عندما تتذكر زهرة حياتها قبل صيف 2021، يبدو الأمر وكأنه حقيقة أخرى. كطالبة في أفغانستان في ذلك العهد، كان لديها «كثير من الأصدقاء». وتتذكر قائلة: «كنا سعداء معاً، ندرس وأحياناً نتجمع معاً.. وكنا نركب الدراجات». زهرة ابنة العشرين عاماً، لم تعد تركب الدراجات بعد الآن، أو تذهب إلى المدرسة أو للخارج دون تغطية وجهها، أو تشاهد الأصدقاء الذين فروا من البلاد. كل ما يمكنها فعله – كما تقول – هو الجلوس في المنزل والخوف من المستقبل الذي ينهار أمام عينيها. قالت: «عندما أقف أمام المرآة وأنظر إلى نفسي، أرى زهرة مختلفة عما كان عليه الحال قبل عامين، أشعر بالحزن على ما مضى».
وصادف الثلاثاء الماضي الذكرى السنوية الثانية لسقوط كابول في أيدي حركة طالبان التي سيطرت على أفغانستان، وسط انسحاب الولايات المتحدة الفوضوي والمثير للجدل من البلاد، بعد نحو 20 عاماً من القتال. وأعلنت حركة طالبان – التي لا تعترف بها معظم دول العالم – أن يوم الثلاثاء في هذا التاريخ من كل عام، عطلة وطنية. وصرح نائب المتحدث باسم طالبان، بلال كريمي، لشبكة «سي إن إن» بأن هذا اليوم «يوم شرف واعتزاز للأفغان». ويقول إن «أفغانستان تحررت من الاحتلال، وتمكّن الأفغان من استعادة بلدهم وحريتهم وحكومتهم وإرادتهم. السبيل الوحيد لحل المشكلات المتبقية يتم بالتفاهم والحوار فاستخدام الضغط والقوة لم يعد منطقياً».
لكن الاحتفال هو آخر شيء تريده العديد من النساء الأفغانيات مثل زهرة – التي تذكر «سي إن إن» اسمها الأول فقط لأسباب تتعلق بالسلامة – لأن الحياة في ظل حكم طالبان أصبحت قمعية ووحشية بشكل متزايد. ويحذر النشطاء من أن الأمور قد تزداد سوءاً عندما تتحول الدول بعيداً عنهم، بعد الحروب التي دامت عقوداً في بلادهم، وتنشغل بقضاياها الداخلية، وهذا يعني تضاؤل المساعدات الخارجية التي تجعل ملايين الأفغان يكافحون الجفاف والجوع والمرض، في أزمة قال خبراء حقوق الإنسان التابعون للأمم المتحدة عنها هذا الأسبوع إنها تزداد سوءاً.
وتقول الناشطة في مجال حقوق المرأة الأفغانية والمرشحة لجائزة نوبل للسلام لعام 2023، محبوبة سراج: «لم يعد هناك شيء اسمه حرية المرأة» في أفغانستان. وتضيف: «يتم محو النساء في أفغانستان ببطء من المجتمع ومن الحياة ومن كل شيء.. من آرائهن وأصواتهن وما يفكرن فيه، وأين هن».
عندما استولت حركة طالبان التي كانت قد حكمت أفغانستان سابقاً في التسعينات، على السلطة في عام 2021، قدمت نفسها في البداية على أنها نسخة أكثر اعتدالاً من النسخة السابقة، حتى إنها وعدت بالسماح للنساء بمواصلة تعليمهن حتى الجامعة، لكنها اتخذت منذ ذلك الحين إجراءات صارمة بدلاً من ذلك، وأغلقت المدارس الثانوية للفتيات، ومنعت النساء من الالتحاق بالجامعة والعمل في المنظمات غير الحكومية، بما في ذلك الأمم المتحدة، وتقييد سفرهن بدون مرافق ذكر، ومنعهن من دخول الأماكن العامة مثل المنتزهات والصالات الرياضية.
