محطات وإنجازات تاريخية شهدتها الشراكة والصداقة والعلاقات الثنائية بين الكويت والمملكة المتحدة على مدار أكثر من 124 عاما منذ اتفاقية الحماية عام 1899، بنيت دعائمها على التعاون في جميع المجالات لاسيما الأمن والدفاع والاستثمار والثقافة والتعليم.
ولعل مرحلة حكم المغفور له بإذن الله الشيخ مبارك الصباح تعتبر البداية الحقيقية للعلاقات الكويتية – البريطانية عندما استشعر الشيخ مبارك في عام 1899 حجم الأطماع الخارجية التي تهدد الكويت، مما دفعه إلى التفكير الجدي بضرورة عقد معاهدة حماية مع بريطانيا في ذلك العام.
وبتلك الاتفاقية دخلت الكويت تحت مظلة حماية الإمبراطورية البريطانية التي تعهدت فيها بالدفاع عن الكويت ضد أي خطر خارجي أو عدوان تتعرض له فيما أعطت الاتفاقية من الجانب الآخر حرية التصرف في الشؤون الداخلية للبلاد لحاكم الكويت دون تدخل من بريطانيا.
واستمرت العلاقات الثنائية في النمو والتقدم بعد ذلك في عهد الشيخ سالم المبارك ثم في عهد الشيخ أحمد الجابر الصباح الذي ازدهرت في أيامه تلك العلاقات أكثر وترسخت في المجال الاقتصادي بعد اكتشاف النفط في الكويت.
وشهدت العلاقات الثنائية استقرارا طوال العقود الماضية حتى جاء عام 1961 ليبدأ الأمير الراحل الشيخ عبدالله السالم الصباح خطوات باتجاه مرحلة جديدة أكثر عدالة وعمقا في العلاقات بين البلدين عندما خطا بالكويت الخطوات الأولى نحو الاستقلال.
وكانت أولى هذه الخطوات في 19 يونيو 1961 عندما أعلن الشيخ عبدالله السالم استقلال الكويت وإلغاء معاهدة 1899 مع بريطانيا لكن رغم ذلك استمرت الحكومة البريطانية بمساعدة الكويت في الدفاع عن سلامة أراضيها من الأطماع الخارجية فأرسلت قواتها العسكرية إلى الكويت حين كانت تتهددها الأطماع العراقية.
وشكلت تلك الأزمة والتعاطي الكويتي البريطاني معها علامة فارقة في العلاقات بين الدولتين الصديقتين بأن رسختها وزادت عمقها وفتحت أمام الدولتين آفاقا جديدة في التعامل خصوصا على المستويات العسكرية والسياسية والاقتصادية.
وحينما حدثت كارثة الغزو العراقي للكويت عام 1990 شكلت المملكة المتحدة الحليف الأول للولايات المتحدة الأميركية في موقفها الرافض للعدوان العراقي وفي تحركها العسكري نحو تحرير الكويت.
ودائما تميزت العلاقات الكويتية – البريطانية بالحفاظ على المصالح المشتركة إذ مرت بكثير من المحطات والأحداث التاريخية المهمة شملت خلالها العديد من مجالات التعاون مثل الدفاع والأمن والثقافة والتعليم والتقدم العلمي والصحة والتجارة والصناعة.
وشهدت العلاقات بين البلدين زيارات متبادلة للقيادات السياسية على مدار العقود الماضية وكان آخرها زيارة ممثل صاحب السمو الأمير الشيخ نواف الأحمد سمو ولي العهد الشيخ مشعل الأحمد في السادس من مايو هذا العام لحضور مراسم تتويج الملك تشالز الثالث ملك المملكة المتحدة لبريطانيا العظمى وأيرلندا الشمالية.
وكان لوزير الخارجية وشؤون الكومنولث والتنمية في المملكة المتحدة جيمس كليفرلي زيارة للكويت في يوليو الماضي، فيما زار وزير الدولة للاستثمار لدى وزارة الأعمال والتجارة الدولية في المملكة المتحدة اللورد دومينيك جونسون الكويت في 13 يوليو الماضي لتعزيز التعاون الثنائي في مختلف المجالات في وقت كان البلدان يحتفلان بمرور 70 عاما على افتتاح مكتب الاستثمار الكويتي في لندن.
وتعاقبت الزيارات المتبادلة بين الطرفين، حيث زار وزير الخارجية الكويتي الشيخ سالم عبدالله الجابر الصباح العاصمة لندن في مارس الماضي لتدشين الحوار الاستراتيجي بين البلدين على مستوى وزيري الخارجية، مما يؤكد حرص القيادة السياسية لدى البلاد على تعزيز مصالح الكويت لدى المملكة المتحدة.
وعلى مستوى التعاون التجاري بين البلدين الصديقين، يسعى الطرفان الى اتفاق استكمال آليات التعاون الناشئة من خلال مجموعة التوجيه لتوثيق العلاقات والشراكات الاقتصادية والتجارية، عبر تشجيع الاستثمار في القطاعات الحيوية واستكشاف الفرص التجارية الواعدة ورفع معدلات التبادل التجاري وتبادل الخبرات.
وهناك تعاون مستمر على الصعيد العلمي والثقافي في مجال البحوث والمعارض والفعاليات الثقافية، فيما يمثل عدد الطلبة الكويتيين المبتعثين للدراسة في بريطانيا دليلا على العلاقات الثقافية المتجذرة بين البلدين، اذ بلغ خلال العام الدراسي (2022-2023) نحو 7014 طالبا مبتعثا فيما يدرس 1500 طالب على نفقتهم الخاصة.
وتجسدت روابط الصداقة التاريخية بين البلدين الصديقين حتى شملت المجال الإنساني والتسامح الديني إذ افتتحت أربعة مراكز إسلامية في بريطانيا في 20 مارس من هذا العام بدعم سخي من محسني الكويت وساهمت فيها الأمانة العامة للأوقاف الكويتية.
والمراكز الإسلامية التي تم افتتاحها هي مسجد شيفلد بمدينة شيفلد ومركز البيان في مدينة برادفورد ومركز الأمل في مدينة ليستر ومركز عبدالله المطوع في مدينة سوانزي فيما تهدف المراكز إلى المساهمة في ترسيخ القيم الإسلامية لدى مسلمي المملكة المتحدة.
ويسعى البلدان لتدشين حوارات استراتيجية عديدة ووضع خريطة طريق لمستقبل أكثر إشراقا للعلاقات الوثيقة بينهما استكمالا للمسيرة التاريخية من التعاون والعمل المشترك وترجمة للتطلعات الثنائية الطموحة وتحقيقا للرؤية المشتركة لقيادتي البلدين الصديقين نحو آفاق ومستقبل أرحب يحقق المصالح المشتركة للبلدين والشعبين الصديقين.
وتلك المحطات والإنجازات تبقى شاهدا على أن العلاقات بين البلدين الصديقين على مدار أكثر من 13 عقدا كانت وستبقى راسخة متميزة ونموذجا فريدا في العلاقات بين الدول في ظل عالم متغير وتحديات كبيرة في شتى المجالات.