عندما أقرّ الكونغرس الأميركي – بشكل محموم – اتفاق اللحظة الأخيرة لتجنّب إغلاق الحكومة، فقد فعل ذلك على حساب إحدى أهم أولويات السياسة الخارجية للرئيس جو بايدن: المساعدات الأميركية لأوكرانيا، حيث يقول المسؤولون في كييف، إنه إذا تقلّصت المساعدات العسكرية الأميركية فسيموت مزيد من الأوكرانيين.
وجاء الاتفاق المؤقت لمواصلة تمويل الحكومة الأميركية لمدة ستة أسابيع فقط، بعد أن تخلى رئيس مجلس النواب، كيفن مكارثي، عن المطالبة بستة مليارات دولار من المساعدات الإضافية لأوكرانيا للمضي قدماً في الصفقة، وهي مساعدة عارضتها الأقلية اليمينية المتطرفة من الجمهوريين في مجلس النواب.
ومن المقرر أن يبدأ الكونغرس مفاوضات جديدة بشأن حزمة تمويل منفصلة لأوكرانيا في المستقبل، وما تزال أغلبية كبيرة من الجمهوريين والديمقراطيين في «الكابيتول هيل» تؤيد إرسال مزيد من المساعدات الأميركية إلى أوكرانيا.
ومع ذلك هناك شعور متزايد بعدم الارتياح في مؤسسة الأمن القومي في واشنطن، وكذلك في كييف، بشأن هذه الملحمة. وينظر العديد من المسؤولين – على ضفتي الأطلسي – إلى ملحمة إغلاق الحكومة الأميركية باعتبارها علامة على تلاشي عزم الولايات المتحدة على دعم دفاع حربها واسعة النطاق على روسيا.
وقال بايدن قبل التوصل إلى الاتفاق لتجنّب إغلاق الحكومة: «لا يمكننا – تحت أي ظرف من الظروف – السماح بانقطاع الدعم الأميركي لأوكرانيا».
ويخشى البعض في الغرب من أن تؤدي المعارك السياسية في واشنطن، إلى عواقب وجودية على أوكرانيا التي تلقّت نحو 44 مليار دولار من المساعدات العسكرية الأميركية، وفقاً لبيانات وزارة الخارجية، أي أكثر من سبعة أضعاف ميزانية الدفاع في كييف قبل الحرب التي نشبت في فبراير 2022.
لقد تعثّر الهجوم المضاد الذي طال انتظاره في الربيع الأوكراني – إلى حد كبير – في مواجهة خطوط دفاعية روسية كثيفة، مع تحقيق اختراقات محدودة تنبئ بحرب طويلة مقبلة. وتعمل روسيا على تكثيف إنتاجها من المدفعية وغيرها من الذخائر، في حين تحتاج أوكرانيا إلى مزيد من القوة النارية من الغرب، وخصوصاً الولايات المتحدة، مع تزايد الطلب الأوروبي على الأسلحة.
وفي الوقت نفسه، يراقب المسؤولون الأوكرانيون – بتوتر من بعيد – التوصل إلى صفقات سياسية عالية المخاطر في واشنطن بشأن المساعدات المقدّمة لكييف قد تُفضي إلى تعزيز أو إضعاف قدرتهم على شن الحرب.
ويقول النائب الأوكراني، يهور تشيرنييف، الذي يعمل في لجنة الأمن القومي في البلاد: «نشعر بأننا رهينة للصراع السياسي الداخلي في الولايات المتحدة». ويضيف: «إذا تأخرت المساعدات، فهذا يعني انخفاضاً حاداً في قوتنا النارية وزيادة في الخسائر البشرية».
ويقول أنصار أوكرانيا، إن الشكوك التي تتجذّر في بعض أجنحة الحزب الجمهوري، تصب في مصلحة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وستؤدي في نهاية المطاف إلى تقويض قدرة أوكرانيا على الدفاع عن نفسها، وإلى مزيد من عدم الاستقرار في أوروبا، وهم يجادلون بأنه مقابل مبلغ زهيد يمثل جزءاً صغيراً من ميزانية الدفاع السنوية للولايات المتحدة، ومع عدم تعرّض أي أميركي للأذى، تساعد أوكرانيا في القضاء على جيش أحد أكبر منافسي أميركا الجيوسياسيين.
ويقول وزير دفاع لاتفيا السابق، أرتيس بابريكس: «نحن قلقون بشأن الإرهاق العام الذي تعانيه بعض الدول الحليفة، بما في ذلك المجر، والانتخابات الأخيرة في سلوفاكيا». ويسترسل: «تعتقد لاتفيا – بقوة – أن دعم أوكرانيا في حربها مع روسيا يجب عدم التلاعب به».