لم تعد المرأة قادرة على العمل في معظم القطاعات، وتعرضت لضربة أخرى الشهر الماضي عندما أغلقت طالبان جميع صالونات التجميل في جميع أنحاء البلاد، ومنعت النساء من العمل في المصانع التي كانت قد وظفت من قبل نحو 60 ألف امرأة، كثير منهنّ هن المعيلات الوحيدات لأسرهن، ما تسبب في مزيد من المتاعب للأسر التي تكافح بالفعل من أجل العيش.
وبالنسبة للشابات مثل زهرة، فإن هذا الانقلاب المفاجئ في الحياة اليومية يبدو مدمراً بشكل خاص مع بلوغهن سن الرشد وتكوين أحلام لمستقبلهن. وتستمتع زهرة بالفن، وأرادت أن تصبح مصممة، أو أن تبدأ مشروعها الخاص، لكن لم يعد أي منها ممكناً في أفغانستان.
وتقول: «أبلغ 20 عاماً، وقد حان الوقت لكي أدرس وأتعلم، لكن لا تسمح لي الحكومة بذلك، ولا أملك سوى الجلوس في منزلي». وتسترسل: «أنا قلقة بشأن مستقبلي ومستقبل أخواتي، ومستقبل جميع النساء في أفغانستان». ونظراً لعدم قدرتها على الخروج كثيراً، تحاول شغل وقتها في المنزل بالرسم وقراءة الكتب، وتعلم أي دروس متاحة عبر الإنترنت، لكنها تقول إنها تشعر بالاختناق وكأنها في السجن. وتقول: «لا أستطيع التركيز أمام هذا الوضع المزري، أختي جالسة في المنزل، كل الفتيات يجلسن في منزلهن، ولا يمكنهن فعل أي شيء».
أدان المجتمع الدولي على نطاق واسع معاملة طالبان للفتيات والنساء، حيث حثّت هيئة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة هذا الأسبوع على إدخال إصلاحات واحترام حريات المرأة، لكن هذه الرسائل لم تفعل الكثير من أجل التغيير، وتلاشى الاهتمام العالمي إلى حد كبير بشعب أفغانستان، ما ترك العديد من الأفغان يشعرون بالغضب وبأن العالم تخلى عنهم. وتقول سراج: «شباب أفغانستان يصرخون في محاولة لجذب انتباه العالم لمحنتهم ومحنة المرأة في أفغانستان».
وتقول زهرة إنها تساءلت عن تجاهل الدول الأخرى لبلادها، وتعلق على ذلك بقولها: «إنهم مرتاحون.. أطفالهم وبناتهم وأخواتهم يذهبون إلى المدرسة، لكن هناك فتيات ونساء في هذه الزاوية من العالم، يجهلهن العالم، ولا يمكنهن فعل أي شيء».
وأثرت عزلة النساء الأفغانيات في صحتهن العقلية، في ظل تقارير واسعة النطاق عن الاكتئاب والانتحار، خصوصاً بين الفتيات المراهقات اللائي تم منعهن من متابعة التعليم، وفقاً لتقرير للأمم المتحدة الشهر الماضي. ويضيف التقرير أن نحو 8% ممن شملهم الاستطلاع يعرفون فتاة أو امرأة حاولت الانتحار، وأن القيود والصعوبات الاقتصادية أدت أيضاً إلى زيادة العنف الأسري والزواج القسري للفتيات.
وزعمت حركة طالبان مراراً وتكراراً «أنها تسمح للمرأة بالعمل في قطاعات معينة، طالما أنها تلتزم بالقيم الإسلامية». واعترف المتحدث باسم طالبان، ذبيح الله مجاهد، بأنه ما تزال هناك «مشكلة في ما يتعلق بتعليم الفتيات»، مدعياً أن الجماعة تريد «تمهيد الطريق للقواعد والأنظمة الإسلامية» وتهيئة «بيئة آمنة لتعليمهن». كما زعم أن «النساء يعملن بنشاط في أقسام الصحة والتعليم والشرطة ومكاتب الجوازات والمطارات وما إلى ذلك».
