رصدت «الإمارات اليوم» كواليس المهمة الإنسانية لجزء من فريق الإنقاذ الإماراتي، وتحديداً من شرطة دبي، في عملية «الفارس الشهم 2» في الجمهورية التركية، إثر الزلزال الذي ضرب أراضيها مع دولة سورية مطلع الشهر الماضي، مخلفاً دماراً هائلاً في الدولتين وآلاف الضحايا.
وكشف رئيس فريق الإنقاذ الإماراتي في منطقة كهرمان مرعش، في تركيا، العقيد خالد إبراهيم الحمادي، أن الفريق كان أول من وصل من بين جميع الفرق الدولية، وآخر المغادرين بتوجيهات من قيادة الدولة.
وقال الحمادي لـ«الإمارات اليوم»: «واجهنا تحديات معقدة، ولحظات صعبة تخللتها مشاعر من الحزن عند انتشال جثث الضحايا، خصوصاً الأطفال، ومن بينهم عائلة مكونة من أب وأم وطفلة فاجأهم الزلزال وهم نائمون، وكانوا جميعاً في وضعية النوم، والطفلة تمسك بيد أمها، ومشاعر الفرح عند إنقاذ أشخاص بعد ساعات متواصلة من العمل».
وأكد أنه تمكن من حشر جسده بصعوبة في فتحة ضيقة، لتحديد وضعية أسرة سورية تتكون من أم وثلاثة أطفال انهار عليهم مبنى مكون من أربعة طوابق، وكانوا أربعتهم على سرير، ويكاد الجدار يلتصق بوجوههم وسط ظروف مؤلمة عانوها لمدة أربعة أيام قبل إخراجهم بنجاح.
وأعلنت شرطة دبي عن حالة استنفار فور وقوع الزلزال، بإطلاق منظومة الإنذار المبكر، وتجهيز غرفة عمليات بمركز المرونة المختص بإدارة الأزمات والكوارث، وبدأت التجهيزات للمهمة قبل الاستدعاء الرسمي من قيادة العمليات المشتركة بالقوات المسلحة التي أدارت العملية ووفرت تجهيزات ودعماً استثنائياً، تمثل في نقل المعدات والآليات الثقيلة جواً إلى المنطقة المنكوبة، ليكون الفريق الإماراتي الأسرع في الاستجابة، منتقلاً خلال أقل من سبع ساعات، والوحيد الذي شارك بمعداته.
وتفصيلاً، قال مدير إدارة البحث والإنقاذ في شرطة دبي، العقيد خالد الحمادي إن الفريق تلقى الاستدعاء الرسمي من قيادة العمليات المشتركة بالقوات المسلحة يوم السادس من فبراير الماضي بعد وقوع الزلزال مباشرة.
وأضاف: «حددت لنا ساعة إقلاع من أبوظبي، فأعلنت حالة استنفار واكتملت تجهيزاتنا خلال خمس ساعات فقط، لينضم فريق من دبي يتكون من 46 شخصاً من شرطة دبي ومؤسسة الإسعاف والإسعاف الوطني، إلى بقية أعضاء الفريق الإماراتي من أبوظبي والدولة بشكل عام ليصل العدد إلى 110 أفراد».
وتابع أن «قيادة العمليات المشتركة بذلت جهداً كبيراً لتأمين المعدات التي يعمل بها فريق الإنقاذ الإماراتي، فتم نقلها في طائرات أخرى، لنكون أول فريق دولي يصل إلى منطقة كهرمان مرعش، بآلياته وأجهزته، عكس الفرق الأخرى التي استعانت بالمعدات التركية».
وقال إن «الوضع كان كارثياً هناك، وواجه الفريق تحديات بالغة الصعوبة بعد تحديد منطقة العمل من قبل منظمة إدارة الكوارث التركية (آفاد)، والمنظمات المختصة التابعة للأمم المتحدة، فالطرق كانت مدمرة، والجسور منهارة، فضلاً عن الزحام الرهيب للسكان الذين فروا من منازلهم وتجمعوا في الشوارع»، لافتاً إلى أن «رحلة الوصول إلى الموقع استغرقت أكثر من سبع ساعات، اضطر خلالها الفريق للتوغل في قرى وممرات جبلية».
وأكد أن «البرد القارص كان تحدياً كبيراً في حد ذاته، فرجالنا ليسوا معتادين على هذا المناخ المؤلم، لكنهم شرعوا مباشرة في العمل فور وصولهم إلى الموقع، على الرغم من الظلام الدامس بسبب انقطاع الكهرباء، وشاركوا فريقاً تركياً في إنقاذ فتاة من تحت الأنقاض».
وأوضح الحمادي أن «عملية الإنقاذ لم تنقطع، إذ قسم الفريق إلى فرق صغيرة متناوبة يسلم بعضها بعضاً، ولم تتجاوز فترة الراحة أحيانا ساعة واحدة، ننام خلالها في السيارات بسبب البرد الموجع».
