بالنسبة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لم يكن الصراع بين روسيا وأوكرانيا، يدور حول العلاقات الروسية الأوكرانية، فحسب، بل أيضاً حول العلاقات الروسية والأوكرانية مع حلف شمال الأطلسي (الناتو) ككل. ومهما كانت نهاية الحرب في أوكرانيا، فمن الصعب أن نتخيل كيف سيسعى بوتين للتعامل مع «الناتو» بعد انتهاء الحرب بين روسيا وأوكرانيا؟
إذا كان بوتين غير راضٍ عن كيفية انتهاء الحرب لأن روسيا لم تحصل على مساحة كبيرة من الأراضي الأوكرانية، أو لأن أوكرانيا إما انضمت إلى «الناتو» أو تلقت دعماً عسكرياً قوياً منه، فسيستمر الرئيس الروسي في اعتبار الحلف خصماً ويستمر في عدائه له.
من ناحية أخرى، إذا كان بوتين راضياً عن كيفية انتهاء الحرب، إما لأن روسيا تحصل على موافقة الغرب وأوكرانيا على ضم تلك المقاطعات التي أعلنت موسكو أنها جزء من روسيا أو لأن الولايات المتحدة وأعضاء آخرين وافقوا على عدم قبول أوكرانيا في حلف شمال الأطلسي، فقد تزداد شهية موسكو لإضعاف حلف شمال الأطلسي أكثر فأكثر.
وسواء كانت موسكو راضية أو غير راضية عن نتيجة الحرب بين روسيا وأوكرانيا، فإن العلاقات بين روسيا وحلف شمال الأطلسي تبدو محكوماً عليها بأن تبقى «عدائية»، وربما حتى متضاربة، إذا لم تحدث أي تطورات جيوسياسية كبرى أخرى تؤثر في روسيا، ولكن هذا بالطبع أمر غير مؤكد بأي حال من الأحوال.
وتشير التقارير إلى أن الصين دعمت روسيا بقوة في حربها الجارية مع أوكرانيا لمنع ما تعتبره بكين أسوأ سيناريو، (هزيمة روسيا مما يؤدي إلى انهيار نظام بوتين، وصعود حكومة موالية للغرب في موسكو)، وانضمام روسيا الموالية للغرب إلى حلف شمال الأطلسي وحلفاء أميركا في منطقة آسيا والمحيط الهادئ في تحالف كبير يحيط بالصين.
ولكن مهما كانت نهاية الحرب، إذا لم يعد هذا السيناريو الصيني الأسوأ مرجحاً، فإن العداء الروسي تجاه حلف شمال الأطلسي قد يتعارض مع رغبة بكين في تحسين العلاقات مع أوروبا ومحاولة إبعادها عن الولايات المتحدة.
وقد ترى بكين أن تقديم المساعدة في إعادة إعمار أوكرانيا التي تشعر بخيبة أمل من الغرب بسبب شروط إنهاء الحرب، هو وسيلة لـ«فطام» أوكرانيا عن الغرب. ومع ذلك، فإن تحقيق الصين لهذه الأهداف لن يكون ممكناً إلا إذا تم ضبط سلوك موسكو بعد الحرب تجاه أوكرانيا وأوروبا.
ذروة التوتر
وجدير بالذكر أيضاً أنه في حين بدأ (الخلاف الصيني-السوفييتي) في ذروة التوتر (السوفييتي-الأميركي) أثناء الحرب الباردة، فقد اشتد خلال أواخر الستينات والسبعينات عندما بدت الولايات المتحدة كأنها قوة متدهورة بسبب فشل حروبها في جنوب شرق آسيا وعجزها عن منع انتشار الثورة المناهضة للغرب فيما كان يُعرف آنذاك بالعالم الثالث.
وهذا يثير احتمال أنه إذا انتهت الحرب في أوكرانيا في ظل ظروف تجعل روسيا تبدو أقوى، وأميركا وحلف شمال الأطلسي أضعف، فقد تبدأ المصالح الروسية والصينية في التصادم مع بعضها بعضاً بشكل أكبر.
والواقع أن الخلافات (الصينية-الروسية) قد تظهر بعد نهاية الحرب الروسية-الأوكرانية، حتى لو ظل حلف شمال الأطلسي قوياً، لكن بكين لم تعد تخشى احتمال تعرض روسيا للهزيمة وتغيير النظام، كما أصبحت الصين أقل تسامحاً مع السلوك الروسي الذي يمس مصالح بكين.
