حذّر خبراء في مجال الأمن السيبراني وحقوق الطفل، من غياب الرقابة الأبوية عن استخدام الأطفال المفرط للإنترنت خلال الإجازة الشتوية، لافتين إلى احتمال تعرضهم لمحتويات غير ملائمة، كالابتزاز والتنمر، فيما بينت دراسة إماراتية حديثة، أن هناك مخاوف محددة تسيطر على عقول الآباء عند إبحار أبنائهم في مواقع الشبكة العنكبوتية، أبرزها «الصور غير اللائقة»، و«التفاعل مع أشخاص غرباء».
وشدد الخبراء على ضرورة متابعة نشاط الأبناء على وسائل التواصل الاجتماعي والإنترنت عموماً، حتى لا يتعرضوا لمحتويات غير ملائمة.
وتفصيلاً، قال خبير الأمن السيبراني عبدالنور سامي، إن «آثار الاستخدام المفرط للإنترنت تتركز في العزلة، وقصور الانتباه، وعدم التركيز، ما يؤثر سلباً في تكوين الشخصية وتقويمها، وينعكس على الثقة بالنفس والذكاء الاجتماعي والعاطفي».
وأضاف أن «المحتويات الترفيهية مدخل للبهجة والسرور، إلا أن الإفراط في متابعتها يواكبه إفراط في إفراز (الدوبامين)، ما يفقدها عناصرها التي كانت تثير الاهتمام، ويدفع الأطفال لا إرادياً إلى محاولة اكتشاف مقاطع خارجة على المألوف».
وأكد عبدالنور أهمية الرقابة الأبوية بتحديد ساعات الاستخدام وتنويعها بين التطبيقات والوسائل، «وعلى سبيل المثال، يمكن ضبط استخدام ساعة في اليوم لتطبيق إنستغرام، وساعة لـ(يوتيوب)، وأربع ساعات لـ(الواتس أب) للتواصل مع العائلة والأصدقاء وهكذا. وهناك أمر تغفل عنه غالبية العوائل، وهو القدوة الحسنة، فلو سألت الآباء لاشتكوا الاستخدام المفرط لوسائل التواصل، في حين تجدهم يمسكون بهواتفهم على الدوام، فالأطفال يقلدون أكثر مما يتعلمون، لذلك لو مارسوا هواية ما فسيقوم الطفل بدوره بممارسة شيء مشابه».
وحث الآباء على توفير البديل، «فمنع الأطفال من التقنيات يخلق فجوة كبيرة، لكن على كل عائلة إعداد برنامج في الإجازة مع تنويع النشاطات للأطفال، وإن كانت ممتعة لهم فبدورهم لن يستخدموا الأجهزة بكثرة، ولكن في انعدام تلك النشاطات بلاشك ستكون الأجهزة هي الخيار الوحيد للأطفال».
وتابع أن الإحصاءات التي نشرها مجلس جودة الحياة الرقمي في دولة الإمارات، أظهرت أن غالبية الآباء أكدوا أن «التعرض لصور غير لائقة» هو مصدر القلق الرقمي الأكبر عندهم، فيما قال آخرون إن «التفاعل مع الغرباء» هو مصدر القلق الرئيس، واعتبر آخرون أن «التنمر الإلكتروني» هو المصدر الأكبر لقلقهم الرقمي، ولم يستثن الآباء احتمالات «التعرض للألعاب الخطرة» من مصادر القلق الرئيسة.
ولفت إلى أن الحل الأمثل للاستخدام الآمن هو توعية الأطفال، وتعزيز التفكير الناقد لديهم للتعامل مع مختلف المواقف، وضبط إعدادات الخصوصية في هواتفهم، بما فيها وسائل التواصل الاجتماعي والألعاب، للحد من تواصلهم مع الغرباء، سواء كان التواصل صوتياً أو كتابياً، علماً بأن كل تطبيق يتضمن إعدادات خصوصية ورقابة أبوية خاصة به.
وقالت نائب رئيس جمعية الإمارات لحقوق الطفل موزة الشومي، إن أهم المخاطر الناجمة عن الاستخدام المفرط للوسائل الرقمية هو دخول الأطفال في أوقات فراغ في وقت تقل فيه الرقابة الأبوية، ما يعرضهم لمخاطر التعرض لموضوعات أكبر من أعمارهم، وطرح أفكار غير مناسبة لهم.
