أكدت إدارات مدارس خاصة أن الطلاب الذين ينتقلون من مدارسهم إلى مدارس جديدة، يواجهون نسبة أعلى من التنمر، مقارنة بزملائهم من الطلبة الآخرين.
ويتخذ التنمر صوراً متعددة، منها العزلة عن المحيط المدرسي، إذ يعتبر بعض الطلبة القدماء أي طالب جديد شخصاً دخيلاً، أو غريباً عنهم، ويتحاشون اللعب معه، الأمر الذي يؤثر سلباً في نفسيته وقد يتسبب في تدني مستواه التعليمي، وشعوره بالحزن، ورفض ذهابه إلى المدرسة، ومطالبة ذويه بإعادته إلى مدرسته السابقة.
وأفادت بأنها اتخذت إجراءات للحد من انتشار التنمر بين الطلبة، مشيرة إلى إعادة دمج طلبة متنمرين في الفصول الدراسية، وتوجيه إنذارات إلى آخرين، إضافة إلى رفض إعادة تسجيل متنمرين خلال العام الدراسي الجاري.
وتفصيلاً، قال ذوو الطلبة، ليث أبوالأدهم، ورامي الشامي، وياسمين أبوجبر، وهبة الخليلي، إن أبناءهم تعرضوا للتنمر بعد نقلهم إلى مدارس أخرى بعد بقائهم لسنوات طويلة في مدارسهم السابقة، بسبب وجود «شللية» بين الطلبة القدماء ورفض انضمام أي طالب جديد، ورفض مشاركة أي طالب جديد في لعبة كرة القدم معهم خلال فترة الاستراحة.
وأضافوا أن هذه الممارسات كانت سبباً في معاناة أبنائهم نفسياً، وتدني مستوياتهم الدراسية، ورفضهم الذهاب إلى المدرسة، والإصرار على نقلهم إلى مدارسهم السابقة.
ولفتوا إلى أن أبناءهم يأتون بعد انتهاء الدوام الدراسي في حالة بكاء وحزن شديد بسبب رفض الطلاب الآخرين التحدث معهم.
وأشارت إدارات مدرسية خاصة إلى أن «ظاهرة التنمر بين الطلبة تأخذ أشكالاً مختلفة مع مرور السنوات، فقد تمثلت سابقاً في تهكم طلبة المرحلة الإعدادية على طلبة المرحلة الابتدائية والاعتداء عليهم بالضرب أو الشتم، ولاحقاً أخذ التنمر شكل التهكم على صفات الطالب الشخصية وحالته البدنية، وانصب بشكل خاص على الطلبة الجدد».
وأضافت أنها تنظم، مع بداية كل عام دراسي، محاضرات تثقيفية في الفصول الدراسية حول مخاطر التنمر، وتوعي ذوي الطلبة بأهمية توجيه أبنائهم بعدم التنمر على زملائهم باعتبار أن هذا السلوك يعد تدنياً أخلاقياً وتربوياً.
كما أكدت اتخاذ إجراءات للحد من ظاهرة التنمر بين الطلبة، تضمنت توزيع من يشكلون مجموعات على أكثر من فصل دراسي للحد من اختلاطهم.
وأشارت إلى إجراءات أكثر صرامة بحق الطلبة غير الملتزمين بلائحة السلوك الطلابي من خلال توجيه إنذارات للطلبة الذين تتكرر حولهم الشكاوى من زملائهم، إضافة إلى رفض إعادة تسجيل بعض الطلبة مع بداية العام الدراسي لتجاوزهم الحد المسموح به من الإنذارات خلال العام الدراسي الماضي.
من جانب آخر، أكد مختصون وتربويون أن هناك مسؤولية رئيسة تقع على عاتق الإدارات المدرسية والأسر لحماية الأبناء من التنمر، لاسيما أن تلك الظاهرة دخيلة على المجتمع الإماراتي، لذلك وجب تطبيق لائحة وزارة التربية والتعليم على الطلبة المتنمرين عبر خصم درجات السلوك منهم كوسيلة رادعة، فضلاً عن نشر برامج التوعية بخطورة التنمر داخل المدارس.