لكن المنظمات غير الربحية والخبراء يقولون إن هذا بعيد كل البعد من الحقيقة، والفجوة كبيرة وواضحة بشكل خاص في قطاع الرعاية الصحية. وبموجب قواعد طالبان، لا يمكن للمرأة الحصول على الرعاية الصحية إلا من النساء الأخريات، لكن الحظر المفروض على التعليم العالي للمرأة يعني أن جميع طالبات الطب ليس أمامهن مجال لإنهاء دراستهن وتخرجهن، ما أدى إلى نقص في عدد الطبيبات والقابلات والممرضات اللائي تشتد الحاجة إليهن.
وبعد سيطرة طالبان، جمدت الولايات المتحدة وحلفاؤها نحو سبعة مليارات دولار من الاحتياطات الأجنبية للبلاد وقطعت التمويل الدولي. وشلت هذه الخطوة الاقتصاد الذي يعتمد فعلاً بشكل كبير على المساعدات، مع ملايين الأفغان العاطلين عن العمل، وموظفي الحكومة بدون أجر، في الوقت الذي ارتفعت فيه أسعار الغذاء والدواء بشكل كبير.
وأنشأت الولايات المتحدة، العام الماضي، صندوقاً للمساعدة الاقتصادية بقيمة 3.5 مليارات دولار مع الأصول المجمدة، لكن المسؤولين قالوا إنهم لن يفرجوا عن الأموال قريباً لمؤسسة في أفغانستان، وبدلاً من ذلك يمر ذلك الصندوق عبر هيئة خارجية مستقلة عن طالبان والدولة والبنك المركزي.
جفّت المساعدات الإنسانية أكثر في الأشهر الأخيرة بعد حظر طالبان العمل على النساء في المنظمات غير الحكومية. واضطر العديد من المنظمات – بما في ذلك الأمم المتحدة – إلى تعليق البرامج أو العمليات المهمة في البلاد. وطوال الوقت يخشى النشطاء من أن يتم تطبيع طالبان تدريجياً على المسرح العالمي، حتى لو لم يتم الاعتراف بها على نطاق واسع كحكومة شرعية ولا تسيطر على مقعد أفغانستان في الأمم المتحدة.
ويعني الوضع المزري أن أكثر من 1.6 مليون أفغاني فروا من البلاد منذ عام 2021، وفقاً للأمم المتحدة. وحتى هؤلاء اللاجئون يواجهون مستقبلاً من عدم اليقين، وما يزال كثيرون منهم ينتظرون دخول الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى، في حين أن البعض ينتظرون طويلاً، حيث تم ترحيلهم قسراً إلى أفغانستان ويضطرون إلى الاختباء.
وتقول سراج: «السبب الوحيد لوجودي في أفغانستان وبقائي هنا، هو أن أكون بجوار أخواتي وأحاول مساعدتهن». وتضيف: «لم أفقد كل الأمل، ولكن مع كل خطوة على الطريق ومع كل قرار، أرى أن الأمر أصبح أكثر صعوبة». وبالنسبة للشباب الأفغان الذين يأملون الحفاظ على ما تبقى من مستقبلهم، يبدو أن الهروب هو الخيار الوحيد المتبقي.
• الحياة في ظل حكم «طالبان» أصبحت قمعية ووحشية بشكل متزايد. ويحذر النشطاء من أن الأمور قد تزداد سوءاً عندما تتحول الدول بعيداً عنهم بعد الحروب التي دامت عقوداً في بلادهم، وتنشغل بقضاياها الداخلية.
• جفّت المساعدات الإنسانية أكثر في الأشهر الأخيرة بعد حظر «طالبان» العمل على النساء في المنظمات غير الحكومية. واضطر العديد من المنظمات، بما في ذلك الأمم المتحدة، إلى تعليق البرامج أو العمليات المهمة في البلاد.