“منذ أن كنت طفلة حتى اليوم، أحرص وجميع أفراد عائلتي على تناول السمك المملح (الفسيخ)، ليس في اليوم الأول من عيد الفطر فقط، بل يكون رفيق الوجبات الرئيسة الثلاث، على مدار ثلاثة أيام.
تصف الحاجة التسعينية ابتهاج دوله، الشهيرة بلقب “أم خطاب”، من مواليد مدينة يافا المطلة على ساحل البحر الأبيض المتوسط، في العام 1932، رحلة تناولها وجبة السمك المملح “الفسيخ” في عيد الفطر، الممتدة من مدينة يافا قبل نكبة التهجير، حتى مخيم الشاطئ للاجئين على ساحل قطاع غزة بعد عام 1948.
ما سردته الحاجة أم خطاب، يعد إيجازاً سريعاً لشهرة قطاع غزة في صناعة أسماك “الفسيخ”، حيث تنشط حركة بيعها في الأيام الأخيرة من شهر رمضان المبارك، لتقدم كطبق رئيس في أول أيام عيد الفطر المبارك.
وتشير الحاجة التسعينية في حديثها مع “الإمارات اليوم”، إلى أن الفسيخ تشتهر به مدن وبلدات فلسطين الساحلية دون سواها، انطلاقا من عكا وحيفا ويافا، مرورا بعسقلان والمجدل، وجميعها في الداخل الفلسطيني المحتل، ولكنهم لا يشتروا “الفسيخ” من الأسواق، بل يعدونه داخل منازلهم، وهو ما ورثته “أم خطاب” عن أمها قبل التهجير قسراً من يافا.
وتشرح أم خطاب طريقة صناعة “الفسيخ” المنزلي، والتي رافقتها من يافا المحتلة حتى غزة المحاصرة، قائلة: “قبل شهر رمضان بأسابيع قليلة نشتري أسماك “الجرع والبوري” الطازجة، ونضعها بالملح عبر مراحل عديدة، حتى يزال الماء من داخلها، ويتم ذلك عبر وضعها في أوان خشبية كبيرة، أو بلاستيكية، وإن كانت الطريقة الأولى أفضل، لضمان الحصول على الدرجة المطلوبة من “الفسيخ”.
وتضيف: “بعد مرور 45 يوما أو شهرين على تخزين الأسماك بالملح داخل الأواني الخشبية، تنضج في الأيام الأخيرة من شهر رمضان، لتصبح جاهزة للأكل”.
وتسترسل الحاجة التسعينية بالقول مبتسمة: “لا نصبر كثيرا على قدوم عيد الفطر، ونتناول الفسيخ المقلي في آخر يومين من شهر رمضان على وجبة الإفطار، مزيناً بالفلفل الأخضر وعصير الليمون، ويكتمل جماله مع الطماطم المقلية (قلاية البندورة)، والثوم”.
وعلى نهج أم خطاب ووالدتها، سار أبناؤها وأحفادها، يصنعون الفسيخ في منزلهم المطل على ساحل الأبيض المتوسط، ليكون رفيق مائدة طعامهم طوال أيام العيد.
مصدر رزق موسمي
تعد صناعة الفسيخ تجارة موسمية في قطاع غزة، تزدهر قبيل قدوم شهر رمضان، وحتى اليوم الأخير من الشهر الفضيل، سواء التي يتخصص في إنتاجها أصحاب محلات بيع الأسماك، أو التي يصنعها أرباب الأسر داخل منازلهم طوال رمضان، لتقدم كطبق رئيس في أول أيام عيد الفطر المبارك.
منير أبو حصيرة (60) عاما، يعد من أشهر بائعي “الفسيخ” غرب مدينة غزة، في مهنة ورثها عن والده، ومن قبلها جده، وليس وحده فحسب، فغالبية أفراد عائلته متخصصة في صناعة هذا النوع من الأسماك، نظرا لعملهم في مجال الصيد منذ زمن بعيد.
ويصنع أبو حصيرة سنوياً أكثر من 200 كيلو من الفسيخ داخل منزله، لعرضها في نهاية رمضان أمام محله المتخصص في بيع جميع أنواع الأسماك، ويبين أن عملية إنتاج السمك المملح تتطلب جهدا كبيرا للحصول على جودة مذاق عالية.
وليس بعيداً عن محل أبو حصيرة، وبالقرب من شاطئ بحر غزة، يعرض الشاب محمود خليفة على عربة خشبية صغيرة عدة أصناف من “الفسيخ”، الذي يصنعه ووالده داخل منزلهم، والذي يوفر لهم ذلك مصدر دخل مؤقت، يسهم في تحسين ظروفهم المعيشية.