صافح الرئيس الكوري الشمالي، كيم جونغ أون زعيمين دوليين تفصل بين كل مصافحة والأخرى خمس سنوات. الأولى، مع الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، جرت في فندق منتجعي من فئة ست نجوم في سنغافورة في يونيو 2018. أما الثانية، مع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في سبتمبر على منصة إطلاق الصواريخ في سيبيريا.
ومن الحديث عن نزع السلاح النووي مع الولايات المتحدة إلى توريد الأسلحة إلى روسيا، ربما تغير الأصدقاء الأقوياء، لكن الزعيم الكوري الشمالي يظل مبتسماً. وفي اجتماع نهاية العام لحزب العمال يوم الخميس، طلب كيم من حزبه «تسريع الاستعدادات للحرب» وسط أعمال المواجهة «غير المسبوقة» التي تقودها الولايات المتحدة. وقال كيم أمام الجلسة العامة التاسعة للجنة المركزية الثامنة لحزب العمال الحاكم في كوريا الشمالية، إن الوضع العسكري في شبه الجزيرة الكورية أصبح «متطرفاً»، مضيفاً أن الشمال سيعزز العلاقات مع الدول «المناهضة للإمبريالية». وقال إن هذا العام كان «عام تحول عظيم وتغيير عظيم».
من الشائع أن يعتقد البعض أن كوريا الشمالية دولة لا تتغير، أو شيء غريب من الحرب الباردة ظلت قائمة حتى يومنا هذا، ولكن العام الماضي أظهر قدرة كيم على التكيف مع الحقائق الجيوسياسية المتغيرة وتحقيق التوازن بين العدوان والتسوية. ففي الأشهر الأخيرة، واصل السير على طريق التطور العسكري فائق السرعة، في حين كان يتودد إلى روسيا ويظل على الجانب الأيمن من الصين. حتى إنه سمح بقدر ضئيل من المعارضة السياسية في بلد معروف بأنه الأكثر قمعاً وتعصباً في العالم.
ويتمثل التحدي الأكبر الذي يواجه كيم في السياسة التي تبنتها حكومة كوريا الجنوبية منذ انتخاب رئيسها المحافظ يون سوك يول في العام الماضي. وكان سلف يون، الليبرالي مون جاي إن، يتبع سياسة العقوبات، إلى جانب التعامل الصبور مع الشمال. أما يون وحلفاؤه في إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، فقد اتخذوا وجهة نظر مختلفة – فبدلاً من سياسة عدم الاكتراث بالتجارب الصاروخية لكوريا الشمالية، التي كان ينتهجها مون جاي إن، واجهوها بـ «عروض القوة» الخاصة بهم، بهدف توضيح مدى خطورة كيم على السلام العالمي.
وعليه فقد أبحرت حاملات الطائرات الأميركية، والغواصات النووية، وقاذفات القنابل بعيدة المدى بالقرب من كوريا الجنوبية. وأجرى الجانبان تدريبات عسكرية واسعة النطاق وأجريا اختبارات أسلحة خاصة بهما. وحذر يون من شن ضربات استباقية على مواقع الصواريخ الكورية الشمالية إذا بدا أنها تستعد لهجوم. لقد تخلى يون عن اتفاق عسكري يهدف إلى تقليل فرص الصراع بين الخصمين. وقد أدى كل هذا إلى زيادة التوتر في شبه الجزيرة بشكل كبير وزاد من فرص ما يسمى «سوء التقدير»، حيث يفترض أحد الطرفين أن الطرف الآخر على وشك الهجوم، فيبدأ أولاً. لكن لم يكن لذلك تأثير رادع واضح على كيم.
وتَعِد سياسة يون، التي يسميها «المبادرة الجريئة»، بتقديم المساعدة إذا تخلت كوريا الشمالية عن أسلحتها النووية. ومع ذلك، ربما كان التأثير الإجمالي يتلخص ببساطة في تعزيز اقتناع كيم بأنه كلما زادت قوة قواته العسكرية، كلما أصبح أكثر أماناً.
بعد أن قام كيم بتجميع ترسانة مكونة من بضع عشرات من الرؤوس الحربية النووية، أمضى العامين الماضيين في اختبار مجموعة من أنظمة الأسلحة التي يمكن إطلاقها من عليها، بما في ذلك صواريخ كروز قصيرة المدى، وصواريخ تفوق سرعتها سرعة الصوت سريعة وعالية المناورة، وصواريخ يمكن إطلاقها من القطارات والغواصات.
وفي فبراير، وفقاً لوسائل الإعلام الرسمية، أشرف كيم على اختبار «طائرة نووية بدون طيار هجومية تحت الماء»، قادرة على إطلاق «تسونامي إشعاعي واسع النطاق» على السفن البحرية والموانئ الساحلية.
