أكدت أمهات لأطفال دون الـ 12 عاماً، لـ«الإمارات اليوم»، أن أبناءهن يُظهرون تغيرات واضحة في سلوكهم بعد استخدام الهاتف.
ووصفت إحداهن طفلها بأنه «منفصل عن الواقع»، مشيرة إلى مروره بحالات ينعدم فيها تواصله مع محيطه.
وقالت أم أخرى إنها قررت حرمان طفلها استخدام الهاتف، بعدما لاحظت أنه يُصاب بنوبات غير مفهومة من الغضب.
وقالت أم لطفل ثالث إنها تراقب «التريندات» والتحديات التي تنتشر على مواقع التواصل الاجتماعي طوال الوقت، لأنها لاحظت أن طفلها مهتم بتقليدها، معربة عن خوفها من تعرضه للخطر في غفلة منها.
وحذّر أطباء وخبراء ومختصون وقانونيون من تفاقم ما وصفوه بـ«الأزمة الصامتة» التي تهدد الأجيال الجديدة بسبب الاستخدام المبكر للهواتف الذكية، مؤكدين أن السماح للأطفال بامتلاك هاتف لم يعد مجرد خيار تربوي، بل خطأ قد يخلّف آثاراً عميقة وطويلة المدى على نمو الدماغ والصحة النفسية والسلوك الاجتماعي، مطالبين بسنّ تشريع أو قانون حاسم يقيّد أو يمنع امتلاك الأطفال الهواتف الذكية قبل سن الـ12 عاماً.
وقالوا لـ«الإمارات اليوم» إن الأدلة العلمية واضحة وجازمة، إذ إن دماغ الطفل قبل هذه السنّ يمرّ بمرحلة مفصلية يكون خلالها أكثر قابلية للتأثر بالمحفزات الرقمية الحادة، لأن مناطق التحكم التنفيذي والتنظيم العاطفي لا تكون مكتملة، فيما تُحفّز الهواتف الإدمان السلوكي عبر نظام المكافأة الدماغي، كما أن الاستخدام المبكر يؤثر في القشرة الجبهية الأمامية المسؤولة عن التركيز والضبط التنفيذي في الدماغ، وفي مناطق الذاكرة والتنظيم العاطفي.
وبينوا أن الدراسات الحديثة أظهرت أن انخفاض جودة النوم لدى الأطفال يزيد خطر الاكتئاب لديهم بنسبة 30%، ويُخفض الأداء الأكاديمي بنحو 20%، إضافة إلى ارتفاع خطر القلق بنسبة 30%، لافتين إلى أن البيئة الرقمية الحالية غير آمنة للأطفال، في ظل انتشار المحتوى العنيف والخادش للحياء، والتحديات الخطرة و«التريندات» التي قد تهدد سلامتهم بشكل مباشر.
كما أكدوا أن المطالبة بالتشريع ليست اجتماعية فحسب، بل تستند إلى أسس علمية وقانونية واضحة، داعين إلى حماية الأطفال في مرحلة عمرية لا يمتلكون فيها القدرة على تنظيم استخدامهم الأجهزة.
وشدّدوا على أن القضية مسؤولية مجتمعية وتشريعية وصحية متكاملة بين الأسرة والمجتمع والجهات المختصة، محذرين من أن التقاعس سيترك آثاراً مستقبلاً، وأن حماية الأطفال ضرورة تُحتّمها خطورة المرحلة العمرية التي يمرون بها.
وكشفت إحصاءات صادرة عن مجلس الأمن السيبراني لدولة الإمارات أخيراً أن 72% من الأطفال بين 8 و12 عاماً يستخدمون الهواتف الذكية يومياً، بينما لا يراجع سوى 43% من الوالدين نشاط أطفالهم الرقمي بانتظام. وأكد 42% من الأسر حاجتها إلى إدارة وقت استخدام أطفالها للهواتف بشكل أفضل.
كما أظهرت الإحصاءات أن حالات التنمّر الإلكتروني بين الأطفال سجلت زيادة بنسبة 18%.