وبالتالي، فإن التنافس الصيني الروسي قد ينشأ بغض النظر عن كيفية انتهاء الحرب في أوكرانيا. وإذا كان الأمر كذلك، فإن روسيا سوف تستفيد بشكل أفضل من خلال نوع من الانفراج مع حلف شمال الأطلسي.
وإذا استمر العداء بين روسيا وحلف الناتو وظهر التنافس بين الصين وروسيا، فقد لا يكون حلف شمال الأطلسي القوي راغباً في مساعدة روسيا في مواجهة الصين، في حين قد لا يكون «الناتو» الضعيف قادراً على ذلك.
لكن هناك العديد من العوامل التي من المرجح أن تحدد الاستقرار في العلاقات بين «الناتو» وروسيا بعد الحرب، والتي تتجاوز روسيا وأوكرانيا.
فقد تتباين الديناميكيات السياسية الداخلية في الدول الأعضاء في «الناتو» من حيث الاستعداد للتعاون مع روسيا.
العزلة الأميركية
من المؤكد أن موسكو تنتظر حدوث انقسامات داخل الحلف لاستغلالها لتحقيق أهدافها السياسية. وغني عن القول إن هذا يتعلق بالعزلة الأميركية المحتملة على وجه الخصوص.
ومن المؤكد أن الجزء الشرقي سيشهد عواقب مباشرة، وهو ما يعني العديد من أنواع الاستفزازات الروسية. كما أن الوضع في دول ثالثة مثل مولدوفا وبيلاروسيا وجورجيا وأرمينيا، نظراً لأهميتها كمناطق للانتشار العسكري الروسي، من بين عوامل الاستقرار أو زعزعة الاستقرار المحتملة بعد الحرب على المستوى الإقليمي.
ومن المؤكد أيضاً أن نهاية حرب أوكرانيا ستخلق وضعاً استراتيجياً جديداً لحلف شمال الأطلسي، الأمر الذي يتطلب نهجاً معدلاً مع إلغاء أنماط السياسة القديمة.
وبغض النظر عن الديناميكيات الداخلية للدول الأعضاء، فإن الواقع بعد الحرب سيتطلب أدوات جديدة للتعامل معها.
ونظراً إلى طبيعة التهديد، فإن هذه فرصة للحلف والاتحاد الأوروبي لإيجاد تقسيم وظيفي للمسؤولية مع اعتبار «الناتو» أساساً للمهام المتعلقة بالدفاع الجماعي والردع، ولتحقيق قدرة الاتحاد الأوروبي على معالجة التحديات الأمنية غير العسكرية، بما في ذلك الأمن السيبراني، والتهديدات الهجينة، والهجرة المستغلة أو سياسة الطاقة، إلى جانب قاعدة دفاعية صناعية أوروبية متطورة.
إن المرونة متعددة الأبعاد للغرب تُشكل مفتاح الاستقرار في أوروبا بمجرد انتهاء حرب أوكرانيا. عن مجلة «ناشيونال إنترست» الأميركية
هدف مشترك
وصلت العلاقات بين روسيا وحلف شمال الأطلسي إلى أدنى مستوياتها في أعقاب اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية في عام 2022. ورداً على ذلك، وصف الحلف روسيا بأنها «التهديد الأكثر أهمية ومباشرة لأمن الحلفاء»، بينما يزعم الكرملين أن ما يسميه توسع الناتو شرقاً يُشكل خطراً وجودياً.
ومع ذلك، وعلى الرغم من التغيير في اللهجة، لايزال حلف شمال الأطلسي يحتفظ بـ«القانون التأسيسي للعلاقات المشتركة والتعاون والأمن» مع روسيا على قيد الحياة.
وهي وثيقة تم توقيعها في عام 1997، بعد ست سنوات من انهيار الاتحاد السوفييتي، تنص على هدف مشترك «لبناء أوروبا مستقرة وسلمية وغير مقسمة».
لم يجتمع مجلس الناتو وروسيا، وهو هيئة تم إنشاؤها بعد الحرب الباردة للشراكة في قضايا الأمن والمشاريع المشتركة، منذ عام 2022. وكانت العلاقات تتدهور بشكل مطرد لسنوات.
• العلاقات بين روسيا وحلف شمال الأطلسي تبدو محكوماً عليها بأن تبقى «عدائية».
• موسكو تنتظر حدوث انقسامات داخل «الناتو» لتحقيق أهدافها السياسية.