أكد مواطنون ضرورة تطوير وتعزيز المبادرات التي تدعم تشجيع الشباب على الزواج، وزيادة الوعي بمفهوم تأسيس أسرة إماراتية متماسكة ومستقرة، مشدّدين على أن التزايد الملحوظ لحالات الطلاق سواء المبكر أو الذي يحدث بعد عِشرة تمتد لسنوات، والتوجيه السلبي والخطأ من أصحاب التجارب الزوجية الفاشلة، لمحيطهم من أقارب وأصدقاء، خلق نوعاً من العزوف عن الزواج نتيجة الخوف من تكرار تجارب الطلاق التي تحدث في محيطهم.
واقترحوا، خلال حلقة نقاشية «افتراضية» نظمتها لجنة الشؤون الإسلامية والأوقاف والمرافق العامة في المجلس الوطني الاتحادي، لمناقشة موضوع «تحديات المقبلين على الزواج في المجتمع الإماراتي»، تدشين منصة حكومية موثوق بها للتقديم على الزواج، تتضمّن إجراء اختبارات طبية ونفسية وقياسات تكافؤ اجتماعي وتعليمي، وإدخال بعض التيسيرات والاستثناءات لحصول الشباب على منح الزواج، وخصوصاً في حالتي الزواج الثاني والزواج من غير مواطنة، وكذلك استحداث مادة تعليمية إلزامية في المناهج المدرسية للمرحلة الثانوية عن أهمية الحياة الزوجية.
وشهدت الحلقة النقاشية التي جاءت ضمن خطة عمل اللجنة لمناقشة موضوع سياسة الحكومة بشأن معايير وبرامج منح الزواج، وبرامج تأهيل المقبلين عليه، حضوراً كبيراً من مختلف فئات المجتمع، إضافة إلى عدد من أعضاء اللجنة والمجلس الوطني الاتحادي والمختصين والمهتمين من محامين واستشاريين وإعلاميين.
وركّزت الحلقة النقاشية على مناقشة الموضوع عبر ثمانية محاور رئيسة، شملت تعريف ظاهرة عزوف الشباب عن الزواج، وأسباب تأخّر سن الزواج، وأبرز التحديات التي تؤدي إلى العزوف عن الزواج، وشروط وضوابط وإجراءات صرف منح الزواج، والمغالاة والتباهي في إقامة حفلات الأعراس، وأسباب الطلاق وظاهرة الطلاق ما قبل الزواج، وبرامج تأهيل المقبلين على الزواج، وزواج المواطنين والمواطنات من أجانب.
وأكدت رئيسة اللجنة، جميلة أحمد المهيري، في كلمتها الافتتاحية، حرص اللجنة على الاستماع إلى كافة آراء المشاركين في الحلقة، والاستفادة من مقترحاتهم التي تعكس الرؤى والاحتياجات والتحديات التي تواجه الشباب المواطنين، في إطار الشراكة والتعاون بين اللجنة وكل أفراد المجتمع، بما يسهم في دعم جهود تذليل كل التحديات التي تواجه المقبلين على الزواج، ودعمهم وتشجيعهم على بناء أسر إماراتية مستقرة ومتماسكة، متعهّدة بترجمة كافة المقترحات التي يتفق عليها المجتمعون، إلى توصيات متضمنة في التقرير البرلماني الذي تعدّه اللجنة، تمهيداً لرفعه إلى المجلس الوطني الاتحادي، لمناقشته مع الحكومة تحت قبة البرلمان.
وناقش المشاركون في الحلقة النقاشية، مجموعة من التحديات تضمنت تكاليف الزواج الباهظة التي تقع على عاتق الشباب، وما ينتج عنها من زيادة في المديونيات، وعدم القدرة على توفير الحياة الكريمة، وزيادة حالات الطلاق في السنوات الأولى من الزواج، وندرة الدراسات الخاصة بالتحديات التي تواجه الشباب؛ إذ أجمعوا على ضرورة تطوير وتعزيز المبادرات التي تدعم التشجيع على الزواج في دولة الإمارات، وزيادة الوعي بمفهوم تأسيس أسرة متماسكة ومستقرة، وتوفير واعتماد برنامج تأهيلي للحياة الزوجية في المناهج الدراسية ولا سيما في المرحلة الثانوية، إضافة إلى تحفيز مزيد من الجهات لدعم الشباب وتطلعاتهم للزواج، من خلال تحمّل بعض تكاليف الزواج والتخفيف عن كاهل الشباب.