غضب وعنف و«تريندات»
وتفصيلاً، روت موزة المزروعي أن ابنها عبيد، البالغ 10 سنوات، بدأ يُظهر تغيرات واضحة في سلوكه بعد فترات طويلة من استخدام الهاتف، حيث يبدو أحياناً «منفصلاً عن الواقع»، مشيرة إلى ضعف تواصله مع الأسرة وتراجع تركيزه الدراسي.
وقالت إن «ذكاءه العالي لا يظهر بعد استخدامه الجهاز اللوحي، إذ يعجز أحياناً عن إجابة أسئلة بسيطة، بينما يعود إلى طبيعته المتفاعلة والمبدعة بمجرد الابتعاد عن الشاشة».
أما فاطمة إبراهيم المعيني، والدة راشد، فتروي كيف لاحظت منذ سن مبكرة، أن طفلها ينجذب كلياً إلى الجهاز الذكي، وينفصل عن محيطه بعد مرور وقت قصير على المشاهدة.
وقالت: «مع الوقت، تزايدت نوبات الغضب والعصبية لديه، إلى أن وصلت إلى حدّ اعتدائه على شقيقته الصغيرة لمنعها من الاقتراب من الجهاز»، ما جعلها تدرك أن التدخل أصبح ضرورة ملحّة.
وقالت (أم عبدالله) إنها وجدت نفسها مضطرة إلى مراقبة «التريندات» والتحديات التي تنتشر على مواقع التواصل الاجتماعي طوال الوقت، بعدما قرأت أخباراً عن أطفال في المجتمعات الغربية فقدوا حياتهم أثناء محاولتهم مجاراة «التريند».
وأكدت أنها لاحظت أن طفلها مهتم بخوض التحديات، مهما تكن صعبة، كما أنه ينجذب للمحتوى العنيف، معربة عن خوفها من تعرضه للخطر أثناء انشغالها عنه.
تحفيز مفرط
وحذّر استشاري أمراض الأعصاب الدكتور إبراهيم علام، من التأثيرات العميقة و«الأزمة الصامتة» لاستخدام الهواتف الذكية على أدمغة الأطفال قبل سن الـ12 عاماً، مؤكداً أن «هذه المرحلة العمرية تُعدّ الأكثر حساسية في تطور الدماغ»، وأن «التعرض المفرط للشاشات قد يخلّف آثاراً طويلة المدى».
وقال إن «دماغ الطفل قبل سن الـ12 عاماً يمر بمرحلة نمو متسارع جداً، خصوصاً في الفص الجبهي المسؤول عن الانتباه وضبط الانفعالات واتخاذ القرار»، موضحاً أن «المحتوى السريع والإشعارات المستمرة تخلق حالة من التحفيز المفرط وترفع مستويات الدوبامين، ما يجعل الطفل معتاداً على المكافآت الفورية، ويقلّل قدرته على التركيز ويرفع مخاطر التشتت والقلق والاكتئاب».
وأشار إلى أن «سن الـ12 عاماً تعدّ نقطة مفصلية في نمو الدماغ، إذ تكون مناطق التحكم التنفيذي والتنظيم العاطفي غير مكتملة قبل هذا العمر، ما يجعل الطفل أكثر هشاشة أمام المحفزات الرقمية الحادة».
وأوضح أن الهواتف تؤثر بوضوح في مناطق رئيسة عدة بالدماغ، أبرزها «القشرة الجبهية الأمامية» المسؤولة عن التركيز والضبط التنفيذي، و«الحُصين» وهي المنطقة المسؤولة عن الذاكرة والتعلم وتثبيت المعلومات، و«اللوزة الدماغية» المسؤولة عن تنظيم المشاعر.
وقال إن «التنقل السريع بين التطبيقات يضعف التعلّم العميق، ويرفع مستويات التوتر، وقد يقود إلى تغيّرات طويلة المدى في أنماط الاتصال العصبي تظهر لاحقاً في شكل مشكلات سلوكية أو ضعف انتباه».
