قال رعاة فلسطينيون في الأراضي المحتلة، إن أعمال العنف المتكررة التي دفعتهم إلى ترك منازلهم، يبدو أنها حملة متسارعة وعنيفة وفاعلة للغاية. ويطلق على المستوطنة الصغيرة المطلة على قرية عين رشاش البدوية اسم «ملائكة السلام»، لكن سليمان الظواهري، يقول إن «سكانها لم يلحقوا بعائلته والمجتمع البدوي، إلا العنف والخوف واليأس».
وهذا الأسبوع، جمع المجتمع البدوي معظم ممتلكاته وأخرج جميع النساء والأطفال وكبار السن من الحافة الجبلية، في الضفة الغربية، التي عاشوا فيها منذ ما يقرب من أربعة عقود، وجلسوا فوق نبع بجانب موقع أثري.
وقال الظواهري (52 عاماً): «لم يتركوا لنا الهواء لنتنفسه»، مشيراً إلى حملة العنف والترهيب المستمرة، منذ أشهر، والتي اشتدت في الأسبوعين الماضيين.
وأوضح «في البداية مُنع القرويون من الرعي، ثم في الربيع وصل العنف إلى منازلهم». ويقول البدوي الفلسطيني: «لقد دخلوا القرية ودمروا المنازل وحظائر الأغنام، وضربوا رجلاً يبلغ من العمر 85 عاماً، وأخافوا أطفالنا»، متابعاً: «أصبحت حياتنا غير صالحة للعيش».
ويحاول عدد قليل من الرجال البقاء وسط أنقاض المنازل وحظائر الحيوانات الفارغة والألواح الشمسية المحطمة والنوافذ المكسورة، ما يؤكد مطالبتهم الهشة بقريتهم. ولم تكن هذه مأساة فردية. والمستوطنون في «ملائكة السلام» هم جزء من مشروع سياسي واسع وعنيف وناجح للغاية، لتوسيع السيطرة الإسرائيلية على الضفة الغربية، والذي تسارع، كما يقول الناشطون، منذ هجمات السابع من أكتوبر التي شنتها «حماس» على إسرائيل.
ووراء هذا الاستيلاء على الأراضي عوامل أخرى، بما في ذلك الأغنام والماعز، التي يرعاها المستوطنون المتطرفون في بؤر استيطانية صغيرة. والاستيلاء على الأراضي من خلال بناء المنازل وإقامة مجتمعات عليها أمر بطيء ومكلف، بينما السيطرة على مساحات واسعة من التلال الجافة اللازمة لإطعام قطعان الحيوانات، من خلال تخويف وعزل الرعاة الفلسطينيين، وجلب قطعان أخرى، هي أكثر فاعلية بكثير.
وقال يهودا شاؤول، وهو ناشط بارز ومدير المركز الإسرائيلي للشؤون العامة ومؤسس منظمة «كسر الصمت»، وهي منظمة غير حكومية تكشف الانتهاكات العسكرية في الأراضي المحتلة: «كانت هذه أنجح استراتيجية للاستيلاء على الأراضي منذ عام 1967».
نهج جديد
وأضاف أنه «خلال العام الماضي وحده، قام المستوطنون بضم 110 آلاف دونم، إلى مواقع رعوية استيطانية. وتغطي كل المناطق الاستيطانية المبنية منذ عام 1967 مساحة 80 كيلومتراً مربعاً فقط».
وأشار شاؤول إلى أن هذا كان، أيضاً، أكبر نزوح للبدو الفلسطينيين منذ عام 1972، عندما تم نقل ما لا يقل عن 5000 وربما ما يصل إلى 20 ألفاً من شمال سيناء لإفساح المجال أمام المستوطنات. وقد أثنى المستوطنون وحلفاؤهم السياسيون على هذا النهج الجديد نسبياً.
وقال الأمين العام لمنظمة «أمانا» الاستيطانية، زئيف حيفر، في مؤتمر عام 2021: «أحد الإجراءات التي قمنا بتوسيعها على مر السنين هو مزارع الرعي»، متابعاً: «اليوم يغطون ما يقرب من ضعف الأراضي التي تغطيها المجتمعات المبنية. ونحن نفهم أهمية الأمر».
لقد استقر نحو 450 ألف إسرائيلي في ما يُعرف الآن بالمنطقة «ج»، في الضفة الغربية – المنطقة الخاضعة للسيطرة العسكرية والسياسية الإسرائيلية الكاملة – منذ بدء احتلال الأراضي الفلسطينية في عام 1967، بعضهم لأسباب دينية أو قومية، والبعض الآخر لأسباب اقتصادية، وكلفة المعيشة.
