يقول محلل سياسات الهجرة الأميركية، ديفيد بير، إن الجمهوريين رفضوا تمرير حزمة مساعدات إلى أوكرانيا دون ما يسمى «اتفاق الحدود»، وعلى الرغم من أن الديمقراطيين لا يتفقون على كيفية القيام بذلك، فقد اتفقوا بالفعل مع هدف الجمهوريين التقييدي من أجل تقليل عدد الأشخاص الذين يسمح لهم بدخول الولايات المتحدة، إلا أنه يمكن إرجاع كل شيء يستخدمه السياسيون الآن تقريباً لتبرير فرض قيود على الهجرة إلى السياسات التقييدية المطبقة بالفعل.
ويضيف بير، الذي يشغل منصب المدير المساعد لدراسات الهجرة في معهد «كاتو» الأميركي للأبحاث، في تحليل نشره المعهد، أنه «بعبارة أخرى يتسبب الراغبون في تقييد الهجرة في مشكلات ثم يطالبون بفرض مزيد من القيود لحل تلك المشكلات.. إنها حلقة لا نهاية لها من تكرار الخطوات نفسها».
والإجابة بسيطة للغاية وهي أن «الهجرة القانونية مستحيلة بالنسبة لهم». وقال بير، وهو خبير في الهجرة القانونية وأمن الحدود، إنه لا يوجد طريق متاح بالنسبة للأشخاص الذين يأتون عبر الحدود من المكسيك إلى الولايات المتحدة سوى طلب اللجوء على الحدود، وإذا كان إنهاء الهجرة غير الشرعية هو الهدف، فيمكن أن تسمح لهم الحكومة ببساطة بالدخول بشكل قانوني. واعتبر بير أن المهاجرين ليسوا هم المشكلة، وأن البلاد ليست «مثقلة (بالمهاجرين)»، مشيراً إلى أن السياسيين المعادين للهجرة والحواجز المستحيلة أمام الدخول القانوني تسببوا في حدوث الفوضى، وأبقوا عليها، ولكن هذا ليس هو الهدف.
مشكلة سياسية
في غضون ذلك يقول السياسيون إن البلاد «مثقلة» ولا تستطيع تحمل المزيد من المهاجرين، القانونيين أو غير ذلك، ويرى بير أن هذا «هراء». وقال الخبير الأميركي إن الولايات المتحدة لا تعاني كثافة سكانية، وقد سجل نمو السكان الأميركيين منذ بدء عشرينات القرن الحالي أدنى مستوى له، وتحتاج أميركا لأشخاص لشغل نحو تسعة ملايين وظيفة متاحة ودعم سكانها المتقاعدين الذين يتزايد عددهم. وأكد بير أن المهاجرين ليسوا هم المشكلة، وإنما المشكلة تكمن في السياسيين.
وتعلن المجتمعات الحدودية «حالة الطوارئ» لأن لديها أعداداً كبيرة من المهاجرين الذين ينامون في شوارعها، إنها مشكلة حقيقية، ولكن لماذا ينامون في شوارعها؟ لأن السياسيين يرفضون السماح لهم بالدخول بشكل قانوني ويعدون وسائل لنقلهم قبل وصولهم، لذلك عندما تطلق دوريات حرس الحدود سراحهم بشكل غير متوقع، ينامون بجانب محطات الحافلات انتظاراً لركوب الحافلة التالية التي تنقلهم خارج البلدة.
وأشار بير إلى أن المستشفيات في المناطق الحدودية الريفية تتوسل إلى الكونغرس لمنحها حزم إنقاذ، ولكن العديد من المهاجرين ينتهي بهم الحال بالحاجة إلى تلقي رعاية طبية لأن دوريات الحدود تستخدم الجدران بشكل متعمد لتوجيههم إلى العبور عبر الصحارى والأنهار، حيث يصابون بالجفاف أو يتعرضون للغرق، وقد تسبب الجدار فقط في تفاقم الفوضى، حيث سقطت أعداد قياسية من المهاجرين من فوق الجدار، ما تسبب في إصابتهم بإصابات خطيرة.
لا حاجة للقيود
وأكد بير أنه لا ينبغي إلقاء اللائمة على المهاجرين الذين يخاطرون بحياتهم من أجل الدخول إلى الولايات المتحدة، لأنهم سيكونون سعداء إذا تمكنوا من الدخول بشكل قانوني، ولكن ينبغي إلقاء اللائمة على السياسيين الذين يرغبون في دفع المهاجرين للقفز من فوق الجدران ليتمكنوا من الدخول إلى البلاد.
