ندى أبونصر
في السابق كانت للصور بهجة أكبر وتسجيل لذكريات أجمل للحظات تبقى محفورة في ذاكرة العقل، والآن اصبحت سريعة خاطفة ومنسية، في البوم الصور وعبر العالم الافتراضي، فصحيح أن التكنولوجيا وسيلة قوية وحسية، تسمح لجميع الناس بتغيير أوضاعهم وتقدم بدائل عديدة ومختلفة عن التجارب التي اعتاد عليها البشر، لكنها في ذات الوقت أصبحت مرعبة بسبب تجاوزها لحدود الحرية الشخصية ونشر ما يحدث عبر وسائل التواصل الاجتماعي لتعم الواقع الافتراضي، فتعزز المخاوف من أن يفقد الواقع الحقيقي معناه ويجرد الانسان من عواطفه ومشاعره، حيث أصبح الواقع الافتراضي أكثر من أداة بسيطة تستعمل باستبداله بأدوات أخرى. فالتكنولوجيا لم تعد فقط وسيلة لكي نودع الملل والمشاكل والإحباط والخيبة ومختلف الهموم اليومية ببعض التسلية او توثيق بعض الاحداث المهمة، بل أصبحت جزءا من واقع الحياة، مرادفا للمظاهر السلبية، وتحول الواقع الافتراضي إلى أداة تضمن السعادة والمتعة والاكتشاف ولا تترك لنا أي وقت فراغ أو مجال للتفكير في ان نعيش لحظة الفرح والسعادة وفي ان نحترم خصوصية بعض المناسبات ذات الطابع الخاص كالحزن عند الموت والمرض ومشاعر وآلام الآخرين. ولأخذ آراء المواطنين حول تأثير «السوشيال ميديا» وتصرفات البعض في المناسبات الخاصة، وتأثير ذلك على الحياة العامة والناس، قامت «الأنباء» بجولة، حيث عبر عدد من المتحدثين عن أهمية أن تكون هناك ضوابط وحدود على استخدام وسائل التواصل، حتى لا تنعكس بشكل سلبي على حياتهم وتجردهم من عيش اللحظات الجميلة التي يمرون بها واحترام الخصوصية، وأيضا تقدير مشاعر الناس ولحظات الحزن والمواقف المؤلمة عندهم من جهة أخرى. وفيما يلي التفاصيل:
في البداية تحدثت هنادي ملا يوسف لـ «الأنباء» قائلة: ليس خطأ أن تكون لدى الانسان هواية التصوير أو أن يشارك الآخرين بعض اللحظات الجميلة ويقوم بتوثيقها، وهذا الشيء موجود حتى من قبل من خلال أخذ الصور والاحتفاظ بالألبوم الخاص الذي نوثق فيه ذكرياتنا وهذا جميل، ولكن «السوشيال ميديا» سهلت الموضوع وجعلت انتشاره يتم بشكل أكبر وأسرع. وأضافت هنادي: بالنسبة للإنسان يحب ان يتشارك مع غيره لحظات الفرح وهذا شيء طبيعي، ولكن من المهم ان يكون ذلك بطريقة معقولة وغير مبالغ فيها وان يستمتع الانسان بلحظة الفرح، مؤكدة أنها توثق بعض اللحظات الجميلة بطريقة معقولة وغير مبتذلة. وبالنسبة للحظات الحزن، قالت هنادي: يجب ان نحترم خصوصية الناس وأن نقدر مصابهم الاليم، وألا ننشر الصور التي تعكس الحالة التي يكونون بها، وللأسف بعض الناس أصبحوا يستخدمون الصور وسيلة للتعاطف من خلال نشر معاناة وآلام الآخرين من دون أي تقدير لمشاعرهم.
احترام الآخرين
بدوره، قال سالم عبدالله ان «السوشيال ميديا» حلوة إذا تم استخدام وسائلها بالطرق الايجابية وتوثيق اللحظات الجميلة، ولكن ليس بالطريقة المبتذلة والمبالغ فيها، فجميل ان نلتقط الصور ونوثقها في لحظات الفرح او السفر او الاجتماعات مع الاصدقاء، ولكن شريطة ألا تكون بطريقة تنسينا ان نعيش اللحظات الجميلة معهم وأن تفقدنا اللحظات التي لن تتكرر ثانية. وأضاف سالم: للأسف، هذا الجيل مشغول جدا بـ«السوشيال ميديا»، والكثيرون لا يستمتعون بالوقت الجميل وهذا يؤثر عليهم بشكل سلبي، أما بالنسبة للحظات الحزن فيجب ان نحترم خصوصية الناس مهما كانت علاقتنا بهم، وان نكون موجودين لدعم الأشخاص في أحزانهم ومصابهم والوقوف معهم ومراعاة مشاعرهم، وليس فقط لكي نصور ونشارك الصور بتجرد من العواطف أو الاحساس بالغير.
