حذّر أطباء من الانتشار الواسع لمنتجات التدخين الإلكتروني، خصوصاً بين المراهقين والنساء، حيث يزداد استخدام السجائر الإلكترونية بديلاً للسجائر التقليدية بسبب الاعتقاد الخاطئ بأنها تُشكل بديلاً آمناً للتدخين التقليدي، ويمكن الاعتماد عليها كمرحلة انتقالية للراغبين في الإقلاع عن التدخين وبعدها يمكن الإقلاع عنها بسهولة، خصوصاً مع انتشار الإعلانات المروجة لها على شبكة الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، إضافة إلى وجود منصات لترويجها في مراكز التسوّق الكبرى.
وتحمل أنظمة توصيل النيكوتين الإلكترونية (ENDS) العديد من الأسماء، ويُعد الاسم الأكثر شيوعاً هو «السجائر الإلكترونية»، وتوجد أسماء أخرى كالسيجار الإلكتروني، والشيشة الإلكترونية، وأجهزة «vaping»، وأنظمة مود التعديل أو أنظمة البود، و«vapes»، وأقلام «vape» وهي مصطلحات شائعة، والفرق بينها وبين السجائر التقليدية، أنه بدلاً من حرق التبغ يمكن للمستخدم استنشاق النيكوتين والنكهات الأخرى من دون أي عملية حرق.
عوامل الرواج
وأوضح استشاري ورئيس قسم أمراض الرئة في مدينة برجيل الطبية بأبوظبي، الدكتور عماد النمنم، أن النيكوتين يعد العنصر الرئيس المكون للسجائر والمسبب لإدمانها، وبالنسبة للسجائر الإلكترونية يكون تسخين التبغ فيها أقل من السجائر العادية، لذلك تكون كمية امتصاص النيكوتين فيها أكثر من العادية، كما يعتاد المدخن استخدامها بشكل متكرر لكونها غير محظورة في الأماكن العامة مقارنة بالسجائر العادية، إضافة إلى قنوات التسويق والدعاية التي تعطي المستخدمين إيحاء كاذباً بأنها بديل أقل خطورة عن السجائر العادية، ما يشجع المدخنين على تعاطيها بشكل أكبر، وإضافة إلى ذلك فإن شكلها وسهولة الحصول عليها ورائحتها متعددة النكهات، تجعلها عامل جذب للفئات العُمرية الصغيرة، كطلبة المدارس، وبالتالي إدمان النيكوتين يكون منذ مرحلة مبكرة ويكون تأثيره في الدماغ أقوى لأنه يكون طويل المدى.
وحذّر النمنم من وجود خطر آخر يسببه التدخين ويسهم في تزايد حالات الإصابة بالسرطانات، وهو التدخين السلبي نتيجة تعرض المحيطين بالمدخنين لاستنشاق الدخان سواء في مقهى أو منزل، ويكون خطره كبيراً، خصوصاً عند تعرّض بعض الفئات له كالحوامل وكبار السن من أصحاب الأمراض المزمنة، حيث يسهم التعرض للدخان في الإصابة بسرطانات عدة، أهمها سرطان الثدي والسرطانات التي تصيب منطقة الأنف والفم والبلعوم، كما يسبب أيضاً تأثيرات صحية سلبية أخرى كالجلطات الدماغية وأمراض القلب والشرايين وتهيج الرئة، مشيراً إلى أن هناك دراسة تؤكد أن خطر الإصابة بالسرطان لدى المعرضين للتدخين السلبي يزيد من 20 إلى 30%.
الحمل والجنين
فيما أشارت اختصاصية أمراض النساء والولادة، الدكتورة مي محمد، إلى أن بعض النساء يلجأن إلى تدخين السجائر الإلكترونية أثناء الحمل لاعتقادهن بأنها أقل ضرراً من التدخين التقليدي، وتساعدهن في الإقلاع عن تدخين السجائر العادية أو تقليلها، لافتة إلى أن تدخين السجائر أثناء الحمل يمكن أن يضرّ النساء وأطفالهن، حيث تحتوي السجائر الإلكترونية على النيكوتين الذي يلحق ضرراً دائماً بدماغ الطفل وأعضاء أخرى متعددة أثناء نموه، إضافة إلى أن سوائل السجائر الإلكترونية تشتمل أيضاً على مواد كيميائية ونكهات وإضافات أخرى قد لا تكون آمنة على الأم والجنين، كما حذّرت دراسات طبية من أن السجائر الإلكترونية قد تضعف مستويات الخصوبة بين المدخنات الشابات.