وقال إن «أكثر اللحظات تعقيداً تمثلت في عملية إنقاذ الأسرة السورية، التي بدأت حين قدمت إلينا امرأة مسنة تخبرنا بأنها سمعت صوت استغاثة من تحت أنقاض بناية، فتوجهنا بناء على إشارتها لنجد مبنى منهارا كلياً، يصعب أن يوجد تحته أحياء».
وأضاف أن «رجالنا تمكنوا من تحديد مصدر الصوت، وسمعوا امرأة تطلب إنقاذها هي وأطفالها»، لافتاً إلى أن «صعوبة العملية تمثلت في ضرورة استخدام أدوات التكسير اليدوية لتفتيت الخرسانة بحذر، لأن المعدات الهيدروليكية يمكن أن تتسبب في حدوث انهيار إضافي، وقتلهم».
وتابع أنه تسلل بصعوبة بجزء من جسده إلى داخل حفرة شقها الفريق تحت المنطقة التي توجد فيها المرأة، وشاهدها وأطفالها الثلاثة مستلقين على سرير واحد، تجمعوا عليه حين فاجأهم الزلزال، مشيراً إلى أنها أخبرته بأن شيئاً يصطدم بظهرها ويسبب لها ألماً كبيراً، فتعمق أكثر لبجد قطعة خشبية تضرب ظهرها.
وقال إنه تمكن من قصها وتحرير المرأة منها، ما أشعرها ببعض الراحة.
وأكد الحمادي أن المشهد لا يمكن أن يفارق ذهنه أبداً على الرغم من خبرته الطويلة في هذا العمل، ومشاركته في عمليات إنقاذ بكوارث وزلازل في دول أخرى، إذ «كان المبنى شبه منهار على الأسرة، ولم يكن يفصل السقف الخرساني عن وجوههم سوى سنتيمترات قليلة تحول حتى دون استطاعتهم لمس وجوههم بأيديهم، واستمروا على هذه الوضعية أربعة أيام تقريباً قبل إنقاذهم».
وتابع أن فريق الإنقاذ استطاع إخراج الأم أولاً، لأنها كانت في بداية المسار الذي تم شقه، وأوصت قبل خروجها بتغطيتها، وهذا ما حرصنا عليه في مشهد إنساني لا يتكرر كثيراً، ثم أخرجنا أطفالها واحداً تلو الآخر، بعد سبع ساعات كاملة من العمل المضني الحذر، وسط دموع فرح لم يتمكن بعضنا من السيطرة عليها، إذ كنا عازمين من البداية على إخراجهم مهما كانت الظروف.
وأفاد الحمادي بأنه وعدد من رجال الإنقاذ في الفريق شاركوا في عمليات إنقاذ بعد كوارث كبرى، مثل تسونامي إندونيسيا وزلزالي إيران وباكستان، لكن يظل زلزال تركيا أكثر تعقيداً، في ظل الدمار الهائل الذي لحق بمناطق عدة تغيرت تضاريسها تماماً، وتحديات تمثلت في البرد القاسي والظلام لدرجة أننا كنا نشعر بأننا نعمل في مدينة أشباح، حيث يتجمع الناس في مشهد مؤلم جماعات للتدفئة حول نيران، وسط غبار وحرائق ظلت مشتعلة بعض الوقت.
زلازل أثناء العمل
قال الحمادي إن التحديات التي واجهها فريق الإنقاذ الإماراتي أثناء أداء مهامه، شملت وقوع زلازل وهزات متتابعة، مشيراً إلى أنه كان يتم تأمين المواقع جيداً، حرصاً على سلامة عناصر الفريق.
وذكر أن فريق الإنقاذ شارك في إنقاذ 10 أحياء، وانتشال 26 جثة، معرباً عن فخره واعتزازه بتمثيل بلاده في هذا العمل الإنساني العظيم، الذي يعكس قيمة الدولة، وحضورها الدائم وقت الشدائد لمساعدة الآخرين.
خبرة وشباب
وقال رجل المهمات الصعبة بإدارة البحث والإنقاذ، الملازم هاشم موسى محمد، إن «فريق شرطة دبي ضم مزيجاً من عناصر الخبرة الذين شاركوا في كوارث مماثلة سابقاً، وعناصر شبابية انتقلت لأول مرة للعمل في هذه الظروف الإنسانية المعقدة، لذا كان من الضروري تحضيرهم نفسياً حتى يمكن لهم اتخاذ القرارات المناسبة في الوقت المناسب، على الرغم من الظروف المحيطة بهم، لأن الجهوزية بالأفكار والخطط من أساسيات عمل رجل الإنقاذ».
