ترجمة وإعداد: عوض خيري عن «الغارديان» «السي إن إن» و«الوول ستريت جورنال» / في 30 نوفمبر ودعت الصين أحد أبرز رموزها وزعمائها المعاصرين، الرئيس السابق جيانغ زيمين الذي توفي عن 96 عاماً.
نجح جيانغ في قيادة بلاده للخروج من العزلة، ودعم الإصلاحات الاقتصادية التي أدت إلى عقد من النمو الهائل، وكان خياراً مفاجئاً لقيادة الحزب الشيوعي المنقسم على نفسه بعد اضطرابات عام 1989، حيث أحيا الإصلاحات الموجهة نحو السوق، ونجح في استعادة هونغ كونغ من الحكم البريطاني عام 1997، وأدخل بلاده منظمة التجارة العالمية في 2001.
لكن حتى مع انفتاح الصين نحو الخارج قضت حكومة جيانغ على المعارضة، وسجنت نشطاء حقوق الإنسان والعمل والديمقراطية وحظرت حركة الفالون غونغ الروحية، التي اعتبرها الحزب الحاكم تهديداً لاحتكارها للسلطة.
تخلى جيانغ عن لقبه الرسمي في عام 2004 لكنه ظل قوة من وراء الكواليس في المشاحنات التي أدت إلى صعود الرئيس الحالي، شي جين بينغ، والذي تولى السلطة في عام 2012.
في أكتوبر 2022 انتشرت شائعات بأن جيانغ ربما يكون في حالة تدهور صحي بعد أن غاب عن مؤتمر للحزب الحاكم.
زعيم لتوحيد الأمة
كان جيانغ على وشك التقاعد كزعيم لحزب شنغهاي في عام 1989 عندما اختاره الرئيس الصيني آنذاك، دنغ شياو بينغ لتوحيد الحزب والأمة. وخلف تشاو زيانغ، الذي أقاله دنغ بسبب تعاطفه مع المتظاهرين في ميدان تيانانمين بقيادة الطلاب، وظل رهن الإقامة الجبرية حتى وفاته عام 2005، وظل خلال 13 عاماً أميناً عاماً للحزب الشيوعي الصيني، وهو أقوى منصب في الصين، وسمح للرأسماليين بالانتساب للحزب الحاكم واستقطب الاستثمار الأجنبي بعد انضمام الصين إلى منظمة التجارة العالمية. حيث استطاعت الصين تجاوز ألمانيا ثم اليابان لتصبح ثاني أكبر اقتصاد بعد الولايات المتحدة.
يتصرف على سجيته
يتمتع بكاريزما لا مثيل لها ما جعله متميزاً عن القادة الصينيين التقليديين الذين يعرفون بضبط النفس والتصرف بهدوء وتعقل في الأماكن العامة. ونظراً لما يتمتع به جيانغ من ذكاء سريع وتفاعل حر، فقد سجلت له الكاميرا عدداً كبيراً من اللحظات التي لا تُنسى. فعندما التقى الملك الإسباني خوان كارلوس في عام 1996، قام بإخراج مشط لتصفيف شعره في حفل استقبال كما لو كان لا يشاهده أحد. وخلال المقابلة التي أجراها عام 2000 مع مراسل شبكة سي بي إس مايك والاس، والتي لاتزال واحدة من أطول المحادثات وأكثرها صراحة بين سياسي صيني ومراسل أميركي حتى الآن، أدى أغنية شعبية صينية وألقى جزءاً من خطاب ألقاه الزعيم الأميركي الراحل، إبراهام لينكولن عن معركة جيتيسبيرغ الأميركية.
مواهب موسيقية متعددة
جيانغ رجل متعدد المواهب الموسيقية. تعلم خلال نشأته الفلوت الصيني وآلة تقليدية ذات خيطين مقوسة تسمى إرهو. وتعلم كل ذلك بنفسه من دون معلم، وكان يجيد العزف أيضاً على البيانو والقيثارة والأرغن وغيتار هاواي. نال إعجاب قادة العالم بأدائه أغاني مرتجلة وعروض رقص في المناسبات الدبلوماسية. وخلال عمله رئيساً لبلدية شنغهاي، رقص مع عمدة سان فرانسيسكو آنذاك ديان فاينشتاين وغنى «عندما كنا صغاراً» في عام 1982. قام بترجمة أغنية «Love Me Tender» للمغني الأميركي الراحل، إلفيس بريسلي خلال زيارة رسمية له إلى الفلبين في عام 1996 وغنى أيضاً الأغنية نفسها في مأدبة رسمية في قاعة الشعب الكبرى في بكين عام 2001 أقيمت على شرف زيارة الرئيس الأميركي الراحل، جورج دبليو بوش، كما أدى دويتو مرتجلاً لـ«O Sole Mio» قبل أن يدور عبر حلبة الرقص مع السيدة الأولى آنذاك، لورا بوش. وفي إحدى زياراته لبريطانيا حاول إقناع الملكة إليزابيث الثانية بغناء الكاريوكي.