وفي ديسمبر، أجرت كوريا الشمالية اختباراً آخر لسلاحها الأكثر إثارة للقلق، وهو صاروخ هواسونغ 18، الباليستي عابر للقارات القادر على حمل رأس حربي نووي إلى البر الرئيسي للولايات المتحدة. وفي نوفمبر نجح كيم في إطلاق قمر اصطناعي للتجسس.
وكانت عمليات إطلاق الأقمار الاصطناعية السابقة قد فشلت، لكن هذه المرة حصل كيم وعلماؤه على المساعدة من الخبراء الروس، وهو ما وعدوا به خلال اجتماع قمته في سبتمبر مع بوتين. وليس من الواضح ما إذا كانت مساعدتهم حاسمة أو أن الخدمة المتبادلة – الذخيرة التي قدمتها كوريا الشمالية لروسيا – ستحدث فرقاً كبيراً في حرب بوتين على أوكرانيا. لكن الرمزية واضحة وحاسمة: إذا كانت هناك أي شكوك، فإن عصر التعامل مع الولايات المتحدة قد انتهى إلى الأبد.
وعلى الصعيد المحلي، وكذلك في العلاقات الدولية، اتبع كيم خطاً متشدداً. إذ اتخذت السلطات إجراءات صارمة ضد تأثير الثقافة الكورية الجنوبية من خلال الأفلام والبرامج التلفزيونية التي يتم تهريبها إلى الشمال عبر الأجهزة الرقمية. وتتم معاقبة أساليب الكلام أو اللباس في كوريا الشمالية. وصف أحد المنشقين أخيراً عملية الإعدام العلنية لرجل يبلغ من العمر 22 عاماً، لأنه استمع إلى الموسيقى الكورية الجنوبية وشاركها مع أصدقائه.
وبعد أن أغلقت حدودها خلال جائحة «كوفيد-19»، واصلت كوريا الشمالية قمع المنشقين، وتضييق الخناق على المعابر عبر الحدود الشمالية الطويلة مع الصين، وتفيد التقارير بزرع الألغام لردع الهاربين. ولكن كوريا الشمالية في عهد كيم جونغ أون ليست مثل ما كانت عليه الحال في عهد والده وجده، فهو لا يزال يشرف على تغييرات لم يكن من الممكن تصورها ذات يوم.
التغيير الأول هو ظهور نساء قويات وبارزات في مجتمع كان في السابق أبوياً بشدة. وزيرة الخارجية ورئيسة البروتوكول في حكومة كيم أنثى. وشقيقته كيم يو جونغ هي ثاني أقوى شخصية في البلاد. وكثيراً ما تُرى زوجته، ري سول-جو، إلى جانبه وكذلك ابنته الصغيرة، جو-آي، التي تبدو أكثر فأكثر وكأنها الوريث الواضح.
بل إنه تسامح مع ظهور المعارضة السياسية، ولو بشكل ضئيل. لقد أجرت كوريا الشمالية منذ فترة طويلة ما يسمى بالانتخابات التي يقف فيها أعضاء حزب العمال الكوري دون معارضة، ويتم اختيارهم من دون ضغط من قبل كل ناخب. ومن السابق لأوانه التفكير في هذا باعتباره «إصلاحاً». لكن هذا مؤشر على أن كيم يدرك كيف تبدو بلاده، ويسعى إلى وضعها في ضوء أفضل.
إن مواجهة كيم للقيود تتجلى بوضوح في ما لم يفعله، وليس في ما فعله. ففي أوائل العام الماضي، بدأت وكالات الاستخبارات الكورية الجنوبية والأميركية في تقديم توقعات واثقة بأن كوريا الشمالية على وشك إجراء التجربة النووية السابعة لها. وألمح كيم إلى ذلك أيضاً، ووعد بـ«تحسين قوة الردع في الحرب النووية للبلاد بقوة»، ولكن ذلك لم يحدث. والافتراض السائد بين مراقبي كوريا الشمالية هو أن هذا جاء نتيجة للضغوط التي يمارسها الشخص الذي يتمتع بأكبر قدر من النفوذ على كيم – الرئيس الصيني شي جين بينغ. لقد رسمت حكومة بكين، التي تتمتع بسلطة إغلاق الحدود التي تربط الشمال ببقية العالم، خطاً لا يمكن تجاوزه في الوقت الحالي.
عن «التايمز» اللندنية
في ديسمبر، أجرت كوريا الشمالية اختباراً آخر لسلاحها الأكثر إثارة للقلق، وهو صاروخ هواسونغ 18، الباليستي عابر للقارات القادر على حمل رأس حربي نووي إلى البر الرئيسي للولايات المتحدة. وفي نوفمبر نجح كيم في إطلاق قمر اصطناعي للتجسس.
في فبراير، وفقاً لوسائل الإعلام الرسمية، أشرف كيم على اختبار «طائرة نووية بدون طيار هجومية تحت الماء»، قادرة على إطلاق «تسونامي إشعاعي واسع النطاق» على السفن البحرية والموانئ الساحلية.