- د.أسامة الشاذلي: الرواية التاريخية أصبح لها جمهور كبير والكثير من القراء يهتمون بها
- بدأت في الكتابة في أعقاب الربيع العربي لأني رأيت في هذه الفترة تغيرات كبيرة مدعاة للقلق
دارين العلي
في أمسية ثقافية تميزت بالإبحار نحو الخيال، والأدب المرتبط بالواقع والتاريخ، استضاف نادي «بيجونفيليا الأدبي للقراءة» الروائي د.أسامة الشاذلي في قاعة الدائرة المستديرة بمركز الشيخ جابر الأحمد الثقافي، لمناقشة روايته «أوراق شمعون المصري»، بإدارة الشيخة أفراح الصباح.
وبحضور السفير المصري لدى البلاد أسامة شلتوت والملحق الثقافي محمد عبدالنبي وعدد من الأدباء والمثقفين والشخصيات المعنية، تحدث الشاذلي عن تفاصيل روايته التي ستتحول إلى مسلسل تاريخي بطله «شمعون المصري» الذي حكم عليه بالتيه الجماعي لكنه أدرك الخلاص الفردي. وقد بدأ الحوار بمقدمة لمؤسِّسة نادي «بيجونفيليا الأدبي للقراءة» الشيخة أفراح الصباح استشهدت فيها بقول الكاتب والأديب اللبناني مارون عبود «إن المفكرين الحقيقيين قليلون في هذا الورى، والمشككين الحقيقيين أقل منهم، أما المطمئنون إلى كل شيء فملء الأرض. وأفتك أوبئة الإنسانية ذلك الاطمئنان الداخلي.. مرض الدهماء الذين يعومون في زبد أنفسهم، ولا يغوصون في لجتها، تلهيهم ثرثرة الساقية عن صمت النهر الهادئ حيث الحيتان الضخمة التي تبتلع حوت يونان».
وقد عرفت الصباح بالضيف الروائي د.أسامة الشاذلي كأحد رواد تخصص جراحات القدم والكاحل في مصر والوطن العربي، وأستاذ زائر بجامعة برشلونة. صدرت له روايات ثلاث هي رواية «أوراق شمعون المصري» التي اشترت حقوقها مجموعة MBC ليتم تحويلها إلى مسلسل تاريخي، ورواية «عهد دميانة»، والتي اشترتها الشركة المتحدة للإنتاج الإعلامي ليتم تحويلها إلى مسلسل درامــي، والأخيــرة «رحلة يأجوج ومأجوج». وأضافت ان الروائـي وبحكم تخصصه العلمي «يشــرح الأدب، ويجبر النصوص، ويخترق بمشرطه تفاصيل التاريخ، يصحح تشوهات الحكاية، ويعزف بأوتار نسيجه من رومانسية فارهة وعمق شهي».
625 صفحة وسبع سنوات
من جانبه، رحب د.أسامة الشاذلي بالحضور، معربا عن سعادته لوجوده في الكويت، البلد الذي يزوره لأول مرة، مثمنا أن تكون زيارته من خلال هذا المركز الثقافي والحضاري «مركز الشيخ جابر الأحمد الثقافي»، معربا عن امتنانه للدعوة الكريمة من الشيخة أفراح الصباح، عبر نادي «بيجونفيليا الأدبي للقراءة».
وشرح الشاذلي التفاصيل التي أدت إلى كتابة روايته «أوراق شمعون المصري» التي تتألف من 625 صفحة واستغرقت 7 سنوات للانتهاء منها، لافتا إلى أنه بدأ بنشرها من خلال حلقات متسلسلة في وسائل التواصل الاجتماعي، وكان يصدر حلقة كل أسبوعين، حيث كانت الحلقة الاولى في يناير عام 2014، لكنه توقف عن نشرها بعد الفصل الثاني حتى لا تتعرض للقرصنة، وتفرغ لكتابة الرواية كاملة والتي خرجت عبر أربعة أجزاء.
وعن شخصية «شمعون المصري»، قال «هي شخصية متخيلة، وليست حقيقية ابتدعتها لكي أسطر تاريخ هذه الحقبة بكل ما فيها، ولكي أضع على لسانها آرائي وأفكاري، موضحا ان البحث ما وراء الرواية ليس فقط مرتبطا بالفترة التي تمت فيها الكتابة»، لافتا إلى اهتمامه عموما بتاريخ اليهود والذي يعود لسنوات طويلة جدا، خصوصا فكرة مقاربة هذا التاريخ المقدس أو التاريخ النصي بالتاريخ المكتوب.
الربيع العربي
وذكر الشاذلي أنه بدأ بكتابة الرواية في أعقاب فترة الربيع العربي حيث شهدت تلك الفترة تغيرات كبيرة جدا تحدث في المجتمع ومنها بناء أنظمة جديدة، وخرجت التساؤلات المرعبة حول إمكانية الدخول في حالة من التيه والانفلات المجتمعي على كل الأصعدة، لافتا إلى أن أساس الرواية يتحدث عن فكرة التيه المجتمعي الذي حكم على اليهود به وتلك الحقبة التاريخية، مشيرا إلى انه اعتمد المقارنة بين التاريخ والنصوص في تجربة تحمل في طياتها أيضا أبحاثا وجهدا بحثيا خاصا، مستعينا برواد المقاربة بين النص المقدس والنص التاريخي.
