قالت خبيرة علم الحشرات والأستاذ المساعد بقسم العلوم في الهيئة العامة للتعليم التطبيقي د.جنان الحربي، إن الأجيال الحديثة من حشرة البق عززت مقاومتها للمبيدات الحشرية عبر زيادة سماكة جلدها وتحورت جينات المقاومة لديها وكذلك التنويع في مصادر تغذيتها. وقالت د.الحربي، في تصريح لـ «الأنباء»، إن «مدينة الحب تقع في قبضة مصاص الدماء»، بعد أن شهدت مدينة باريس ومدن فرنسية أخرى موجة غير مسبوقة من حشرة بق الفراش اجتاحت المنازل وجميع المناطق العامة، ما جعل الحكومة الفرنسية تضطر لإغلاق 7 مدارس وتحويل الدراسة عن بعد، وأثار انتشار هذه الحشرة تساؤلات عدة حول الصحة والسلامة خلال دورة الألعاب الأولمبية عام 2024. وأضافت: تفاقمت المشكلة، ولم تكتف هذه الحشرة الليلية بضرب فرنسا، بل انتقلت بقوة إلى بلجيكا تبعا لصحيفة «ديرنير هاور» البلجيكية وإسبانيا ونيويورك، وبريطانيا متخوفة من وصولها إلى مناطقها، والعديد من الدول مثل المغرب والجزائر تتأهب واتخذت تدابير صارمة لمواجهة أي احتمال لدخول بق الفراش، خاصة من البلدان الموبوءة التي تربطها علاقة تجاريه معها في ظل حركة النقل التجاري والسفر بين البلدان.
وأوضحت د.الحربي أن هذه الآفة عالمية وانتشارها لا يعتمد على مستوى الدخل ولا على النظافة ولا سعة المنزل، إذ بإمكانها أن تظهر حتى في فنادق «خمس نجوم»، مؤكدة أنه لا أحد في مأمن من هذه الحشرة، فأي شخص يمكن أن يدخلها في منزله أو مكان عمله من دون أن يشعر، فالكثير من الناس لا يعرفون شكلها وآلية انتقالها. هذه الحشرة طفيلية ليلية بيضاوية الشكل لا تتجاوز 7 ملم لا تطير ولا تقفز وتفضل الأماكن المظلمة والرطبة. لا تكتفي بالتغذية على دم الإنسان، بل تمتص دم الحيوانات أيضا ويعتبر الحيوان ناقلا لها وبإمكانها ان تعيش لمدة سنة كاملة من غير غذاء. ومؤخرا، أصبحت تضع في الشهر ما يقارب 1000 بيضة بعدما كانت تضع 300 بيضة فقط.
وتابعت: على الرغم من عدم وجود دليل في مساهمة هذا الطفيلي في نقل الأمراض الفيروسية لعدم احتوائه على البروتينات التي ترتبط بالفيروس، إلا أن انتشار حشرة البق يلحق أضرارا اقتصادية ومادية بالمجتمع وتصبح مصدر إزعاج للإنسان حيث تسبب الأنيميا والحكة وصعوبة النوم. وفي بعض الأحيان يمكن أن يؤدي الخدش بسبب فرط الحكة إلى الإصابة بعدوى بكتيرية جلدية ثانوية. وأشارت الدراسات الفرنسية مؤخرا الى ان هذه الحشرة تنقل بكتيريا ممرضة للإنسان.
وعن السبب الأساسي وراء تفشي بق الفراش، قالت انه بسبب مقاومتها المتطورة ضد المبيدات التجارية التي طرحت في الأسواق مؤخرا، موضحة أن أغلبها لن يجدي نفعا في إبادة تلك الحشرة، لأن الأجيال الحديثة لتلك الحشرة عززت مقاومتها فأصبح الجلد الخارجي 15% أكثر سماكة مما عليه في السابق. وأيضا تحورت جينات المقاومة فقامت تنتج انزيمات مثل الإستيريز والأكسيديز التي تكسر التراكيب الكيميائية للمبيدات فتقلل فعاليتها، إلى جانب أنها نوعت تغذيتها بدلا من امتصاص الدم فقط. ويجب اتباع إجراءات إضافية للقضاء عليها مثل استخدام جهاز البخار الساخن والمكنسة الكهربائية لأن البيض لا يموت بسهولة.
وعن تخوف البعض من وصول البق الفرنسى إلى الكويت، قالت د.الحربي: في الحقيقة البق الموجود في الكويت هو من نفس الأنواع الموجودة في فرنسا «سيمكس لكتيوراليس» و«سيمكس هميبتراس» الاستوائي الذي ظهر خلال السنوات الماضية بسبب العمالة والسفر والنقل التجاري، لافتة إلى أن مشكلة بق الفراش مستعصية لدينا بسبب سوء استخدام المبيدات من قبل بعض شركات مكافحة الحشرات، فأغلب المواطنين والمقيمين يشتكون من عدم استجابة البق للمبيدات مما يضطرهم للتخلص من أثاثهم. وللأسف، هناك بعض الناس لا يفصحون عن تواجد هذه الحشرة لديهم لشعورهم بالخجل، فتجدها بالمئات في بيوتهم حتى على الجدران. لذلك الإجراءات الوقائية مهمة في هذه المرحلة قبل أن تستفحل المشكلة لدينا على سبيل المثال، ويجب فحص حقائب العائدين من السفر والبضائع المستوردة قبل إدخالها للبيوت، إلى جانب نشر التوعية والتحذيرات من قبل المختصين.
وختمت د.الحربي بالقول: في ظل ارتفاع مقاومة بق الفراش للمبيدات التي تباع في الأسواق المحلية، يقوم فريق متخصص في قسم العلوم التابع لكلية التربية الأساسية في الهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب بدراسة متحورات بق الفراش للكشف عن أسباب المقاومة.