وينظر معظم المجتمع الدولي إلى وجودهم على أنه عقبة رئيسة أمام السلام الدائم، ولكن حتى وقت قريب كان معظم التركيز ينصب على المجتمعات السكنية بدلاً من البؤر الاستيطانية الرعوية.
وفي سبتمبر، حذرت منظمة الأمم المتحدة من تصاعد عنف المستوطنين الذي يستهدف الرعاة الفلسطينيين ويطردهم من منازلهم وأراضيهم. وقال مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للمنظمة، إن «ما مجموعه 1105 أشخاص من 28 تجمعاً – نحو 12% من السكان – نزحوا من أماكن إقامتهم منذ عام 2022»، مشيرين إلى عنف المستوطنين ومنع الرعاة من الوصول إلى أراضي الرعي كسبب رئيس.
والآن، ومع استعداد الجيش الإسرائيلي لغزو بري لغزة، وقلق الدبلوماسيين بشأن إنقاذ الرهائن في القطاع وتجنب الحرب الإقليمية، ومزاج الغضب داخل إسرائيل بعد هجمات السابع من أكتوبر التي راح ضحيتها 1400 شخص، لم يعد هناك تركيز يذكر على الضفة الغربية.
مثال صارخ
زارت صحيفة «الغارديان» قريتين مهجورتين في أقل من أسبوع، وهما: عين رشاش ووادي السيق، وثالثة حيث كانت بعض العائلات تناقش المغادرة. وقال شاؤول: «كان هذا بالفعل أكبر نزوح شهدناه منذ السبعينات»، موضحاً: «الآن رأيتم قريتين تم تهجيرهما في أسبوع واحد. وهذا مثال صارخ».
وقالت علياء مليحات (27 عاماً): «إن المستوطنين الرعاة الذين يعيشون بالقرب من قرية المعرجات، بدأوا بإيقاف الفلسطينيين وطلب بطاقات هويتهم وإخبارهم بأن أمامهم 24 ساعة لمغادرة منازلهم». وتابعت: «إنهم منعوا الناس من مغادرة القرية، وأخرجوهم من سياراتهم، وتنقلوا بين المنازل. وكانوا جميعاً يحملون بنادق هجومية، وأحياناً يطلقون النار في الهواء». وأضافت الفلسطينية: «منذ بداية الحرب في غزة، لا يستطيع أحد الذهاب إلى أي مكان»، متابعة: «إنها عملية بطيئة من تعميق الخوف، لا يوجد مخرج، لأن الحرب قيدت حياتنا».
الرحلات الوحيدة خارج مجتمعها، الآن، كانت رحلات في اتجاه واحد. وفي ذلك تقول مليحات: «لقد غادر رجل بالفعل مع زوجته وأطفاله، وإن خمس عائلات أخرى تفكر في المغادرة».
ولم تتم محاكمة أي شخص بسبب هذا الهجوم، على قرية المعرجات، ويقول الناشطون الإسرائيليون والفلسطينيون: «إنهم لا يثقون كثيراً بالسلطات الإسرائيلية في الضفة الغربية». وقالت الأمم المتحدة: «إنه في أربعة من أصل خمسة مجتمعات، قدم السكان شكاوى حول عنف المستوطنين، لكن 6% فقط تمت متابعتها».
وبالنسبة للعديد من المجتمعات الفلسطينية، يمثل النزوح حملة أخرى تقودها الدولة الإسرائيلية ومواطنيها. وأجبرت عائلة سليمان الظواهري، على الخروج من منطقة النقب عام 1948، وتنقلت سنوات عدة قبل أن تستقر في منازلها الحالية.
• %6 من شكاوى العنف ضد الفلسطينيين تمت متابعتها.
• 1105 فلسطينيين في الضفة الغربية، غادروا منازلهم بسبب عنف المستوطنين في 2022.
• استقر نحو 450 ألف إسرائيلي في ما يعرف الآن بالمنطقة «ج»، في الضفة الغربية، منذ بدء احتلال الأراضي الفلسطينية في عام 1967.
• مع استعداد الجيش الإسرائيلي لغزو بري لغزة، ومزاج الغضب الوطني، بعد السابع من أكتوبر، لم يُعدّ هناك تركيز يذكر على الضفة الغربية.