حرمة الحزن
بدورها، قالت خولة الرباح: ان «السوشال ميديا» سلاح ذو حدين لها الجانب الايجابي الذي يخدم الناس ولها الجانب السلبي، إذ نلاحظ أن الخصوصية قد ماتت، وللأسف ان بعضهن حتى في حالات الحزن أصبحن يصورن من دون أي مراعاة لحرمة الحزن وأصبح كل شيء متاحا والناس تصور وتوثق كل شيء سواء كان مهما او غير مهم حيث يتم استهلاك الناس بكثرة الصور.
وللأسف، بعضهن يقمن بتصوير الطعام الذي يقمن بتجهيزه أو تناوله وكذلك أطفالهن من دون أي مراعاة لمشاعر الآخرين، ونسين أيضا ان هناك العين والحسد، كما أن هناك العديد من الناس ممن ليست لديهم القدرة على شراء هذه الأشياء، ولهذا يجب أخذ هذا الشيء بالحسبان والتصوير بحدود المعقول ومن دون المبالغة، وكم نتمنى الاستمتاع باللحظات مع من نحب من أولادنا وعائلاتنا وتكون الصور محدودة وفقط لتسجيل الذكريات الحلوة. وأضافت خولة: في القديم كان كل شيء اجمل، وكنا نلتقط الصور الجميلة من دون أي مبالغة، وكان للوقت الجميل ثمنه وخصوصيته، وحتى الصور يتم تداولها ضمن العائلة والأصدقاء المقربين وحسب المناسبة التي تم التقاطها بها.
قتل الخصوصية
من جانبه، قال ابوعبدالله لـ «الأنباء»: ان «السوشيال ميديا» قتلت خصوصية الكثير من المناسبات والأحداث بشكل كبير، وللأسف، كل شيء اصبح متاحا، التصوير من الجميع وبشكل مبالغ فيه سواء في حالات الفرح أوالحزن، وأصبح ذلك أشبه بالمرض وحب الشهرة، ولا مانع من التقاط بعض الصور ومشاركة المقربين فيها، لكن ألا يكون ذلك بشكل مبالغ به أو مبتذل، ففي الفرح يجب ان نعيش اللحظة الجميلة ونشارك المقربين فرحتهم ونفرح معهم، وفي الحزن أيضا يجب أن نحترم خصوصية الناس وحرمة الحزن وأهل الفقيد أو المصاب بحادث ما أو المريض، وان يكون تواجدنا للدعم المعنوي والوقوف بجانب المحزون، وليس للتصوير والمشاركة من دون أي مراعاة للمشاعر، وعلينا أن نعرف شعور الناس الذين يتم نشر صورهم أو صور ذويهم عبر وسائل التواصل حتى وإن كانت بحسن نية أو بهدف التعاطف، فهذا لا يجوز إطلاقا وعلينا احترام خصوصية الناس في جميع الحالات والظروف مهما كانت علاقتنا بهم.
انتهاك الحريات
كذلك تحدثت زينب سعود قائلة: ان «السوشيال ميديا» اخترقت الخصوصيات وحياة الناس وانتهكت الحريات، وحرمتنا من حقيقة احترام مشاعر الحزن عند الآخرين، أو مشاركة المقربين لحظات الفرح والسعادة.
وأضافت زينب: أنا ضد ان تدخل «السوشيال ميديا» في حياتنا لهذه الدرجة وبهذه الصورة المبالغ بها في التصوير والنشر على الحسابات والمواقع، وبشكل قتل المشاعر من خلال حب الظهور واكتساب الشهرة فقط، فأصبح التصوير في الفرح والحزن بطريقة مبتذلة وأسوأ شيء خلال لحظات الحزن او المرض أو وقوع الحوادث ووجود مصابين، ونستغرب كيف أعطى الشخص لنفسه الحق في انتهاك خصوصية شخص آخر لكي يصوره من دون أي مراعاة للحالة التي يمر بها.
وتابعت: ان التطور التكنولوجي المتسارع وانتشار وسائل «السوشيال ميديا» لها جوانب كثيرة إيجابية وسلبية أيضا، ولكن الملاحظ وللأسف، أنها أصبحت تستخدم بشكل سلبي وبشكل غير منظم وبطريقة سطحية فقط للظهور والحصول على أعداد إضافية من المتابعين بغض النظر عن طبيعة المحتوى وتقدير مشاعر الناس فيه.