وأكدت أستاذة علم الاجتماع في جامعة المدينة عجمان، الدكتورة مريم أحمد قدوري، انتشار التنمر بين الطلبة.
وأضافت أن «لهذه الظاهرة تأثيرات مختلفة، أهمها العنف اللفظي، والجسدي، والكراهية، والتعثر الدراسي، والتسرب من المدرسة».
وأكدت ضرورة تفعيل دور الإدارة المدرسية في التصدي لهذه الظاهرة، والحد من تفاقمها، مضيفة أن «على الإدارات المدرسية ملاحظة السلوكيات العدوانية للطلبة داخل المدرسة، والتدخل السريع من المشرفين والمعلمين والأخصائيين الاجتماعيين لتوعيتهم بخطورة التنمر، وفي حال لم ينفع الإرشاد التربوي في حل المشكلة، فعلى إدارة المدرسة تفعيل قوانين الضبط الإيجابي، مثل استدعاء ولي أمر الطالب المتنمر وإنذاره بعقوبات أكبر في حال كرّر التنمر على زملائه».
وأكدت ضرورة «الصرامة في تطبيق العقاب»؛ موضحة أنه «كلما تنمر طالب على زملائه وجب عقابه بالطرق الإيجابية، إلى أن يدرك أن عليه احترامهم».
وقالت إن «مسؤولية المدرسة لا تقتصر على التعليم، بل تشمل التربية، وهذا ما تسعى القيادة إلى تطبيقه لإعداد نشء صالح يخلو من كل أنواع العنف والتمييز والعنصرية».
وتابعت أن «الأسرة تعتبر أول وأهم مؤسسة في حياة الطفل، وعليها قدر كبير من المسؤولية تجاهه، فهي التي تنجب، وهي التي تنشئ أفرادها تنشئة اجتماعية تتفق مع ثقافة وقيم ومعايير وعادات وقوانين المجتمع، ولها صلاحية تطبيق الضبط على أبنائها. وحتى ينجح الآباء في الحد من ظاهرة التنمر، فعليهم أولاً الحرص على أن يكون سلوكهم هم سوياً وإيجابياً، لأن تنشئة الطفل تقوم على ملاحظة الطفل سلوك والديه؛ فإذا كان أحدهما متنمراً أو عنيفاً، فإنه يقلده ويطبق ذلك على زملائه في المدرسة».
وأكدت أن «المسؤولية تقع على الجميع بدءاً من الأسرة ثم المدرسة والإعلام والمسجد والمجتمع؛ فكلما تكاتفت الجهود كان باستطاعتنا تخفيف ضرر هذه الظاهرة التي قد تفضي إلى انحرافات سلوكية وجرائم وأمراض نفسية، مثل العنف والانتحار والقتل والاكتئاب والانتقام والكراهية وغيرها، وهذا كله يجب متابعته بمختلف أساليب التربية وتقويم السلوك بالإرشاد وأساليب العقاب بما يتناسب مع عمر الطالب».
وقال الخبير التربوي، الدكتور ماهر حطّاب، إن «التنمر في المدارس يعتبر من أخطر ما يتعرض له الطلبة، سواء أكان من طالب لطالب أم من معلم لطالب، لأن التنمر يقوم على الاعتداء على الضحية جسدياً ونفسياً، وهو من شأنه أن يُفقده ثقته بنفسه ويفرض عليه حالة من اليأس والإحباط بحيث يذهب عنه متعة الحياة التعليمية والاجتماعية ويغلق فكره ويقتل طموحه ويجعله بلا هدف، وهو قتل حقيقي للضحية بلا ذنب».
