أصبح العنف خارج نطاق السيطرة في الإكوادور، في وقت أصبحت فيه رسالة الحكومة بأنها خففت من الفوضى، موضع شك. واستند الرئيس دانييل نوبوا ووزراؤه في هذا الادعاء إلى حقيقة أن الوفيات الناجمة عن العنف انخفضت بمقدار 485 حتى الآن في عام 2024، مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي. والمشكلة هي أن عام 2023 كان العام الأكثر عنفاً في تاريخ البلاد، حيث بلغ معدل جرائم القتل غير المسبوق 40 لكل 100 ألف نسمة، ومع وقوع 2400 جريمة في ستة أشهر، يظل الأمن أولوية.
ويقول وزير الدفاع في البلاد، جيان كارلو لوفريدو: «نحن في حالة حرب، والحروب لا تدوم يوماً أو أسبوعاً»، محذراً من أنها طويلة الأمد. وبطبيعة الحال، فإن الحرب تعني ضمنياً أن أولئك الذين لا ينتمون إلى أي من الجانبين سيقعون في مرمى النيران، دون أي ضمان للسلامة حتى خلف الأبواب المغلقة. وفي الأسبوع الماضي وحده، قُتل 127 شخصاً بالرصاص، منهم 33 قتلوا في منازلهم، وتم تسجيل معظم الوفيات في المدن الساحلية في البلاد.
ويستغل القتلة النوافذ المفتوحة ويطلقون النار بشكل عشوائي. وهكذا قُتلت امرأة وابنتها البالغة 13 عاماً في الثاني من يونيو أثناء تناولهما الغداء. وقال أحد الناجين إن المسلحين أطلقوا النار دون التحقق ممن كان في الداخل. ووقعت الجريمة في حين زادت الوفيات الناجمة عن العنف بنسبة 1300%. وفي مدينة مانتا، أصيب السكان بصدمة، أخيراً، عندما شاهدوا شاباً يبلغ 17 عاماً ميتاً على الرصيف، وقد أصيب بالرصاص، بينما كان يصطحب أحد أفراد أسرته إلى المدرسة.
ووفقاً للسلطات، فإن أعمال العنف كانت شديدة في سبع من مقاطعات البلاد البالغ عددها 24 مقاطعة. ووُقع مرسوم رئاسي جديد لحالة الطوارئ في تلك المناطق، دون توضيح للاستراتيجية، باستثناء زيادة وجود الجيش والشرطة. ومانتا مدينة صغيرة على ساحل المحيط الهادئ أصبحت مركزاً للعنف، وتستخدمها العصابات الإجرامية لنقل المخدرات والأموال إلى وجهات دولية.
وأوضحت وزيرة الداخلية، مونيكا بالنثيا، في مؤتمر صحافي عقدته مع كتلة أمنية مكونة من الشرطة والقوات المسلحة وقوات الأمن، أن «السلوك الإجرامي يسعى إلى أن يكون قابلاً للتكيف وسريع الحركة، ما يجعل أنشطته الإجرامية وأشكال تمويله قابلة للاستمرار». وجاء المؤتمر الصحافي بعد ساعات من جريمة قتل ثلاثية في مانتا.
ووقع إطلاق النار هذا في الثاني من يونيو خارج سيرك، حيث اصطف مئات الأشخاص للحصول على تذاكر العرض. وكان من بينهم كريستيان نييتو، الناشط الذي يعمل لصالح المدمنين والمهمشين، والمشرّع البديل عن مونيكا سالازار، النائبة الحالية في مجلس النواب عن حزب ثورة المواطنين. وكان نييتو أحد مديري السيرك الذين كانوا في مانتا لمدة أسبوعين تقريباً.
وقام شهود بتصوير عملية إطلاق النار، ونشرت صور الفوضى والخوف الناجم عن ذلك على وسائل التواصل الاجتماعي. وقُتل نييتو وزوجته نيكول بورغوس ورجل يبلغ 24 عاماً كان يقف قربهم. وأدى حادث إطلاق النار في السيرك إلى توقيع مرسوم رئاسي جديد، يأمر هذه المرة القيادات الأمنية بالانتقال إلى مانتا. وقال الرئيس دانييل نوبوا: «سنخوض هذه الحرب وهذا الصراع المسلح الداخلي من هناك».