وفتحت رئيسة اللجنة الباب أمام المواطنين المشاركين في الحلقة النقاشية لإجراء مداخلات استعرضوا خلالها آراءهم ومقترحاتهم بشأن كافة التحديات والأسباب لظاهرة العزوف عن الزواج، حيث تحدث المواطن سيف محمد المنصوري، عن الإجراء الخاص بحرمان المواطن من الحصول على منحة الزواج في حال كانت الزوجة غير مواطنة؛ إذ أكد أن هذا الإجراء يسهم في عزوف بعض الشباب عن الزواج ولا يساعدهم على تكوين أسر مستقرّة، مقترحاً إدخال بعض الاستثناءات على هذا الإجراء، أبرزها الحصول على منحة الزواج عند زواج الرجل للمرة الثانية من مواطنة، وكذلك حصول الشاب المواطن على منحة الزواج في حال كانت الزوجة من إحدى دول الخليج العربي، ولا سيما في ظل وجود علاقات وروابط قرابة تجمع الكثير من الأسر المواطنة بمثيلاتها من دول الجوار الخليجي.
فيما قال المواطن أحمد شراق: «إن الشاب يحتاج بعد إتمامه المرحلة الثانوية إلى فترة تقارب تسع سنوات لقضاء الخدمة الوطنية ومرحلة الدراسة الجامعية، ثم البحث عن وظيفة، فيصبح جاهزاً للتفكير في الزواج في سن 29 سنة تقريباً، وهي سن متأخرة ولا تساعده على اختيار الزوجة الأنسب، ومن ثم أرى ضرورة إدخال مزيد من آليات التخفيف والتيسير على إجراءات الدعم التي تقدّمها الدولة لزواج الشباب، لتساعدهم على تكوين أسر بمجرد التخرج في الجامعات وحتى قبل الحصول على العمل».
بدورها أكدت المواطنة، فاطمة ديبان، أنها من خلال عملها مدربة تنمية بشرية، رصدت الكثير من حالات الطلاق المبكر التي أضحت ظاهرة مجتمعية يجب التعامل معها بسرعة، بحسب قولها، وكذلك رصدت ظاهرة أخرى رأتها دخيلة على المجتمع الإماراتي تتمثل في اتجاه حالات كثيرة من الزوجات والأزواج للطلاق بعد علاقة وعِشرة تتجاوز العشرة والعشرين عاماً أحياناً.
واقترحت ديبان، تخصيص مادة دراسية إلزامية ضمن مناهج المرحلة الثانوية، عن تأسيس الحياة الزوجية وأهمية تكوين أسرة مواطنة، على المستويين الشخصي والمجتمعي، وكذلك تخصيص جهة أو مؤسسة حكومية تتولّى مسؤولية تيسير الزواج بين المواطنين، وتدشين تطبيق ذكي يتبع لها للقيام بتوجيه المقبلين على الزواج للاختيار الأمثل سواء للزوج أو الزوجة، وفقاً للمؤهلات والمستويات الاجتماعية والمادية.
وفي مداخلتها ركّزت المحامية، فاطمة آل علي، على أبرز التحديات التي رصدتها في أروقة المحاكم وتعد سبباً رئيساً لعزوف الشباب عن الزواج، موضحة أنها تمثلت في الانتشار الواضح لظاهرة الطلاق، سواء المبكر أو الناتج عن خلافات تراكمت لسنوات، وكذلك التوجيه الخطأ عن الحياة الأسرية من أصحاب التجارب الزوجية الفاشلة، لمحيطهم من أقارب وأصدقاء، من خلال تصدير صورة سلبية قاتمة عن الزواج ومشاكل الطلاق، ما خلق حاجزاً منيعاً لدى قطاع كبير من الشباب (ذكوراً وإناثاً) بشأن الإقدام على الزواج خوفاً من الطلاق وإشكالياته.