ويرى الروس أنه إذا كان ما يزال هناك ضعف في الدعم، فإن ذلك يشجعهم على مواصلة الحرب وتعريض الغرب بأكمله للخطر. وفي حين تتمتع أوكرانيا بقدرات عسكرية أكثر فاعلية وبشرائح ضخمة من المساعدات العسكرية الغربية المقدمة لها، فإن روسيا تتمتع بالقوة من حيث العدد والكتلة. ويقدّر إجمالي عدد الأفراد العسكريين في أوكرانيا بنحو 500 ألف جندي، بما في ذلك الجنود العاملون وقوات الاحتياط، مقارنة بـ1.3 مليون في روسيا، وفقاً للمحللين.
ويقول معارضو المساعدات الإضافية، إن الولايات المتحدة، قدّمت بالفعل مليارات الدولارات من المساعدات الاقتصادية والأسلحة لأوكرانيا، وإن الوقت قد حان لإعادة تخصيص الموارد الحكومية للمشكلات الأقرب إلى الوطن، مثل الحدود الجنوبية، والاستعداد لمواجهة جيوسياسية جديدة ضد الصين.
ويمكن أن يحقق الكونغرس أو يحطّم مستقبل المساعدات الأميركية التي يُنظر إليها على أنها واحدة من أهم أجزاء استراتيجية أوكرانيا الدفاعية. وبعيداً عن المستويات التاريخية للمساعدات العسكرية لأوكرانيا، تُنفق الولايات المتحدة حالياً نحو ثلاثة مليارات دولار لدعم صناعة الدفاع في أوكرانيا، والمساعدة في سد العجز في ميزانيتها، مع توفير المساعدات الإنسانية ومساعدات الطاقة.
وتقول الخبيرة في قضايا الدفاع في المجلس الأطلسي، راشيل ريزو: «ما يزال هناك إجماع واسع بين الحزبين حول استمرار الدعم لأوكرانيا، لكن الأصوات المتشككة في الكابيتول هيل، عالية». وتضيف: «إن الاقتتال الأخير داخل الحزب الجمهوري يُظهر أن زمرة صغيرة – ولكنها صاخبة من المنتقدين – يمكن أن تُحبط التقدم حقاً».
ويقول مكارثي إنه يدعم زيادة التمويل الأميركي لأوكرانيا، لكن عليه الاستماع إلى مطالب تجمّعه لتأمين التمويل أولاً للحدود الجنوبية مع المكسيك. وتحتفظ أوكرانيا بدعم واسع النطاق من الحزبين في مجلسي الكونغرس، بما في ذلك عدد من المشرعين الجمهوريين الأقوياء، مثل زعيم الأقلية في مجلس الشيوخ، ميتش ماكونيل، والنائب مايكل ماكول، رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب، لكن خطوط الاتجاه هذه آخذة في التغير.
ويصر الأوروبيون على أن الولايات المتحدة هي العضو الأساسي في التحالف من أجل أوكرانيا، لذا فإن أي علامة تشير إلى أن المساعدة الأمنية من واشنطن قد توقفت، فإن ذلك يدق أجراس الخطر.
ويعتقد الخبراء والمحللون أن المعركة حول مساعدات أوكرانيا – التي يقودها متشككون مثل النائبين الجمهوريين مات جايتس، وأندي بيجز – تكتسب زخماً، حيث تُظهر استطلاعات الرأي العام الأميركي أن حماس الناخبين لدعم أوكرانيا يتضاءل ببطء، مع مرور الوقت.
ويقول مسؤول ليتواني تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته، منتقداً السياسة الداخلية للولايات المتحدة: «بوتين أصبح تحت جلد الأميركيين». ويضيف: «إنه لأمر محزن للغاية أن نرى بعض السياسيين الأميركيين على هذا القدر من قصر النظر، ينتظرون حدوث بيرل هاربور التالي في أوروبا، أو منطقة المحيطين الهندي والهادئ».
وفي علامة محتملة أخرى على ضعف عزيمة الغرب تجاه أوكرانيا، فاز حزب شعبوي – يرأسه سياسي يُنظر إليه على أنه موالٍ لروسيا – بأكبر عدد من الأصوات في الانتخابات العامة التي جرت في سلوفاكيا يوم الأحد. وطُلب من رئيس الوزراء السلوفاكي السابق، روبرت فيكو، تشكيل حكومة ائتلافية جديدة، بعد أن تغلّب حزبه على حزب سلوفاكيا التقدمي الليبرالي الموالي للغرب، في انتخابات يمكن أن تزيد تقويض عزم الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي (الناتو) بشأن أوكرانيا.
• في علامة محتملة أخرى على ضعف عزيمة الغرب تجاه أوكرانيا، فاز حزب شعبوي – يرأسه سياسي يُنظر إليه على أنه موالٍ لروسيا – بأكبر عدد من الأصوات في الانتخابات العامة التي جرت في سلوفاكيا يوم الأحد.