نقاش ثري
وتتالت الأسئلة التي أبحرت في تفاصيل دقيقة تناولتها الرواية والتي طرحتها الشيخة أفراح الصباح، واستمرت على مدى ساعتين تقريبا، حيث اعتبرت الصباح أن رواية «أوراق شمعون المصري» هي إجابات لأسئلة كثيرة، حول اليهود خلال 40 عاما من التيه، وما هو نتاجهم وكيف كانت يومياتهم، متسائلة عن مدى جدوى تحويل الفكرة التاريخية لعمل روائي.
وفي هذا الصدد، أكد الشاذلي أن الرواية حاليا هي مصدر مهم جدا لثقافة قطاع كبير من الناس، ربما لم يصل فن من فنون الأدب إلى هذه المكانة كما وصلت الرواية في وقتنا الحالي، في ظل الإقبال الكبير عليها من قبل القراء الشباب حيث أصبحت الروايات مصدرا للثقافة لديهم، ومصدرا للمعلومة في بعض الأحيان، واصفا هذا الأمر بالخطير، خصوصا إن لم يكن الكاتب أمينا بما يكفي في نقل المعلومة، مؤكدا أن الكثير يستسهل قراءة الرواية على قراءة الكتب التاريخية.
وأضاف الشاذلي «الرواية التي تحمل الصبغة التاريخية هي واحدة من فنون الرواية، وتتميز بالصعوبة إلى حد ما، خصوصا إذا أراد الكاتب أن يدمج ما بين الخيال، وهو العمود الفقري لأي رواية، وبين الواقع في حقبة تاريخية معينة، مؤكدا أن الرواية التاريخية أصبح لها جمهور كبير في الفترة الأخيرة، والكثير من القراء يهتمون بها.
من هو «شمعون المصري»
وسرد الشاذلي نبذة عن الرواية وهي تتحدث عن فترة التيه، أو خروج «بني إسرائيل» كحدث تاريخي، مقدمة بعض الأفكار الفلسفية، والأفكار التي تسقط على الواقع، فهي مرتبطة بواقعنا الحالي، لافتا إلى أنها تناولت بعض الأفكار المتداولة فيما يتعلق بالأرض المقدسة، وتعريفها، وأحقية الوعد الإبراهيمي، وقضايا كثيرة شائكة نعيشها حتى الآن.
وأوضح أن الرواية «تدور حول شاب اسمه شمعون ولد لأب عبراني وأم مصرية، والأم المصرية كانت سببا في أن ينعت هذا الولد طوال الرواية باسم شمعون المصري، ولم يكن هذا الوصف (شمعون المصري) بالنسبة لهذا الولد مدعاة للفخر، بل يوضح نظرة الآخر لمن يختلف عنه، فظل الاسم شمعون المصري ملاصقا له طوال الوقت، ولكن سنجد مع تطور الأحداث وخروج هذا الولد مع قوم موسى وعبور البحر، ومعاناتهم خلال فترة التيه في صحراء سيناء، سنجد كيف أن شمعون المصري، وبالمخزون الذي استقاه من والدته المصرية، تمكن من أن يتغير في تقبل الآخر، وفهم الآخر، والتفكر الدائم، والنقد البناء».
وتابع «بدأ هذا الشاب بعد صدور الحكم بالتيه، التجول منفردا وبدأ رحلة خاصة به، حتى قابل قبيلة من بني إسماعيل، وعاش معهم، فوجد الشيخ «عابر» الذي أخذ بيده من فكرة التيه إلى فكرة اليقين، وغير له أفكارا كثيرة جدا، كانت مختزنة في عقله».
المحفز واللغة
وعن المحفز الذي دفعه لكتابة هذه الرواية، لفت إلى انه كانت في فترة الربيع العربي، وهي فترة كانت صادمة، ومغيرة لكثير من الأفكار، وفي ظل الأحداث المتلاحقة والسريعة وغير المتوقعة النتائج والتي كانت مدعاة للتفكير، وتترك المرء في حالة من القلق، لافتا الى أن فكرة التيه هي المحفز الأساسي لكتابة رواية أوراق شمعون المصري.
وحول زيارة الأماكن التي ذكرت في الرواية، أكد الشاذلي زيارته للكثير من الاماكن التي تدور فيها أحداث الرواية، حيث يفضل معايشة المكان، لكي يتخيل الأحداث ويسقطها على الرواية، وقد زار أغلب الأماكن التي دارت فيها الرحلة سواء في سيناء او في الأردن ومنها جبل نيبو.
وحول اختيار اللغة التي كتبت بها الرواية، قال الشاذلي إنه كان لا بد من اختيار لغة قوية وغير ركيكة، لافتا إلى ان بعض الأشعار الموجودة في الرواية من تأليفه وبعضها مترجم، مشيرا إلى ان الشيخ «عابر» في حياته هو والده الذي كان استاذا في «الأزهر» واستفاد من مخزونه الثقافي فأخذ بيده نحو الثقافة والأدب.