وطالب بسنّ تشريع وقانون يمنع امتلاك الأطفال للهواتف قبل سن الـ12 عاماً، مؤكداً أن «المطالبة ليست اجتماعية فقط، بل مستندة إلى أسس علمية واضحة تُثبت أن الدماغ في هذه المرحلة يكون أكثر قابلية للتأثر بالمحفزات الرقمية، وأن الاستخدام المبكر يرتبط بارتفاع القلق والاكتئاب وتراجع جودة النوم»، لافتاً إلى أن إصدار قانون سيمنح الأسر إطاراً داعماً يحمي الأطفال في عمر لا يستطيعون فيه تنظيم استخدام الأجهزة في وقت تزداد فيه الحالات التي تصل للعيادات نتيجة مشكلات الانتباه، والاضطرابات العاطفية، وضعف التحصيل الدراسي الناجمة عن الاستخدام غير المنضبط للشاشات.
العالم الرقمي
وأكد استشاري طب الأطفال، الدكتور سامح عبدالعظيم، أن الإرشادات الصحية الحديثة الداعية إلى تقليل وقت استخدام الأطفال للشاشات يجب ألا تُعامل كخيار أو توصية عامة، بل كتدخل ضروري للحد من تهديد متعدد الجوانب يمس التطور الجسدي والذهني والسلوكي للطفل.
وأيد أهمية وضع ضوابط تمنع امتلاك الأطفال دون سن الـ12 عاماً للهواتف الذكية، معتبراً أن هذا «الإجراء ليس تقييداً للتطور التكنولوجي، بل حماية ضرورية خلال أهم مراحل التطور المعرفي والاجتماعي»، مؤكداً أن «التعليم والتوعية والقانون تظل الأداة الأقوى لضمان نشأة جيل يتمتع بصحة أفضل وتوازن نفسي واجتماعي سليم».
أسس علمية
بدورها، أفادت أخصائية طب الأعصاب الدكتورة بونم سي أواتاري، بأن الدراسات الحديثة تُظهر أن انخفاض جودة النوم الناتج عن السهر على الهاتف قد يرفع خطر الاكتئاب لدى الأطفال بنسبة 30%، ويخفض الأداء الأكاديمي بنحو 20%، ما يعكس التأثير العميق للنوم في الصحة الذهنية والقدرات الإدراكية.
وقالت إن «الأطفال الذين يمتلكون هواتف قبل سن الـ12 عاماً أكثر عرضة للمشكلات السلوكية»، وأن «التعرض المبكر للمحتوى الرقمي يؤدي إلى تغيّرات جوهرية، أبرزها انخفاض القدرة على التركيز المستمر بنسبة 20%، وضعف الذاكرة العاملة وصعوبة التحكم في الاندفاعات، وارتفاع مستويات القلق، وميل أكبر للعزلة الاجتماعية».
وأيدت سنّ قانون يمنع امتلاك الهواتف الذكية للأطفال، معتبرة أن «هذا الإجراء يستند إلى أساس علمي قوي، لأن استخدام الهاتف قبل هذا العمر يعرقل نمو قشرة الفص الجبهي المسؤولة عن التحكم العاطفي والسلوكي، كما يسبب اضطراباً في منظومة الدوبامين، ما يرفع قابلية الإدمان وصعوبات الانتباه، وزيادة خطر القلق واضطرابات النوم والقصور التنفيذي بنسبة تراوح بين 25 و30%».
الأجهزة الذكية
وأيد استشاري العلاج النفسي والأسري مستشار جمعية النهضة النسائية بدبي، الدكتور جاسم المرزوقي، أهمية وجود ضوابط وتشريعات مدروسة تحد من امتلاك الأطفال للهواتف الذكية، مشيراً إلى أن الدراسات الحديثة تحذّر بوضوح من مخاطر الاستخدام المبكر على الصحة النفسية والاجتماعية للطفل، لافتاً إلى أن نجاح أي تشريع يعتمد على تكامل ثلاثة عناصر رئيسة: القانون، ودور الأسرة، والتعليم الرقمي السليم.
وقال إن الانتشار المتزايد لاستخدام الأجهزة الإلكترونية بين الأطفال في سن مبكرة يجعل من القضية «مسؤولية مشتركة» بين الأسرة والمجتمع والجهات المختصة، مؤكداً أن «التعامل معها يجب أن يتم باعتبارها قضية صحية واجتماعية ذات تأثيرات بعيدة المدى على نمو الطفل».