وفي ما يتعلق بالتشرد المتزايد للمهاجرين في مدن في مختلف أنحاء الولايات المتحدة، هل هذا يثبت بالتأكيد أننا بحاجة إلى قيود؟ على الإطلاق. هؤلاء المهاجرون يرغبون بشدة في العمل لإعالة أنفسهم، إلا أن مسؤولي إدارة الرئيس جو بايدن خائفون للغاية من السماح لهم بالقيام بذلك بشكل قانوني، لأن المزيد منهم سيأتي إلى الولايات المتحدة. وأشار بير إلى أن الطبقة السياسية الأميركية تختار خلق أزمة تشرد، تخلق بدورها المبرر لفرض مزيد من القيود على الحدود. ورأى الخبير الأميركي أن تحرير دوريات حرس السواحل سيسمح لها باستهداف المجرمين الذين يعبرون الحدود، ولكن من الواضح أن السياسيين لا يركزون على المجرمين.
إنهم يرغبون في إبعاد هؤلاء المهاجرين الذين تقوم دوريات حرس الحدود بفحصهم وإطلاق سراحهم وليس أولئك الذين يتجنبون الاعتقال. وحتى إذا لم تكن هناك حاجة إلى مزيد من القيود، هل يمكن أن تحل المشكلات؟ كلا، إنها ستؤدي إلى تفاقم الأزمة.
مُطاردات مميتة
وقال بير: «دعونا نراجع ما المطروح على الطاولة». ويرغب الجمهوريون في مجلس النواب في حظر اللجوء تماماً على الحدود الجنوبية الغربية وإعادة المزيد من الأشخاص إلى المكسيك، ولكننا عشنا تماماً مجموعة السياسات هذه بالضبط بموجب قانون الطوارئ الصحية الذي يعرف بـ«البند 42» – يوضح الخبير – والذي تم بموجبه ترحيل وإبعاد أكثر من مليوني مهاجر، وقد كانت كارثة، فقد حاول المزيد من الأشخاص الدخول، والأكثر أهمية أن المزيد من الأشخاص حاولوا التسلل والهروب من دوريات حرس الحدود، ما تسبب في تسجيل أعداد قياسية من المطاردات المميتة.
وفي ظل عدم وجود سبب لتسليم أنفسهم، حاولت أعداد قياسية من المهاجرين تجنب الاعتقال ودخلوا دون الخضوع للفحص من جانب دوريات الحدود، وهذا الوضع يتنافى مع زيادة «الأمن». كما يصر الجمهوريون في مجلسي النواب والشيوخ على حظر الطرق القانونية الوحيدة لدخول البلاد بالنسبة لهؤلاء الأشخاص من خلال تقييد سلطة الرئيس على «الإفراج المشروط» عنهم في مراكز الدخول. لقد وضع الرئيس الأميركي بالفعل سقفاً لاستخدامه لهذه السلطة عند مستوى منخفض يجعل الهجرة غير الشرعية مستمرة على أي حال، ولكن التخلص منها تماماً سيطلق العنان لفيضان من الأشخاص الذين كانوا سيدخلون البلاد «بالطريقة الصحيحة».
وحذر بير من أنه عندما يحقق الراغبون في فرض قيود على الهجرة هدفهم وتحدث كل هذه الفوضى المتوقعة، سيعودون إلى حقيبة أدواتهم بحثاً عن مزيد من القيود التي تخلق بدورها مزيداً من الفوضى، ولكن هناك طريقة أفضل وهي تقنين الهجرة. واختتم الخبير تحليله بالقول: «دعوا الناس يأتوا ويعملوا بشكل قانوني ويسهموا في نجاح هذه الدولة العظيمة، تماماً كما فعل المهاجرون قروناً عدة»، متابعاً: «لقد كانت هذه هي الحدود التي وضعها مؤسسو أميركا. لقد كانت هذه تقاليدنا في معظم تاريخنا».
لا ينبغي إلقاء اللائمة على المهاجرين لأنهم سيكونون سعداء إذا تمكنوا من الدخول بشكل قانوني.
الطبقة السياسية الأميركية تختار خلق أزمة تشرد، تخلق بدورها المبرر لفرض مزيد من القيود على الحدود.