ودعت آل علي إلى أهمية تدشين منصة حكومية موثوق بها للتقديم على الزواج، تتضمّن إجراء اختبارات طبية ونفسية وقياسات تكافؤ اجتماعي وتعليمي، إضافة إلى تضمّنها برامج تدريبية وتأهيلية، وأخرى لإدارة الأمور المالية خلال مرحلة الاستعداد للزواج، على أن تكون هذه البرامج إلزامية للشباب الراغب في الزواج، ويتم ربط الحصول عليها بإبرام عقد الزواج، وكذلك إجراء استبيانات موسّعة بين الشباب في مراحل عمرية متنوعة لدراسة وتحليل أسباب العزوف عن الزواج، وأخرى معمّقة حول دور وتأثيرات الإعلام الجديد على تكوين الأسرة الإماراتية وحماية أفرادها.
فيما دعا المواطن ماجد صالح عوض، في مداخلته خلال الحلقة النقاشية، إلى استحداث عمل تطوّعي جديد تحت مسمى «موجّه أزواج»، بحيث يتبع هذا الموجّه الجهات الحكومية المختصة بالإرشاد الأسري.
وأوضح أن مقترحه يعتمد على اختيار أشخاص متطوّعين من أصحاب الخبرات الحياتية، للقيام بمهمة حل المشاكل الأسرية المحالة للإرشاد الأسري قبل وصولها إلى ساحات القضاء، وذلك في محيط مناطقهم السكنية، ما يسهم بشكل كبير في إخماد نيران الخلافات الأسرية في مهدها، وكذلك يخفف الضغط على مراكز الإرشاد الأسري.
• مشاركون طالبوا بمنصة حكومية للتقديم على الزواج واستحداث مادة تعليمية إلزامية عن أهمية الحياة الزوجية.
• الحلقة النقاشية بحثت مجموعة من التحديات تضمنت تكاليف الزواج الباهظة وزيادة حالات الطلاق في السنوات الأولى من الزواج.
جميلة المهيري:
• «مقترحات الحلقة النقاشية ستترجم إلى توصيات لمناقشتها مع الحكومة تحت قبة البرلمان».
مُحفّزات لـ «الأعراس الجماعية»
أكدت النائبة الثانية لرئيس المجلس الوطني الاتحادي، ناعمة عبدالله الشرهان، أن الإشكاليات التي تواجه المقبلين على الزواج في المجتمع الإماراتي، موضوع يمثل تحدياً مجتمعياً كبيراً للأسرة الإماراتية، لافتة إلى أنه على الرغم من كون نقاش ظاهرة العزوف عن الزواج ليس بالأمر الجديد، فإن الأسرة والمجتمع ما زالا يعانيان تأثيراته، نظراً لتنامي المتغيرات والتطورات الحياتية المستمرة، واختلاف الثقافات.
وقالت الشرهان في مداخلة «صوتية» ضمن الحلقة النقاشية: «معدلات الإنجاب بين الأسر الإماراتية
ما زالت قليلة جداً، وهذا ناتج عن عدد من الأسباب من بينها تأخر سن الزواج سواء للرجل أو المرأة، إضافة إلى ظاهرة عزوف الشباب عن الزواج هرباً من تحدّياته وتكاليفه وخلافاته».
وأضافت: «بمناسبة الحديث عن تكاليف الزواج، فنحن لدينا ظاهرة شديدة السلبية تتمثل في التباهي والمغالاة الكبيرة في إقامة حفلات الأعراس، وهي ظاهرة استطعنا مواجهتها، بفضل توجيهات ومساعي القيادة، والتغلب عليها خلال فترة تفشّي جائحة كورونا، لكنها للأسف سرعان ما عادت بصورتها القديمة نفسها بمجرد انتهاء الجائحة»، مقترحة ضرورة التوجيه بمزيد من الاهتمام بإقامة الأعراس الجماعية، من خلال تقديم محفّزات تجذب الشباب المقبل على الزواج وأسرهم إلى المشاركة في هذه الأعراس.
ناعمة عبدالله الشرهان. من المصدر