بينما يواصل تنظيم الشباب الإرهابي تهديده لدولة الصومال، تستمر الولايات المتحدة في التحرك لمكافحة هذا التنظيم. وأعلنت الإدارة الأميركية في فبراير الماضي، عن خططها لبناء خمس قواعد عسكرية جديدة للواء «الدنب» الصومالي، وهو عبارة عن وحدة للعمليات الخاصة تتألف من 3000 جندي مدربين ومجهزين من قِبل مدربين أميركيين، لمحاربة تنظيم الشباب الإرهابية.
ولكن استمرار الولايات المتحدة في التركيز على الأمن على حساب الديمقراطية في التعامل مع الدول الإفريقية، لم يؤد إلى جعل القارة الإفريقية أكثر أماناً. وتبدو البيانات واضحة في هذا المجال، إذ شهدت إفريقيا ارتفاعاً قدره 20% في الوفيات الناجمة عن عنف المتطرفين (مع وقوع 83% من تلك الوفيات في منطقة الساحل والصومال)، إلى جانب ستة انقلابات منذ عام 2021.
وترتبط هذه القضايا ارتباطاً وثيقاً بالسياسة الأميركية. وكانت الجهود التي بذلها صناع السياسات الأميركيون لمحاربة الجماعات المتطرفة عن طريق المساعدة العسكرية الإقليمية، سبباً في تحفيز الانقلابات العسكرية عن غير قصد. وبدلاً من ذلك، يتعين على الولايات المتحدة تغيير تركيزها على المساعدات العسكرية وتوجهها نحو الدبلوماسية والديمقراطية، لمكافحة نفوذ هذه الجماعات بشكل فعال.
تعزيز قوة الجيش
ولا تأتي العلاقة بين الانقلاب والتدريب مصادفة، فقد قال الباحثان الأيرلندي جيسي ديليون سافاج، والكندي جوناثان كيفرلي خلال مناقشة بحث كتباه: «يمكن أن يؤدي التدريب العسكري الأميركي إلى مزيد من محاولات الانقلاب المدعومة عسكرياً
في الدول التي لديها عدد قليل من المؤسسات المدنية المتوازنة». ووفق ما قاله الباحثان، فإن «الهوية المهنية» للجيش تمنح الجنود الإحساس بالانفصال والفوقية في ما يتعلق بحكومتهم، الأمر الذي قد يؤدي إلى «إغراء التدخل في الشؤون السياسية».
ويبدو تسلسل أحداث هذه الانقلابات واضحاً، إذ تقدم الولايات المتحدة المساعدة لجيش دولة تواجه تمرداً، فيتحول هذا الجيش ضد الحكومة المدنية تحت اسم محاربة التمرد. وادعت القيادة العسكرية في بوركينا فاسو، أن الحكومة المدنية فشلت في التعامل مع عنف المتمردين. وفي الوقت نفسه، لايزال المدنيون يعانون تحت حكم الأنظمة القمعية، ويواجهون عنف المتمردين والجنود على حد سواء.
المساعدة الأمنية ليست جديدة
وعلى الرغم من حالات الفشل هذه، تواصل إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، السياسة ذاتها في الصومال. وفي الحقيقة فإن تقديم المساعدة الأمنية للصومال ليست سياسة جديدة، إذ إن الولايات المتحدة قدمت مساعدات بقيمة 500 مليون دولار للجيش الصومالي ما بين 2010 و2020، إضافة إلى 2.5 مليار دولار أرسلتها واشنطن لمهمات مختلفة قام بها الاتحاد الإفريقي في الصومال. وعلى الرغم من أن الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، سحب جميع الجنود الأميركيين البالغ عددهم 700 جندي من الصومال في عام 2020، فإن بايدن ألغى هذا القرار وأعاد إرسال نحو 450 جندياً أميركياً إلى الصومال.
ولكن كل هذه المساعدات لم تؤد إلى هزيمة تنظيم الشباب الإرهابي. وعلى الرغم من أن الهجوم الأخير الذي شنه الجيش الوطني الصومالي، إضافة إلى هجوم بطائرات من دون طيار شنته الولايات المتحدة وتركيا قد نجح في استعادة بلدات وقرى في منطقتي هيرشابل وغالمدغ في وسط الصومال، فإن هذا التنظيم الإرهابي يحصل على 100 مليون دولار من الإيرادات السنوية عن طريق ابتزاز المدنيين الصوماليين بالضرائب، وترهيب الشركات المحلية في مقديشو من خلال الهجمات بالعبوات الناسفة.
