- الرئيس الأميركي فشل في إقناع إسرائيل بالتراجع عن فكرة الغزو
- العسكريون الإسرائيليون أكثر تشدداً من نتنياهو..مصممون على توجيه ضربة لحماس لن تنساها المنطقة بأكملها
بعد 17 يوما من الهجوم غير المسبوق الذي نفذته حركة حماس ضد الكيان الصهيوني، تتواصل الحرب التي أعلنتها الأخيرة بهدف القضاء على الحركة ، لكنها لم تنجح فيما يبدو في تهدئة الرأي العام داخل الدولة العبرية.
ومع كل يوم يمر وهناك أسرى ورهائن محتجزون في قطاع غزة، تتعالى الأصوات المطالبة بإقالة بل ومحاكمة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بتهمة الفشل في التعامل مع هجوم حماس وتحقيق الأمن للإسرائيليين واستعادة هؤلاء المحتجزين.
ويحذر مراقبون من أن الحكومة الأكثر يمينية في إسرائيل بقيادة نتنياهو ، ربما تذهب ، أمام تصاعد الاحتجاجات الداخلية ، بعملياتها العسكرية إلى نقطة اللاعودة من خلال إيقاع أكبر خسائر في صفوف الفلسطينيين في محاولة لمحو آثار هجوم السابع من أكتوبر غير عابئة بنصائح حتى حلفائها في التريث في الإقدام على توغل بري في القطاع.
فهناك من يرى أن نتنياهو ، الذي يواجه اتهامات بالتردد وعدم الجرأة على حسم الأمور ، يدرك تماما أن مستقبله السياسي انتهى وأنه قد يستجيب من هذا المنطلق لرغبات القادة العسكريين وعلى رأسهم وزير الدفاع يوآف جالانت لاجتياح القطاع بريا على الرغم مما تنطوي عليه هذه الخطوة من مخاطر عدة ليس أولها سقوط أعداد كبيرة من القتلى المدنيين الفلسطينيين وليس آخرها الوقوع في مصيدة الأنفاق المفخخة التي ربما أعدتها حماس في انتظار القوات الإسرائيلية.
ويحذر الكاتب الأمريكي توماس فريدمان مجددا من خطورة تلك الخطوة التي تأجلت أكثر من مرة، ونقل عن مسؤولين أمريكيين بارزين ، لم يسمهم ، أن الرئيس الأمريكي جو بايدن “فشل في إقناع إسرائيل بالتراجع والتفكير في جميع الآثار المترتبة على اجتياح غزة بالنسبة لإسرائيل والولايات المتحدة”.
ويرى فريدمان أنه “إذا اندفعت إسرائيل الآن إلى غزة لتدمير حماس وفعلت ذلك دون التعبير عن التزام واضح بالسعي إلى حل الدولتين مع السلطة الفلسطينية وإنهاء المستوطنات اليهودية في عمق الضفة الغربية، فسوف ترتكب خطأً فادحا، وسيكون ذلك مدمرا للمصالح الإسرائيلية والمصالح الأمريكية”.
وأضاف أن ذلك “قد يؤدي ذلك إلى إشعال حريق عالمي وتفجير إطار التحالف المؤيد لواشنطن بالكامل، والذي بنته الولايات المتحدة في المنطقة” منذ أن وضع وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر خطة طريق لإنهاء حرب أكتوبر عام 1973 .
وتابع فريدمان في مقال نشر بصحيفة نيويورك تايمز :” للأسف أخبرني مسؤول أمريكي بارز أن القادة العسكريين الإسرائيليين في الواقع حاليا أكثر تشددا من رئيس الوزراء نتنياهو. إنهم في ذروة الغضب ومصممون على توجيه ضربة لحماس لن تنساها المنطقة بأكملها أبدا”.
وقال : “أنا أتفهم ذلك، لكن الأصدقاء لا يسمحون لأصدقائهم بالقيادة وهم غاضبون. يتعين على بايدن أن يقول لهذه الحكومة الإسرائيلية إن الاستيلاء على غزة دون ربطها بنهج جديد تماما فيما يتعلق بالمستوطنات والضفة الغربية وحل الدولتين سيكون بمثابة كارثة لإسرائيل وكارثة لأمريكا”.
وقرع فريدمان ناقوس الخطر ، قائلا إن التطورات التي “بدأت بهجوم لحماس ضد إسرائيل يمكن أن تؤدي إلى إشعال حرب في الشرق الأوسط تكون لكل قوة عظمى وقوة إقليمية يد فيها ، الأمر الذي سيجعل من الصعب للغاية إيقافها بمجرد أن تبدأ”.
