أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أخيراً، أنه بينما يجب أن يضمن الغرب أمن أوكرانيا «يتعين عليه أيضاً تصور عدم المواجهة مع روسيا، وإعادة بناء توازن مستدام للقوى».
وانتقد العديد من المعلقين السياسيين ماكرون بسبب تصريحاته التي اعتبروها ساذجة وغير واقعية. والأفضل من ذلك، وفقاً للرأي المضاد أنه يجب إعطاء أوكرانيا ما تحتاج إليه لتحقيق النصر، وإصابة الجيش الروسي بالشلل، لدرجة ألا يصبح قادراً على تهديد جيرانه في أي وقت قريب. وقد رفض الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، في مقابلة مع صحيفة «واشنطن بوست» أي إمكانية لإجراء محادثات مع روسيا، قائلاً «أعتقد أنه لا جدوى من التفاوض مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين».
وتساءل أستاذ العلوم السياسية بجامعة بوردو، والزميل غير المقيم في مؤسسة أولويات الدفاع، المحلل السياسي الأميركي، كايل هاينز، في تقرير نشرته مجلة ناشيونال إنترست الأميركية، قائلاً: ولكن ماذا سيحدث إذا اتضح أن النصر الكامل لا يمكن تحقيقه عسكرياً؟ وماذا لو كان البديل الوحيد للمفاوضات هو صراع دموي مجمد وطويل الأمد؟
ويرى هاينز أن الكراهية العامة للمفاوضات توحي بأنه إذا أجريت المفاوضات فإنها يجب أن تقتصر في نطاقها على تجنب «مكافأة» العدوان الروسي. ويقول إن هذا يعيد الحسابات الاستراتيجية إلى الوراء. فبدلاً من مفاوضات ضيقة، يجب على الولايات المتحدة وحلفائها انتهاج أوسع أسلوب ممكن إزاء أي مفاوضات تجري في نهاية الأمر مع روسيا. وهذا سيؤدي إلى تعظيم نفوذ الغرب على المدى القصير الناجم عن الضعف الروسي ويمكن أن يسهل السلام، من خلال منح شخص ما غير أوكرانيا لفلاديمير بوتين «نصراً» يحفظ ماء الوجه في روسيا.
وقال هاينز إن الحرب تسببت في خسائر لروسيا. واقتصادها، رغم مرونته بشكل مدهش في مواجهة العقوبات، سيستمر في التدهور بسبب تصفية الاستثمارات الدولية والفساد الداخلي. وهذه التأثيرات تتفاقم نتيجة لشيخوخة السكان والهجرة واسعة النطاق للشباب الروس المتعلمين.
مأساة ذاتية
واعتبر هاينز أن هذه مأساة ذاتية جلبتها روسيا لنفسها، وهي أيضاً فرصة للغرب. إن إلقاء نظرة واسعة على المفاوضات النهائية مع روسيا سيوفر العديد من المزايا والفرص.
أولاً، روسيا اليوم تعاني الضعف. وهذا يمنح أوكرانيا والولايات المتحدة والغرب نفوذاً واسعاً غير مسبوق وحرية للتحرك. وسيعظم استغلال الفرصة للتفاوض على أوسع شروط ممكنة هذه الميزة التفاوضية الهائلة ولكن المؤقتة. وبعيداً عن مكافأة روسيا، سيعني التفاوض الآن استغلال ضعفها. وفي حين أن أمن أوكرانيا يمثل أولوية مهمة، يجب أن تسعى الولايات المتحدة أيضاً إلى استغلال هذا النفوذ بشكل أوسع نطاقاً في تشكيل بنية أمنية إقليمية أكثر استدامة واستقراراً.
مزايا
ثانياً، يمنح النطاق الأوسع للمفاوضات مزايا مهمة محتملة لإنهاء الحرب في أوكرانيا بشروط ملائمة. ويبدو أن كييف وموسكو غير مستعدتين لتقديم تنازلات بشأن الأراضي في الوقت الحالي. وفي ظل غياب نصر عسكري كامل، سيعني هذا صراعاً مجمداً طويل الأمد، لا يحقق مصالح أحد. وسوف تسمح المفاوضات الأوسع نطاقاً لواشنطن وحلف شمال الأطلسي (الناتو) بتقديم حوافز تجعل السلام أكثر جاذبية لروسيا، لكيلا تضطر أوكرانيا إلى القيام بذلك.