حكم المؤسسات
ويرتبط نجاح «الشباب» على نحو مباشر بانعدام فاعلية حكم المؤسسات الصومالية. وبالطبع، فإن سيادة القانون غير موجودة تقريباً. وبالنظر إلى ضعف الحكومة الصومالية، يسمح ذلك لتنظيم الشباب بالحفاظ على نفوذه على مدى المستقبل المنظور. وإذا ظلت الحكومة ضعيفة، وأصبح الجيش أكثر قوة من خلال المساعدات، والتدريب الأميركي، يصبح احتمال سيطرة الجيش على الحكم أكبر، في حين أن المدنيين الصوماليين سيستمرون في المعاناة.
ويجب على الولايات المتحدة تغيير أسلوبها الذي يركز على النواحي العسكرية في تعاملها مع الصومال، لمنع الوصول إلى النتيجة المحتملة وهي سيطرة الجيش على السلطة، كما يجب عليها الانخراط أكثر مع المجتمع المدني. ويتطلب هذا الأسلوب من الولايات المتحدة تغيير هدفها. وقال جوزيف ساني وكيهايندي توغن من مجلة فورين افيرز: «يجب على الحكومات الغربية أن تكون مستعدة للانخراط ليس فقط مع القوات المسلحة ودعمها، وإنما تتعامل مع المسؤولين المحليين، ومجموعات المجتمع المدني، والقادة الدينيين».
الانخراط مع المجتمع المدني
وسيساعد الانخراط مع المجتمع المدني في تعزيز الديمقراطية وتقوية المجتمع المدني، وهذا ما سيؤدي إلى تحسين حياة الشعب الصومالي عن طريق تحسين البنية التحتية، أو تنفيذ سياسات صديقة للأعمال.
وثمة خطوة محسوسة تستطيع الولايات المتحدة القيام بها في هذا المجال، لزيادة التجارة البينية بين الولايات المتحدة والصومال. ومن الممكن أن تؤدي زيادة الاستثمار الناتجة عن تحسن العلاقات التجارية إلى تحسين النمو الاقتصادي الضعيف في الصومال، ما يساعد على تهيئة الظروف لزيادة الأجور وتحسين الوصول إلى التعليم والرعاية الصحية.
ولكن من المؤسف أنه لا يمكن تنفيذ هذه الاقتراحات في ظل الحرب الأهلية. وهذا يعني أن الحكومة الصومالية يجب أن تنخرط مع الشباب والسلطات المحلية لتحقيق بعض الإجماع في حكم الصومال. ويجب على الولايات المتحدة التركيز على مساعدة القادة، وفتح خطوط الاتصالات عبر المفاوضات الاستباقية، حتى يتمكن الجانبان من كسب فهم أكثر عمقاً لأهداف بعضهم البعض على المدى البعيد، والعمل لتحقيق وقف إطلاق النار الذي يسمح بالتدفق الحر للناس والبضائع. ومن غير المحتمل التوصل إلى اتفاق كامل على مسار العمل المناسب. ومع ذلك، يجب على القادة الأميركيين والصوماليين على حد سواء، التركيز على تهيئة الظروف لجميع الأطراف للتعايش دون صراع، سواء كان ذلك يشمل التكامل أو نهجاً آخر.
وبالطبع ليست هناك صيغة سحرية لجعل الصومال وإفريقيا – بصورة عامة – أكثر أمناً من أجل شعوبها، ولكنه من الواضح أن التركيز على الديمقراطية والدبلوماسية، والنمو الاقتصادي، سيكون أفضل من قيام الولايات المتحدة بإعطاء الأولوية للمساعدات العسكرية.
عن «ناشونال إنترست»
. تنظيم «الشباب» الإرهابي يحصل على 100 مليون دولار من الإيرادات السنوية عن طريق ابتزاز المدنيين الصوماليين بالضرائب، وترهيب الشركات المحلية في مقديشو من خلال الهجمات بالعبوات الناسفة.
. ضعف الحكومة الصومالية يسمح لتنظيم الشباب الإرهابي بالحفاظ على نفوذه. وإذا ظلت الحكومة ضعيفة، وأصبح الجيش أكثر قوة من خلال المساعدات والتدريب الأميركي، سيكون احتمال سيطرته على الحكم أكبر.