رذاذ مُسرطِن
وحذّر أطباء الأمراض التنفسية والقلب وأطباء الأسرة: محمد رشيد، ومصطفى الأعصر، ووليد العمري، وصفاء حامد، مما أطلقوا عليه «الأمان الوهمي للتدخين الإلكتروني»، وأشاروا إلى أنه بحسب تقارير منظمة الصحة العالمية، لم تثبت السجائر الإلكترونية، كمنتجات استهلاكية، فاعليتها في الإقلاع عن التدخين بين السكان، بل على العكس، تتزايد البيانات المثيرة للذعر التي تثبت آثارها الضارة بالصحة.
وأجمعوا على أنه حتى الآن لم تتم الموافقة على أي سيجارة إلكترونية بديلاً للإقلاع عن التدخين، ويمكن أن يحتوي الهباء الجوي (البخار أو الرذاذ) للسجائر الإلكترونية على مواد كيميائية ضارة ومُسرطِنة، حيث يحتوي الرذاذ على جزيئات متناهية الصغر، وهي أكثر تركيزاً من دخان السجائر التقليدية، ما يجعل قدرتها أكبر على الوصول إلى أعماق الرئتين، كما تحتوي السجائر الإلكترونية على النيكوتين الذي يساعد في زيادة الإدمان على المنتج، ويمكن أن يُعيق النمو العقلي عند المراهقين.
إدمان
وأكد الأطباء أن التدخين بكل أشكاله وأنواعه يعد إدماناً، ويترتب عليه الكثير من المخاطر الصحية، حيث يؤدي إلى أمراض القلب والأوعية الدموية مثل النوبات القلبية والسكتة الدماغية وانسداد الشرايين والغرغرينا والعجز الجنسي، وفي مرحلة الطفولة ومرحلة المراهقة يؤدي إلى ضعف نمو الرئة والسعال والأعراض المتعلقة بالربو، وبحّة في الصوت وضيق التنفس، كما يزيد التدخين من خطر الإجهاض، وانخفاض وزن المولود، والولادة المبكرة، وموت الجنين، وترقق العظام (مرض هشاشة العظام عند النساء).
نيكوتين أكثر
وأكد مركز أبوظبي للصحة العامة أن السيجارة الإلكترونية «من دون شك مضرّة، وتشكّل خطراً حقيقياً على الصحة العامة، وليست أقل خطورة من التدخين التقليدي»، وأشار إلى أن العديد من مستخدمي السجائر الإلكترونية يحصلون على قدر أكبر من النيكوتين مما قد يحصلون عليه من منتجات التبغ القابلة للاحتراق، حيث يمكن للمستخدمين شراء «خراطيش» عالية القوة تحتوي على تركيز أعلى من النيكوتين، إضافة إلى أن النكهات المضافة إلى المنتج تساعد على زيادة إدمانه.
وأشار المركز إلى أن الإقلاع عن التدخين ليس بالأمر السهل، لكن هناك العديد من الفوائد المترتبة عليه، وتشمل خفض مخاطر الإصابة بالأمراض والعجز أو الوفاة الناتجة عن السرطان، أو أمراض القلب والرئة، أو أمراض الأوعية الدموية الطرفية التي قد تؤدي، على سبيل المثال، إلى بتر الأعضاء، وحماية صحة الآخرين بعدم تعريضهم للتدخين اللاإرادي، وتحسين مستوى الخصوبة، وبالتالي حمل آمن وأطفال أصحاء، وتحسين التنفس واللياقة بشكل عام، والتمتع بمذاق الطعام بشكل أفضل، وتحسين مظهر الجلد والأسنان، والقضاء على رائحة التبغ المنفرة، وخفض مخاطر الحرائق بالمنازل.
