقة للاستثمار والسياحة والعلاج.
كما ساهم الإطار القانوني الثري الذي يؤطر علاقات تونس مع مختلف الاقطار الافريقية والبعثات الاقتصادية المتبادلة في خلق آليات تعاون وشراكة مثمرة شملت قطاعات التجهيز والنقل والمقاولات والزراعة والكهرباء والغاز والصناعات المختلفة.
وبما ان التوجه الافريقي، يندرج ضمن قناعة تونسية راسخة، فقد عملت بلادي على تكريس هذا البعد في دستور سنة 2022 واحتضنت بنجاح فعاليات المؤتمر الثامن للشراكة بين القارة الافريقية واليابان والقمة الثامنة عشرة للفرنكوفونية بجربة، فضلا عن المشاركة المتميزة في القمة الاميركية – الافريقية وغيرها، وحرصت ضمن مختلف الاطر والملتقيات الاممية والدولية على الدفاع عن القضايا الافريقية.
ولا يفوتني في هذا الاطار التذكير بدعوة الرئيس قيس سعيد إلى تمكين القارة الافريقية من حقها في التنمية المستدامة والمشاركة على قدم المساواة مع الجميع في صنع مستقبل البشرية، في اطار مقاربة تضامنية حقيقية تكفل حقوق الانسان الافريقي وتراعي طموحاته في العيش الكريم في ربوع بلاده او تنظيم هجرته وفقا للقوانين والمعايير الانسانية والاقتصادية المطلوبة.
ولقد حذرت تونس، مرارا وتكرارا، من خطورة التغاضي عن مخاطر الهجرة غير النظامية سواء لمواطنيها او للاشقاء الافارقة، كما حذرت من تزايد انشطة عصابات الاتجار بالبشر والمنظمات الاجرامية العابرة للحدود والجماعات الارهابية، التي لا تتواني في زرع بذور الفتنة بين شعوب القارة والتشكيك في وحدة الانتماء والمصير.
تدرك تونس المعتزة بانتمائها الافريقية والعربي والمتوسطي ان رسم مستقبل القارة الافريقية يجب ان يكون من صنع ابنائها وبتعاون وتضامن فعال مع بقية التجمعات الاقليمية والدولية الأخرى.
عاشت الاخوة الافريقية.. وستظل تونس دائما وفية لمبادئها في احتضان ابنائها الافارقة ودافعة لقاطرة التنمية والتضامن في ربوع قارتنا العزيزة.
بلاغ صادر عن رئاسة الجمهورية التونسية
تعبر تونس عن استغرابها من الحملة المعروفة مصادرها والمتعلقة بالعنصرية المزعومة في تونس، وترفض هذا الاتهام للدولة التونسية وهي من مؤسسي منظمة الوحدة الافريقية التي تحولت فيما بعد إلى الاتحاد الافريقي والتي ساندت كل حركات التحرير الوطني في العالم وليس أقلها حركات التحرير الوطني في افريقيا.
ان تونس دولة افريقية بامتياز وهذا لنا شرف أثيل، والافارقة اخوتنا وكانت تونس قد دعت في السنوات القليلة الماضية إلى أن تكون افريقيا للافارقة وتصدت بكل ما أتيح لها من وسائل الى جريمة الاتجار بالبشر التي يعاني منها الاخوة الافارقة الى حد الآن والدولة التونسية لم تقبل ولن تقبل ان يكون الافارقة ضحايا هذه الظاهرة المشينة لا في تونس ولا خارجها.
وإن تونس ستبقى دولة تنتصر للمظلومين وتنتصر لضحايا اي نوع من انواع التمييز العنصري ولا تقبل ان يوجد اي ضحية لأي شكل من اشكال التمييز لا في تونس ولا في أي مكان من العالم يستهدف الذوات البشرية.
وتذكر تونس انها كانت سباقة بإصدار قانون سنة 2018 يهدف الى القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري ومظاهرة. وعلى هذا الاساس يقع التتبع على كل اعتداء مادي او معنوي على أي أجنبي مهما كانت وضعيته القانونية.
ويشهد تاريخ تونس وقوانينها وممارسات شعبها الذي دأب على مد يد المساعدة لمن لجأوا اليها ان سعينا لحماية كل المهاجرين لا يوازنه الا عزمنا على احترام قوانين البلاد حتى لا تنتشر الفوضى تفاديا لكل مكروه يمس بمواطنينا أو بأشقائنا الافارقة.
وإيمانا بعمق روابط تونس الافريقية، وبهدف تيسير الاجراءات امام الاجانب المقيمين بها وحماية لمختلف الجاليات، تقرر ما يلي:
٭ تسليم بطاقات إقامة لمدة سنة لفائدة الطلبة من البلدان الافريقية الشقيقة وذلك قصد تسهيل فترة اقامتهم بالتراب التونسي وتمكينهم من التجديد الدوري لوثائقهم في آجال مناسبة.
٭ التمديد في وصل الاقامة من ثلاثة أشهر الى ستة أشهر.
٭ تسهيل عمليات المغادرة الطوعية لمن يرغب في ذلك في إطار منظم وبالتنسيق المسبق مع السفارات والبعثات الديبلوماسية للدول الأفريقية بتونس.
٭ إعفاء الأشقاء الأفارقة من دفع خطايا التأخير المستوجبة على الوافدين الذين تجاوزوا مدة الاقامة المسموح بها، وذلك في اطار العودة الطوعية.
٭ تعزيز الاحاطة وتكثيف المساعدات الاجتماعية والصحية والنفسية اللازمة لكافة المهاجرين واللاجئين من الدول الافريقية الشقيقة وذلك عبر منظمة الهلال الأحمر التونسي ومختلف شركائها.
٭ ردع كل أنواع الاتجار بالبشر والحد من ظاهرة استغلال المهاجرين غير النظاميين من خلال تكثيف حملات الرقابة.
٭ وضع رقم اخضر على ذمة المقيمين من مختلف الدول الافريقية الشقيقة للإبلاغ عن اي تجاوز في حقهم.
ختاما، تتوجه الجمهورية التونسية بجزيل الشكر الى كافة الدول الافريقية الشقيقة والصديقة التي عززت اجراءاتها لحماية الجالية التونسية المقيمة بها، وحثت على إعلاء روح التعاون والتآزر والتآخي بين الدول الافريقية تمسكا بالتقاليد التي أرستها تونس عبر التاريخ.