وأضاف أن «التحديات كانت صعبة، وبدأنا العمل فور وصولنا مشاركين في إنقاذ رجل عانى يومين تحت أنقاض خمسة طوابق انهارت فوقه، وفتاة، ثم الأسرة السورية. وتوالت الحالات، في عملية إنقاذ مدروسة تولينا خلالها جانباً رئيساً في ظل الإمكانيات الكبيرة التي وفرتها لنا قيادة العمليات المشتركة بنقل آلياتنا ومعداتنا».
وأفاد عضو الفريق الرقيب أول، حسن علي عبدالسلام، بأن فريق شرطة دبي مدرب بشكل كامل على التعامل مع الحوادث، سواء الانهيارات أو الإنقاذ في الأماكن الضيقة، لافتاً إلى أن التحدي الأول الذي واجهه في زلزال تركيا هو سرعة الاستجابة، والتجهيز للرحلة التي انطلقت خلال خمس ساعات فقط من الاستدعاء.
وأكد أن «الجميع عمل كخلية نحل، وتعاون بشكل رائع فلبينا النداء على أفضل ما يكون، وكنا أول من استجاب ووصل إلى الأراضي التركية بمعداتنا وآلياتنا»، مشيراً إلى أن «الوضع كان كارثياً حين وصلنا، فالدمار كان يحل بالمكان بشكل مؤلم، ومن الطبيعي أن نتوقع وجود ضحايا تحت الأنقاض، سواء كانوا أحياء يحتاجون مساعدتنا الفورية أو جثثاً يجب انتشالها».
الكلاب البوليسية
وقال الرقيب محمد عبدالله، من إدارة التفتيش الأمني «كي9»، إنه شارك ضمن فريق العمل بالكلاب البوليسية، وتم اصطحاب الفصائل المتخصصة في اكتشاف الجثث، وأخرى في العثور على المفقودين الأحياء.
وأضاف أن فريق العمل وزع على منطقة كهرمان مرعش، وباشر الإنقاذ بفرق المفقودين في البداية، وسط صعوبات كبيرة، تمثلت في وجود عوائق وانهيارات كبرى، تحول دون الوصول إلى الأشخاص المحاصرين تحت الأنقاض حتى في حالة رصدهم من خلال الكلاب، وكان هذا يلقي بظلال إنسانية ثقيلة على قلوبنا، لأن إنقاذ شخص كان يمكن أن يكلف خسارة فريق كامل.
لمشاهدة الفيديو، يرجى الضغط على هذا الرابط.
استجابة سريعة
قال الضابط المتخصص بالأزمات والكوارث، الملازم حسن إسماعيل البلوشي، من مركز المرونة بالقيادة العامة لشرطة دبي، إن «المركز تابع الزلزال منذ اللحظة الأولى عبر منظومة الإنذار المبكر، وأبلغت القيادات بتطوراته الحالية، فتم تكليفنا من قبل القائد باتخاذ الاستعدادات اللازمة انتظاراً للاستدعاء الرسمي، وهذا كان كفيلاً بتحقيق سرعة استجابة مثالية».
وأضاف أن مركز المرونة تولى وفق دوره التنسيق مع الشركاء المختلفين من إسعاف دبي، والإسعاف الوطني ورجال الإنقاذ والتفتيش الأمني «كي 9» من شرطة دبي، ومن ثم جاء الاستدعاء من قيادة العمليات المشتركة بالقوات المسلحة التي لم تدخر جهداً في عملية «الفارس الشهم 2» سواء بتوفير جسر جوي ينقل الرجال والمعدات في مشهد إنساني رائع.
وأشار إلى أن «مركز المرونة تولى تأمين احتياجات الفريق، من وسائل الاتصال، وانتقل معه إلى تركيا لتجهيز موقع التمركز، بالتوازي مع تفعيل غرفة عمليات في مقر المركز بالقيادة العامة لشرطة دبي، وتشغيل نظام المناوبة على مدار الساعة لمتابعة سير العمليات دقيقة بدقيقة، مؤكداً أن مشاعر أعضاء الفريق كانت مزيجاً من الحزن بسبب الكارثة الكبرى، والفخر بالحضور القوي للدولة ساعة اشتداد الأزمة».
وقال إن «التوجيهات التي جاءت لفريق الإمارات في تركيا وسورية، هي أن نكون آخر المغادرين».
• «عملية إنقاذ الأسرة السورية بدأت حين قالت امرأة مسنة إنها سمعت صوت استغاثة من تحت أنقاض بناية منهارة».
• «الفريق قسم إلى فرق صغيرة متناوبة.. يسلم بعضها بعضاً، ولم تتجاوز فترة الراحة أحياناً ساعة واحدة».
• «تجهيز غرفة عمليات في مركز المرونة.. وتفعيل نظام المناوبة لمتابعة الموقف على مدار الساعة».
• «الفريق الإماراتي استعان بكلاب متخصصة للبحث عن المفقودين.. وأخرى لانتشال جثث الضحايا».