وبحسب إحصاءات رسمية، يعد التدخين ثاني أسباب الوفاة في العالم، وتسبّب الأمراض المتعلقة بالتدخين نحو ثمانية ملايين حالة وفاة حول العالم سنوياً، ويعد التدخين سبب وفاة نصف المدخنين، وأكثر من 80% من وفيات سرطان الرئة ناجمة عن التدخين المباشر، كما يسبب أيضاً سرطانات الفم والحلق والمريء والمعدة وسرطانات أخرى.
استهداف الأطفال
وقال مدير إدارة تعزيز الصحة لدى منظمة الصحة العالمية، الدكتور روديجر كريش: «السجائر الإلكترونية تستهدف الأطفال من خلال وسائل التواصل الاجتماعي والمؤثرين، وتعرض عليهم ما لا يقل عن 16 ألف نكهة، وتستغل شخصيات كرتونية لها تصاميم أنيقة لجذب جيل الشباب، وهناك زيادة مقلقة في تعاطي السجائر الإلكترونية في أوساط الأطفال والشباب، إذ تتجاوز معدلات تعاطيها في أوساط البالغين في العديد من البلدان».
وأضاف في تقرير نشرته المنظمة على موقعها الرسمي: «يمكن أن يرتبط التعرض لمحتوى يتناول السجائر الإلكترونية على وسائل التواصل الاجتماعي، وإن كان لفترة وجيزة، بزيادة اعتزام استخدام هذه المنتجات، فضلاً عن اتخاذ مواقف أكثر إيجابية إزاء السجائر الإلكترونية».
وأشار إلى أن الأطفال الذين تراوح أعمارهم بين 13 و15 عاماً، يتعاطون السجائر الإلكترونية بنسب أعلى من البالغين في جميع أقاليم المنظمة.
التدخين السلبي
حذّر أطباء من مخاطر تعرّض غير المدخنين لدخان السجائر (التدخين السلبي)، حيث يحتوي على أكثر من 7000 مادة كيميائية، منها أكثر من 70 مادة عرفت بأنها تسبّب السرطان، ويؤدي إلى تهيج العين، والأنف والحلق، وزيادة مخاطر الإصابة بسرطان الرئة بنحو 20 إلى 30%، ويزيد مخاطر الإصابة بأمراض القلب والشرايين، والتهاب السحايا، وتفاقم حالات الربو، والتهاب الشُّعب الهوائية، والحساسية، والشعور بالصداع والدوار والغثيان، وزيادة فرص الإصابة بالتهابات الأذن، وارتفاع خطر موت الرضع.
وأشاروا إلى أن انبعاثات نظم إيصال النيكوتين إلكترونياً تُشكل خطراً على غير المدخنين أيضاً، حيث تتسبب عادة الأهباء الجوية المنبعثة من نظم إيصال النيكوتين إلكترونياً في زيادة تركيز الجسيمات الدقيقة العالقة بالأماكن المغلقة، وهي تحتوي على مادة النيكوتين ومواد أخرى يحتمل أن تكون سامة.
فوائد الإقلاع
حدّد الأطباء ست فوائد مباشرة للإقلاع عن التدخين تشمل: انخفاض ضغط الدم والنبض للحـد الطبيعي، وتحسن الدورة الدموية خصوصاً في الأطراف، وينعـدم وجود أول أكسـيد الكـربون في الـجـسـم، وتبدأ الرئتـان التخلص من البلغم والـشوائب الأخرى، وبعد 72 ساعة من الإقلاع تـسـتـرخي الـشُّعـب الـرئـوية فتسهُل عملية التنـفس ويزيد معـدل الطاقـة بالـجـســم، وبعد ثلاثة إلى تسعة أشهر تقـل مشـكـلات الجهاز التنفسـي كالسعـال وضيـق التنفــس، كما تتحسن وظيفـة الرئتيـن بمعـدل 5% إلى 10%، وينخفض احتمال الإصابة بالسكتة القلبية بعد التوقف عن التدخين خمس سنوات، وبعد 10 سنوات ينخـفـض احتـمـال الإصابة بسـرطان الرئة إلى النصف.
. «الصحة العالمية»: الأطفال بين 13 و15 عاماً يتعاطون السجائر الإلكترونية بنسب أعلى من البالغين.