وأضافت أن الخطورة تكمن في التعرض لأفكار دخيلة عليهم، تتنافى مع مبادئ وقيم المجتمع الذي يعيشون فيه، لافتة إلى أن «البعض يظن أحياناً أن الخطورة قد تأتي من ألعاب إلكترونية غير ملائمة، لكن الخطورة الأكبر تأتي من غرباء يتم التعرف إليهم عبر الإنترنت، ما قد يعرضهم لابتزاز إلكتروني أو جنسي أو تنمر».
وتابعت أن «الطفل يبحث عن الفضول، خصوصاً في فترة المراهقة، فيبدأ التدرج مع العالم الافتراضي، حتى يصل إلى نشوة أو معلومة ما، ثم تقوده رغباته وفضوله؛ فنحن أمام عالم كبير من مخاطر للطفل، خصوصاً الفترة التي تقل فيها الرقابة الوالدية، مثل فترة الإجازة، لأنها تشكل فترة فراغ».
وشرحت أن «هناك نوعين من الرقابة؛ الآلية والواقعية، فالأولى يحدد ولي الأمر من خلالها وقت النوم للأطفال، وإذا تركهم يتابعهم بنفسه حتى يعرف ماذا يستخدمون من أجهزة. أما الرقابة الآلية، فيمكن من خلالها أن يطلع على موقع هيئة تنظيم الاتصالات، لمعرفة التطبيقات التي يمكن من خلالها إغلاق دخول الأطفال إلى مواقع معينة، والتحكم في الهواتف المرتبطة بالإنترنت».
وأكدت الشومي أن أولياء الأمور إذا لم تتوافر لديهم المعرفة الإلكترونية فلا يستطيعون حماية الأطفال من الخطر؛ فالهيئة الوطنية للاتصالات لديها على موقعها توعية شاملة للرقابة، مشيرة إلى أن «الأطفال من سن 15 حتى 18 سنة، هم الأكثر تعرضاً للخطر، لأن الطفل يدخل مرحلة عمرية ودراسية مختلفة، هي الأخطر بين مراحله العمرية المختلفة، ومن ثم على ولي الأمر اتباع التوعية والرقابة، إضافة إلى الإرشاد السليم».
بدورها، أكدت مديرة إدارة سلامة الطفل في الشارقة، هنادي سالم اليافعي، أن الاستخدام الآمن للإنترنت من القضايا التي تحظى باهتمام إدارة سلامة الطفل بالشارقة، ومنذ عام 2019 أطلقت الإدارة مبادرة «سفراء الأمن الإلكتروني»، بالشراكة مع كل من هيئة تنظيم الاتصالات والحكومة الرقمية، ووزارة تنمية المجتمع، وبرنامج خليفة للتمكين – أقدر، والقيادة العامة لشرطة الشارقة، لإرشاد الأطفال إلى كيفية اتباع الممارسات الإلكترونية الآمنة، وكيفية التصدي لمخاطر الإنترنت والجرائم الإلكترونية التي تستهدفهم، وأبرزها الابتزاز واختراق الحسابات والتنمر الإلكتروني.
وأضافت أن إدارة سلامة الطفل نظمت العديد من ورش العمل حول الاستخدام الآمن للإنترنت، للتوعية بكيفية تجنب التنمر والإساءات في العالم الافتراضي، والتركيز على التوعية بأهمية تعلّم الخطوات المتعلقة بتأمين حسابات التواصل الاجتماعي لوقاية الأطفال من الاختراقات وحمايتهم من التنمّر الإلكتروني.
وحثت اليافعي الآباء على توفير الحماية لأطفالهم لوقايتهم من التعرض للاختراقات الإلكترونية، عبر تأمين الأجهزة الإلكترونية ببرامج الحماية الأساسية، وتعليم الأطفال كيفية تأمين حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، وتقليص ساعات استخدام الإنترنت ووقت اللعب بالأجهزة الإلكترونية أو الهواتف المرتبطة بالإنترنت، والتركيز على الألعاب الحية التي تعزز صلة الطفل بالواقع من حوله، وتتيح له تكوين صداقات مع أقرانه.
عبدالنور سامي:
• «الرقابة الأبوية يجب أن تشمل تحديد ساعات الاستخدام، وتنويعها بين التطبيقات والوسائل».
موزة الشومي:
• «الأطفال بين سن 15 و18 عاماً الأكثر عرضة للخطر.. ولابد من تعزيز الرقابة».
هنادي اليافعي:
• «الابتزاز واختراق الحسابات والتنمر الإلكتروني.. أكثر الجرائم الرقمية انتشاراً».