واعتبر هاينز أن ضعف روسيا المؤقت يسمح بمثل هذه المرونة من دون تقويض الأمن الغربي بدرجة خطيرة. وعند التفاوض مع منافسين أقران، فإنه حتى الهوامش الصغيرة، يمكن أن تكون مهمة. ومع ذلك، فإن التفاوض مع خصم ضعيف للغاية يمكن أن يسمح بمرونة أكبر دون إعطاء الجانب الآخر ميزة حاسمة محتملة. وهناك ببساطة هامش أكبر للخطأ، وتكاليف أقل للمجازفة، سعياً وراء نظام إقليمي مستقر.
ويقترح هاينز أن تدرس الولايات المتحدة وحلفاؤها، على المدى الطويل وفقط رداً على انسحاب روسي كبير من أوكرانيا، تقديم تنازلات أبعد مما تكفله قوة روسيا، ناهيك عما تستحقه. وقد يشمل هذا، على سبيل المثال، وقف توسع الناتو. ويبدو هذا كريهاً من الناحية الأخلاقية، نظراً للحرب الدائرة. ولكن في عالم السياسة الدولية القائم على مبدأ «القوة تصنع الحق»، فإن الوعظ في وجه حقائق ساحة المعركة يمكن أن يكون خطيراً ويؤدي إلى نتائج عكسية. بالإضافة إلى ذلك، يبدو أن توسع حلف الناتو ليضم دولاً أخرى غير فنلندا والسويد أمر غير محتمل للغاية في الوقت الحالي، لذلك فإن مثل هذه التنازلات لن تكون حقاً تنازلاً عن الكثير من الأمور.
تنازلات
وأشار هاينز إلى أن مصدر القلق الأكثر أهمية وواقعية هو أن التنازلات ستكون «مكافأة لروسيا» على سلوكها وتشجع حربها في مكان آخر. بشكل عام، ستكون المكافآت أقل كثيراً من التكاليف التي دفعتها روسيا في هذه الحرب. في الواقع، السبب الرئيس الذي يجب أن يدفع الولايات المتحدة لدراسة إجراء محادثات واسعة النطاق، هو بالضبط لأن التفاوض في ظل ضعف روسيا يقلل التنازلات التي تستطيع أن تأمل في الحصول عليها، وهو ما يضمن أن التكاليف الضخمة لحربها ستفوق كثيراً فوائدها.
وأكد هاينز أن روسيا، سواء كان هذا يروق للغرب أم لا، لديها رأي قوي في استمرار أي نظام أمني أوروبي. وقد كان ماكرون، لذلك، محقاً بدرجة كبيرة. إن النهج العقابي فقط الذي لا يأخذ في الاعتبار مكانة روسيا في النظام الإقليمي سيضعف روسيا بشكل أكبر، ولكن سيقربها من الصين ويضمن أن أياً كانت القدرات التي يمكن أن تحصل عليها موسكو، فإنها ستوجه ضد الغرب. إن السلام الذي يحقق القبول الروسي يوفر آفاقاً أفضل لنظام إقليمي مستدام ومستقر. وتوفر إعادة التفاوض بشأن النظام الإقليمي الأوسع نطاقاً على الأقل فرصة لتحقيق هذا الاستقرار. ويوفر ضعف روسيا المؤقت فرصة لتحقيق ذلك بكُلفة أقل كثيراً.
واختتم هاينز تحليله بالقول إن ضعف روسيا يقدم فرصة فريدة للعمل من أجل تحقيق نظام أمني إقليمي مناسب بدرجة كبيرة للولايات المتحدة وحلفائها وأوكرانيا، ومع ذلك يظل جذاباً بالنسبة لروسيا في ظل ضعفها. وقال «يجب أن نكون مستعدين لاغتنام الفرصة إذا سنحت».
النهج العقابي فقط الذي لا يأخذ في الاعتبار مكانة روسيا في النظام الإقليمي سيضعف روسيا بشكل أكبر، ولكن سيقربها من الصين، ويضمن أن أياً كانت القدرات التي يمكن أن تحصل عليها موسكو، فإنها ستوجه ضد الغرب.
في حين أن أمن أوكرانيا يمثل أولوية مهمة، يجب أن تسعى الولايات المتحدة أيضاً إلى استغلال نفوذها بشكل أوسع نطاقاً في تشكيل بنية أمنية إقليمية أكثر استدامة واستقراراً.
يمنح النطاق الأوسع للمفاوضات مزايا مهمة محتملة لإنهاء الحرب في أوكرانيا بشروط ملائمة. ويبدو أن كييف وموسكو غير مستعدتين لتقديم تنازلات بشأن الأراضي في الوقت الحالي.