خالد أبوحصيرة، البالغ من العمر 35 عاماً، شاب فلسطيني حاله كحال سكان قطاع غزة، أوصدت إسرائيل حدود مدينتهم المحاصرة، لتتبخر أحلامهم وطموحاتهم على عتبات معابر مغلقة، وأميال بحرية مقيدة، إلا أن خالد لم يقبل أن يكون رقماً مضافاً إلى أعداد المحاصرين على اليابسة، فاتجه إلى أعماق البحر بحثاً عن ضالته هناك.
العثور على اللؤلؤ المكنون في بطن المحار البحري (أحد أثمن أنواع الحجارة الكريمة) نهاية مطاف رحلة خالد إلى أعماق يبلغها يومياً بواسطة أنفاسه التي تعد المعيل الوحيد له، إلى جانب خبرته في الغوص والصيد المتوارثة عبر أجيال عائلته.
الوصول إلى المحار الملتصق بصخور أعماق لا حدود لنهايتها، يعد مهمة شاقة للغاية، خصوصاً عندما يكون الحديث عنها في غزة المفتقرة لأدنى الإمكانات، التي أبرزها عدم توافر أسطوانات الأكسجين، ومعدات الغوص، لكن جميع ذلك تجاوزه الشاب أبوحصيرة، الذي اعتمد على ذاته في تعلم مهارات لا حصر لها، وبواسطة أدوات بسيطة جداً.
مشاقّ كثيرة
رافقت «الإمارات اليوم» خالد خلال رحلته اليومية داخل الأعماق البحرية، التي تستمر ساعات عدة، حيث يرتدي زياً للغطس، ويصطحب منظاراً يساعده على الرؤية تحت سطح البحر، وزعانف بلاستيكية يرتديها في قدميه تمكنه من الغوص نحو أعماق أبعد، أما حمل الشاب أبوحصيرة أسطوانات الأكسجين على ظهره والغطس بها لأجل الغوص فهذا مشهد يغيب داخل غزة المحاصرة، كونها نادرة الوجود بحكم إغلاق المعابر، ليعتمد خالد على خبرته في حبس الأنفاس والغطس دقائق عديدة.
يقول خالد قبل البدء برحلة غوصه داخل الأعماق: «أهوى الغوص، وأمارسه منذ طفولتي، فعائلتي تعمل في مجال الصيد منذ القدم، فيما يجاور منزلي شاطئ البحر في حي الميناء غرب مدينة غزة». ويواصل أبوحصيرة حديثه: «بعد أن رافقتني هواية الغوص طويلاً، خطرت ببالي فكرة جديدة غير منتشرة في غزة، تعتمد على خبرتي في الغوص، وتعد مصدر رزق في الوقت ذاته، رغم أنها مهمة خطرة وشاقة».
ويشير الشاب خالد إلى أن عملية الوصول إلى المحار ليست سهلة على الإطلاق، فبعد أشهر عدة من الغوص والبحث في الأعماق، يعثر بعد مشاق كثيرة على أنواع المحار البحري الذي يضم اللؤلؤ الحر، أحد أثمن الأحجار الكريمة.
رحلة نحو الأعماق
يشرح خالد عملية العثور على المحار خلال رحلة غوص يومية تمتد ساعات: «أشق عباب البحر بواسطة قارب صغير يومياً، وصولاً إلى مسافات أكثر عمقاً داخل بحر غزة، والتي تبلغ مئات الأمتار، ومن خلال القارب أمارس عملية الغوص التي ترتكز على أنفاسي الطويلة، ومن ثم أعود إلى سطح البحر، مكرراً ذلك مرات عدة».
ويسترسل: «خلال عمليات الغوص المستمرة أبحث بتمعن شديد بواسطة مصباح مائي عن كميات المحار بين الصخور المتناثرة داخل أعماق متفاوتة، وبعد جمع كميات من المحار والتوجه إلى شاطئ البحر أفتحها واحدة تلو الأخرى، بحثاً عن لؤلؤ طبيعي حر». بعد انتهاء خالد من عملية الغوص والتنقيب بين صخور الأعماق البحرية يعود ثانية إلى اليابسة، فينثر كميات المحار التي جمعها على رمال شاطئ البحر، يفتحها واحدة تلو الأخرى، بحثاً عن اللآلئ بين الإفرازات الرخوية.
ويبين أبوحصيرة أنه من بين 20 محارة يستخرجها من أعماق بحر غزة يعثر على لؤلؤة واحدة، وهو يعد إنجازاً بالنسبة إليه مقارنة بندرة هذا النوع في القطاع المحاصر. ويقول الشاب خالد: «إن انتشار اللؤلؤ في بحر غزة منخفض للغاية، فرواجه من حيث الكم والحجم قليل، وتداوله لدى الصاغة ضعيف، مقارنة بالتداول الكبير للحجر الكريم في دول الخليج العربي التي يزخر بحرها بكميات جمة من لآلئ المحار البحري».
• الوصول إلى المحار الملتصق بصخور أعماق لا حدود لنهايتها؛ مهمة شاقة للغاية، خصوصاً عندما يكون الحديث عنها في غزة المفتقرة لأدنى الإمكانات، التي أبرزها عدم توافر أسطوانات الأكسجين، ومعدات الغوص.
• من بين 20 محارة يستخرجها من أعماق بحر غزة يعثر الشاب خالد على لؤلؤة واحدة، وهو يعد إنجازاً بالنسبة إليه، مقارنة بندرة هذا النوع في القطاع المحاصر.