وحتى الآن هذا العام، تم تسجيل 150 جريمة عنف في مانتا، أي أكثر بنسبة 53% مما كانت عليه عام 2023. وفي المرسوم، أمر الرئيس المؤسسات الأمنية الأربع في البلاد بالتحرك مؤقتاً خارج المدينة. وفي الوقت نفسه، وافق الإكوادوريون على زيادة كبيرة في ضريبة القيمة المضافة لتعزيز تسليح الجيش في محاولة للحد من انعدام الأمن.
ظاهرة جديدة
ويمكن تفسير موجة العنف التي تعانيها الإكوادور، في الأيام الأخيرة، بأنها ظاهرة جديدة نسبياً في بلد كان حتى وقت قريب على هامش القضايا الخطرة المتعلقة بالإجرام في الدول المجاورة، مثل بيرو وكولومبيا، لكنّ تلك الأيام قد ولت. ففي السنوات الثلاث الماضية اندلعت أعمال شغب في السجون أسفرت عن مقتل عشرات الأشخاص، واعتداء بالمتفجرات، واحتجاز رهائن تحت تهديد السلاح على شاشات التلفزيون العام على الهواء مباشرة، وتفجير قنابل في الثكنات ومراكز الشرطة، واغتيالات انتقائية للساسة والمرشحين الرئاسيين.
لقد برزت تجارة المخدرات بهدوء كقوة موازية للدولة التي تسيطر على القضاة والجنرالات وضباط الشرطة. وقد يعتقد المرء أن انهيار المؤسسات حدث في وقت قياسي. ومع ذلك، فإن نظرة على السنوات الـ40 الماضية تُظهر أن المشكلات التي ظهرت الآن كانت تختمر منذ الثمانينات، عندما بدأ الاتجار بالمخدرات على نطاق واسع، وتم إنشاء العصابات الأولى.
ويوضح المحلل الأمني والأستاذ الجامعي في معهد الدراسات الوطنية العليا في الإكوادور، دانييل بونتون «أن اعتبار الإكوادور جزيرة السلام تسمية خطأ». وعلى النقيض من كولومبيا، لم يكن هناك مسلحون في البلاد. وسحقت الحكومة بعض المحاولات الخجولة، لكن منذ الثمانينات فصاعداً، بدأ معدل جرائم القتل في الارتفاع. ويقول بونتون، إنه في ذلك الوقت تم تسجيل وجود عصابات المخدرات المكسيكية بشكل رسمي. وتفاقمت المشكلات على الحدود، مع وجود القوات المسلحة الثورية الكولومبية (فارك)، والجماعات شبه العسكرية الكولومبية على الجانب الآخر. ولمواجهة هذه التهديدات سمحت الدولة بإنشاء قاعدة عسكرية أميركية في مانتا في الشمال.
مكافحة الفوضى
ونوبوا، رجل الأعمال الشاب الذي جاء إلى السلطة قبل نحو شهرين، يواجه الآن أكبر أزمة على الإطلاق، أزمة سببتها العصابات الإجرامية برغبتها في السيطرة على جميع أدوات الدولة. وقال رجل الأعمال خلال الحملة الانتخابية، إن لديه خطة لمكافحة الفوضى، لكن الوقت مر ولم يضعها موضع التنفيذ. وقد طلب فقط من الجيش القيام بدوريات في الشوارع، وهي الوصفة التي طبقها الرؤساء السابقون بالفعل.
وفي المقابل لا يرى مدير الشؤون العامة في شركة «إل إل سي واي» للاستشارات، أندريا سواريز، أن هذا هو الطريق إلى الأمام، قائلاً: «على الرغم من أن الناس يفهمونه كمقياس للتقدم، فإنه سيتم اختبار فاعليته من خلال عاملين رئيسين: قابلية التشغيل وتوافر الموارد»، متابعاً: «في الحالة الأولى، ستكون ديناميكيات التعاون بين القوات المسلحة واستخبارات الشرطة الوطنية ضرورية، وهذا ليس موقفاً يومياً، وسيستغرق التنسيق بين تلك الجهات بعض الوقت». عن «إل باييس»
. برزت تجارة المخدرات بهدوء كقوة تسيطر على القضاة والجنرالات وضباط الشرطة.
. كانت الإكوادور حتى وقت قريب على هامش القضايا الخطرة المتعلقة بالإجرام في الدول المجاورة، مثل بيرو وكولومبيا.
. 1300% نسبة زيادة الوفيات الناجمة عن العنف.