وأشار إلى أن «العاملين في المؤسسات التعليمية يحملون مسؤولية توفير بيئات آمنة في المدارس لمنع التنمر بين الطلبة ومحاسبة المتنمرين، وتبدأ واجباتهم في احترام حقوق الطفل وإعطائه مساحة واسعة من الحرية والكرامة، وليكون المعلم نموذجاً يُحتذى به أمام الطلبة في احترام الآخرين وتقدير حرياتهم. كما يتحمل الأخصائيون مسؤولية تفقّد احتياجات الطلبة والاطمئنان إلى أوضاعهم وراحتهم داخل المدرسة، من خلال التوعية ونبذ العنف والعنصرية والتمييز بين الطلبة».
وأضاف أن «ضمان أمن الطلبة ومنع التنمر بينهم يستدعي متابعة الطلبة ميدانياً وتحسس احتياجاتهم من خلال الملاحظات واللقاءات الفردية والجمعية والاستبانات، ومن خلال التواصل مع أولياء أمورهم».
وتابع أن «على المسؤولين فتح أبوابهم أمام التلاميذ ومنحهم فرصة التعبير عن آرائهم وتقديم مقترحاتهم بحرية ومن دون إجراءات معقدة تعرقل تواصل الطلبة معهم».
وقال الخبير التربوي، الدكتور سعيد نوري، إن التنمر ظاهرة غريبة على المجتمع الإماراتي المعروف بالتسامح والتعايش، فلم تكن موجودة قديماً، لكنها ظهرت منذ سنوات نتيجة التطورات المتسارعة في وسائل التواصل الاجتماعي.
وأضاف: «يجب أن نركز على أن هذه المشكلة مسؤولية أكثر من طرف، أهمهم البيت ووسائل الإعلام والمدرسة»، شارحاً أن «ثقافة الوالدين تنشر في أبنائهما ماهية التنمر وكيفية تجنبه وخطورة إيذاء الآخرين لفظياً أو جسدياً، لذا يجب عليهما تحذيرهم من التنمر على أقرانهم، وأن يكون تعاملهم نابعاً من عاداتنا وثقافتنا وأخلاقياتنا».
أما دور وسائل الإعلام، مثل الصحافة والتلفزيون، فهو التركيز على مخاطر التنمر وكيفية التغلب عليه ونشر برامج التوعية. وتابع نوري: «دور المدرسة بث برامج توعية لمنع التنمر، سواء في الإذاعة المدرسية أو لقاءات أولياء الأمور».
وقال إن «هناك لائحة من وزارة التربية والتعليم تواجه هذه الظاهرة بفرض وسائل عقابية على المتنمرين عبر التنبيه، واحتساب درجة السلوك للطالب المتنمر بالنقصان وإبلاغ ولي الأمر بذلك، وتوعيته بأن هذا سيكون عائقاً أمام الطالب إذا انتقل إلى مدرسة أخرى، أو إلى الجامعة».
وشدّد على استخدام الدرجات السلوكية كسلاح فعال للحد من التنمر وردع المتنمرين، وواجب أولياء الأمور أن يخصصوا وقتاً لتوعية أبنائهم.
الدكتورة مريم قدوري: إذا لم ينفع الإرشاد التربوي في حل مشكلة التنمر، فعلى إدارة المدرسة تفعيل قوانين الضبط الإيجابي.
الدكتور ماهر حطّاب: المؤسسات التعليمية مسؤولة عن توفير بيئات آمنة لمنع التنمر بين الطلبة ومحاسبة المتنمرين.
الدكتور سعيد نوري: التنمر ظاهرة غريبة عن المجتمع الإماراتي المعروف بالتسامح والتعايش، وهي لم تكن موجودة قديماً.
. التنمر يؤثر في الضحايا نفسياً، ويتسبب في تدني مستوياتهم الدراسية، ورفضهم الذهاب إلى المدرسة.
. الأسرة هي أول وأهم مؤسسة في حياة الطفل.. وعليها قدر كبير من المسؤولية تجاهه.