وأوضح أن خطورة امتلاك الطفل لجهاز ذكي في عمر صغير تكمن في أن هذه الأجهزة قد تقدم محتوى لا يتناسب مع مستوى نضجه المعرفي والعاطفي، ما يعرّضه لمخاطر مثل التنمّر والاحتيال الإلكتروني، والمقارنات الاجتماعية غير الصحية، وتراجع تقدير الذات.
وأشار إلى أن الدلائل الحالية تؤكد أهمية دور الأسرة في وضع ضوابط واضحة لاستخدام الأجهزة الذكية، إلى جانب دور المدارس والجهات المعنية في توفير برامج للتوعية الرقمية، ووضع سياسات تقلل تعرض الأطفال لمخاطر الإنترنت، وتحدد سناً مناسبة لامتلاك الهاتف بما يتوافق مع مراحل النمو.
مقاطع و«تريندات»
وأكدت المرشدة الاجتماعية فاطمة إبراهيم البلوشي، أن أبرز مخاطر امتلاك الأطفال للهواتف الذكية في عمر مبكر تكمن في عدم قدرة الطفل على التحكم بما يُعرض أمامه، ما يعرضه لاحتمال مشاهدة صور أو مقاطع أو التواصل مع أشخاص قد يشكلون خطراً عليه.
وقالت إن الأطفال قد يتعرضون من خلال الهاتف إلى مقاطع عنف أو محتوى خادش للحياء أو أفكار لا تناسب أعمارهم، إضافة إلى تورط بعضهم في تحديات أو «تريندات» خطرة تتداول عبر المنصات الرقمية، ما قد يعرض حياتهم وسلامتهم الجسدية للخطر.
وقالت: «أرى أن وجود ضوابط قانونية أفضل من المنع الكامل، لأنه يحقق توازناً بين السماح والاستخدام الآمن»، مؤكدة أن حماية الأطفال من مخاطر العالم الرقمي لا تتحقق بالمنع فقط، بل عبر التوجيه، والمتابعة، وتوفير بدائل صحية تسهم في بناء شخصية متوازنة وتفاعلية.
مسؤولية تربوية
أكد المستشار القانوني طارق درديري، أن الجدل حول امتلاك الأطفال الهواتف الذكية قبل سن الـ12 لا يمكن فصله عن المنظومة التشريعية القائمة في الدولة، فـ«قانون وديمة» يقرر في مواده التزام الوالدين وكل من يتولى رعاية الطفل بحمايته من كل ما يهدد سلامته الجسدية أو النفسية أو الأخلاقية، ويجعل الإهمال أو التقصير في الرقابة صورة من صور الإساءة التي قد تُرتب مسؤولية قانونية.
وأضاف: «من هذا المنطلق، يبدو منسجماً مع روح القانون التفكير في وضع سن محددة لامتلاك الهاتف الذكي أو شريحة الاتصال، لكن التحدي العملي ليس في النص القانوني ذاته بل في مدى قابلية تطبيقه على أرض الواقع، في ظل انتشار الأجهزة واستخدامها في الدراسة والترفيه والتواصل».
واقترح إلزام منافذ البيع بعدم بيع أجهزة مفعّلة بعقود اتصالات لمن هم دون السن المحددة، وتقييد بعض التطبيقات والمواقع تلقائياً، وإلزام الشركات المصنّعة للهواتف بتوفير إعدادات افتراضية آمنة للأطفال، لا يمكن تعطيلها إلا من قِبل ولي الأمر، بكود خاص، إلى جانب وضع غرامات أو جزاءات إدارية على منافذ البيع التي تخالف الضوابط، وربما تحميل الأهل جزءاً من المسؤولية القانونية إذا ترتب على الإهمال ضرر جسيم أو استغلال أو إساءة للطفل عبر الهاتف.
وقال إن مسؤولية الأهل أخلاقية وتربوية قبل أن تكون قانونية، ولكن يمكن تعزيزها بنصوص واضحة تربط بين «واجب الرقابة» و«حماية الطفل رقمياً» دون مبالغة في التجريم.
. %72 من الأطفال يستخدمون الهاتف يومياً، و18% زيادة في «التنمر الإلكتروني».
