تحول قصر منطقة الظيت في رأس الخيمة، الذي ظل مهجوراً لأكثر من ثلاثة عقود، من مبنى ارتبط في الذاكرة الشعبية بأساطير «الجن» و«الأشباح»، إلى متحف ومَعلَم ثقافي يستقبل الزوار من داخل الدولة وخارجها، بعد مشروع ترميم أعاد إحياء قيمته المعمارية والفنية، وبدّد الصورة التي لازمته لسنوات طويلة.
وقال صاحب القصر، طارق الشرهان، لـ«الإمارات اليوم» إن شغفه بجمع التحف، وامتلاكه أكثر من 100 ألف قطعة نادرة، كانا الدافع الرئيس لاقتناء القصر وترميمه، انطلاقاً من قناعته بأنه «تحفة فنية مهملة» بقيت مهجورة لأكثر من 30 عاماً، فقرر ترميمه وإحياء الفكرة الأصلية التي أرادها الشيخ عبدالعزيز بن حميد القاسمي، رحمه الله، حين شيده ليكون معلماً معمارياً مميزاً، مضيفاً أنه تواصل مع ملاكه، واشترى القصر منهم قبل بدء أعمال الترميم وفتح أبوابه للزوار.
وبين الشرهان أن الإقبال في البداية كان لافتاً حتى قبل اكتمال أعمال الترميم، حيث كان بعض الأشخاص يدخلون القصر من دون إذن خلال فترة التأهيل، ويقومون بتصوير مقاطع فيديو ونشرها على منصات التواصل الاجتماعي، ولاسيما «يوتيوب»، مصنفين القصر آنذاك ضمن أكثر القصور رعباً في الوطن العربي، وهو ما أسهم في تضخيم الصورة المرتبطة بالمكان.
وأضاف أن افتتاح القصر بشكل منظم أمام الجمهور، وتحويله رسمياً إلى متحف منذ عام 2019، أسهما في كسر هذه الصورة الذهنية، وفي استقطاب المواطنين والمقيمين والسياح، مؤكداً أن المشروع لعب دوراً واضحاً في تصحيح المفاهيم المتداولة حول القصر من خلال تحويله إلى مقصد ثقافي وفني.
وحول شائعة «القصر المسكون»، أوضح أن القصر بني خلال الفترة من عام 1985 إلى 1991، وخلال مرحلة البناء كان الهيكل أشبه بالجاهز، وصبغ باللون الأسود تمهيداً لتركيب الرخام، في وقت كانت فيه المنطقة بعيدة عن العمران، وكان القصر قائماً على تلة رملية معزولة، ما جعله يبدو غريباً في محيطه، وأسهم في ترسيخ صورة نمطية شبيهة بما يظهر في الرسوم المتحركة عن مساكن السحرة.
وتابع صاحب القصر أن فكرة أنه «قصر الجن» انتشرت بين الأهالي بعد فترة قصيرة من اكتمال بنائه، وعندما قرر الشيخ عبدالعزيز بن حميد القاسمي، رحمه الله، السكن في القصر، طالبه البعض بالتخلص من محتويات موجودة داخله، إلا أنه رفض الروايات ولم يصدقها، مضيفاً أن «بقاء القصر مهجوراً عمّق هذه التصورات في أذهان كثير من الأشخاص».
وأشار إلى إجراء أعمال ترميم بعد شراء القصر استغرقت عاماً كاملاً، وتخللتها صعوبات كبيرة، خاصة في ترميم لوحات السيراميك والتحف التي تعرضت للتكسير، ومنها رؤوس طيور كانت تعد قطعاً فنية نادرة، ما استدعى طلب قطع خاصة بمقاسات دقيقة من مصانع متخصصة، والاستعانة بفنانين لاستكمال الرسومات وفق تصور قريب من الأصل، كما تم التعاقد مع شركة متخصصة للحفاظ على الثريات الأصلية المصنوعة من أنواع نادرة من الكريستال، وتعد تحفاً قائمة بذاتها.
وأكد الشرهان أن استمرار عمل حارس القصر طوال سنوات الهجر كان دليلاً عملياً على عدم وجود أي ظواهر غير طبيعية، لافتاً إلى أن الخوف ارتبط أحياناً بتفسيرات مبالغ فيها، منها حادثة دخول طائر إلى القصر أثناء تصوير تلفزيوني، ما تسبب في حالة هلع لدى بعض أفراد الطاقم قبل أن يتضح أنه طائر عادي دخل عبر النوافذ.
وعن سبب تسمية «القصر الغامض» قال: «استخرجت رخصة تجارية قانونية للمتحف، بهدف إنهاء فكرة القصر المسكون، أما الغموض المقصود فيرتبط بتفاصيل التصميم المعماري، والزوايا النادرة صعبة التنفيذ، وكثرة الأبواب وتنوع الأخشاب المستخدمة فيها»، مشيراً إلى أنه اكتشف بعد ثلاث سنوات من استلام القصر وجود حمام داخلي لم يكن معروفاً سابقاً.
وأوضح أن القصر يحتضن مزاداً شهرياً يحمل اسم «القصر الغامض»، تعرض فيه القطع المسموح بتداولها، مثل دلال القهوة والشاي الإماراتية القديمة، التي تم بيع الواحدة منها بـ10 آلاف درهم، كما يشارك فيه هواة وتجار وأصحاب متاحف.
ويعتبر الشرهان أن توافد آلاف الزوار إلى القصر خلال السنوات الماضية أسهم بشكل واضح في تراجع فكرة «القصر المسكون»، مشيراً إلى أن أهالي المنطقة أبدوا ترحيبهم بترميم الموقع بعد أن ظل فترة طويلة مهجوراً ومحاطاً بالأشجار الكثيفة، قبل أن يتحول إلى معلم بارز مضاء ليلاً ومقصد ثقافي وفني، لافتاً إلى أنه يعمل على استكمال الرسالة التي أرادها الشيخ عبدالعزيز بن حميد القاسمي، رحمه الله، معرباً عن أمله في أن تتواصل جهود التطوير مستقبلاً والبناء على ما تحقق من إنجازات من قبل أشخاص آخرين قد يضيفون للمكان ما لم يستطع هو إبرازه.
• 100 ألف قطعة نادرة.. الدافع الرئيس لاقتناء القصر وترميمه.
طارق الشرهان:
• افتتاح القصر أمام الجمهور وتحويله رسمياً إلى متحف منذ عام 2019، أسهما في كسر الصورة الذهنية عنه.