وأوضح أنه في الأسبوع الأول من هذا الصراع، بدا أن المرشد الأعلى لإيران علي خامنئي والأمين العام لحزب الله اللبناني حسن نصر الله “يبقيان سيطرة مشددة للغاية على رجال ميليشياتهم على الحدود مع إسرائيل وفي العراق وسوريا واليمن، ولكن مع مرور الأسبوع الثاني، لاحظ المسؤولون الأمريكيون إشارات متزايدة على أن كلا الزعيمين يسمحان لقواتهما بمهاجمة أهداف إسرائيلية بشكل أكثر عدوانية، وأنهما قد يهاجمان أهدافا أمريكية إذا تدخلت الولايات المتحدة. وهما يشتمان المنطق القائل إن الغزو الإسرائيلي لغزة يمكن أن يساعد في تحقيق هدفهما المتمثل في إخراج أمريكا من المنطقة برمتها”.
وأضاف فريدمان :”لم يسبق لي أن كتبت عمودا بهذا القدر من الإلحاح من قبل لأنني لم أشعر قط بمثل هذا القلق بشأن كيفية خروج هذا الوضع عن نطاق السيطرة بطرق يمكن أن تلحق الضرر بإسرائيل بشكل لا يمكن إصلاحه، وتضر بمصالح الولايات المتحدة بشكل لا يمكن إصلاحه… وتهدد اليهود في كل مكان وتزعزع استقرار العالم كله. أتوسل إلى بايدن أن يقول للإسرائيليين هذا على الفور، من أجلهم، من أجل أمريكا، من أجل العالم”.
وبينما تردد أن بايدن أوعز للإسرائيليين بتأجيل الغزو البري لقطاع غزة لحين الإفراج عن المزيد من الرهائن، عاد البيت الأبيض لينفي تلك
التقارير، موضحا أن الرئيس الأمريكي “لم يسمع السؤال عن تأجيل إسرائيل العملية البرية وكان يعتقد أن السؤال يدور حول ما إذا كان يرغب في الإفراج عن المزيد من الرهائن”.
ويرى مراقبون أن التأييد المطلق لإسرائيل في “الدفاع عن نفسها” من قبل واشنطن والمعسكر الغربي بدأ يفقد بعضا من زخمه مع الوقت في ظل وجود رهائن غربيين في غزة وكذلك مخاوف من اتساع رقعة الصراع والانجراف لحرب إقليمية.
وبعد أيام من استقالة مسؤول بارز في الخارجية الأمريكية احتجاجا على نهج واشنطن في التعامل على الصراع ، رفع أكثر من 100 من أعضاء الكونجرس رسالة إلى بايدن، طالبوا فيها بتحرك أمريكي فوري، لمنع وقوع مزيد من الضحايا المدنيين في قطاع غزة. وأعرب الموقعون عن دعمهم لرد واشنطن على هجوم حماس ضد إسرائيل، لكنهم قالوا إن رد إسرائيل “يجب أن يكون متوافقا مع القانون الدولي والقيم الديمقراطية المشتركة”.
وقال هؤلاء الأعضاء إن الصراع بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي لا يمكن حله بالوسائل العسكرية، في وقت تقترب فيه حصيلة قتلى الحرب الإسرائيلية على غزة من 5 آلاف قتيل. كما دعوا الإدارة الأمريكية إلى العمل مع إسرائيل والشركاء الإقليميين لضمان الاستقرار في الضفة الغربية ومنع أي تصعيد للعنف في تلك المنطقة.
كما عبر المئات من موظفي الاتحاد الأوروبي عن غضبهم من موقف رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين بشأن الصراع بين إسرائيل وحماس. وذكرت صحيفة “ذ أيريش تايمز” أنها اطلعت على خطاب موقع من جانب 842 موظفي الاتحاد الأوروبي يتهم المفوضية بتشجيع إسرائيل على “تسريع وشرعنة جريمة حرب” في غزة.
ويقول الخطاب إن الاتحاد الأوروبي “يفقد كل مصداقيته ومكانته كوسيط عادل ومنصف وإنساني”.
وأوضح الموقعون على الخطاب”نحن بالكاد ندرك قيم الاتحاد الأوروبي في اللامبالاة الظاهرة التي أبدتها مؤسستنا خلال الأيام القليلة الماضية تجاه المذبحة المستمرة ضد المدنيين في قطاع غزة”.
ويرى محللون أنه مع تصاعد هذه اللهجة، يزداد موقف نتنياهو تعقيدا ما بين أصوات بدأت تتعالى من قلب المعسكر الداعم له خارجيا ، وما بين حسابات انتخابية في الداخل تضع ائتلافه الحاكم على المحك، في وقت تظهر معظم استطلاعات الرأي أن شعبيته تراجعت بشدة بعد هجوم 7 أكتوبر.