متعدد اللغات
كان جيانغ يجيد التحدث بلغات أجنبية عدة بما في ذلك الإنجليزية والروسية والألمانية والرومانية، وإن كان ذلك بلكنة صينية ملحوظة. ألقى خطاباً باللغة الإنجليزية في جامعة هارفارد في عام 2000. وألف كتاباً حث فيه الكوادر القيادية على بذل جهد لتعلم اللغات الأجنبية حتى يتمكنوا من التواصل مع الأجانب لكي يستطيع العالم فهم المزيد عن الصين، ونشرت الحكومة المركزية هذا الكتاب في عام 2011. ويتناقض شغفه باللغات الأجنبية وانفتاحه على الثقافة الغربية بشكل صارخ مع رفض الصين المتزايد لتدريس اللغة الإنجليزية في السنوات الأخيرة حيث تصعد الحكومة حملتها ضد النفوذ الغربي.
حصل جيانغ على جائزة سياسية عندما تم اختيار بكين موقعاً لدورة الألعاب الأولمبية الصيفية لعام 2008 بعد فشلها في محاولة سابقة. توج جيانغ، وهو مدير سابق لمصنع الصابون، حياته المهنية بأول خلافة منظمة في الحقبة الشيوعية، حيث سلم منصبه زعيماً للحزب في عام 2002 إلى هو جينتاو، الذي تولى أيضاً لقب الرئيس الاحتفالي في العام التالي.
خلفياته
ولد جيانغ في 17 أغسطس عام 1926 في مدينة يانغتشو الشرقية الغنية. تقلل السير الذاتية الرسمية من أهمية خلفية عائلته من الطبقة الوسطى، وتلقي الضوء بدلاً من ذلك على عمه ووالده بالتبني، جيانغ شانغ تشينغ، وهو ثوري قُتل في معركة عام 1939. بعد تخرجه في قسم الآلات الكهربائية بجامعة جياوتونغ في شنغهاي في عام 1947، صعد جيانغ الرتب الوظيفية في هذه الصناعات التي تسيطر عليها الدولة، حيث عمل في مصنع للأغذية، ثم عمل في صناعة الصابون وصار موظفاً في أكبر مصنع للسيارات في الصين.
مثل العديد من المسؤولين التكنوقراط، قضى جيانغ جزءاً من الثورة الثقافية المتطرفة 1966-1976 عاملاً مزرعة. لكنه استأنف مسيرته المهنية فيما بعد، وفي عام 1983 عُين وزيراً لصناعة الإلكترونيات. وعندما شغل منصب رئيس بلدية شنغهاي في 1985-89، أثار إعجاب الزائرين الأجانب ممثلاً لسلالة جديدة من القادة الصينيين الذين يتطلعون إلى الخارج. تحدى جيانغ، وهو مقاتل سياسي قوي، التوقعات بأن فترة توليه منصب القيادة ستكون قصيرة، لكنه عزز سلطته من خلال ترقية أعضاء «فصيله في شنغهاي» ومنح الجيش زيادات سنوية في الإنفاق تتكون من رقمين.
جيانغ أول زعيم صيني بارز يموت خارج بكين منذ انتصار الشيوعيين في عام 1949. تم إرسال جثته إلى العاصمة عن طريق الجو ووضعها في مستشفي عسكري. وودعه إلى مثواه الأخير شي، وسلفه هو جينتاو، ومسؤولون كبار آخرون قبل نقل جثمانه إلى مقبرة بابوشان الثورية في غرب بكين لحرقها.
• تخلى جيانغ عن لقبه الرسمي عام 2004، لكنه ظل قوة من وراء الكواليس في المشاحنات التي أدت إلى صعود الرئيس الحالي شي جين بينغ، الذي تولى السلطة عام 2012.
• يتمتع جيانغ بكاريزما لا مثيل لها، ما جعله متميزاً عن القادة الصينيين التقليديين الذين يعرفون بضبط النفس، والتصرف بهدوء وتعقل في الأماكن العامة.